لم تتم الإشادة على نطاق واسع بطريقة تعامل باراك أوباما مع الانتفاضة المصرية. فقد كافح البيت الأبيض ليظل مواكبا للأحداث. وعلى أية حال، لا يشعر الكثيرون في واشنطن بالانبهار.اتهم المدافعون عن ضرورة اتخاذ إجراء حاسم الرئيس الأمريكي بالتردد: طالبوه بالوقوف إلى جانب الحق. ووصفه المدافعون عن الحسابات العملية بالتهور: حذروه بأن ينتبه لما يتمناه. وقد تم انتقاده لأنه تجاهل القيم الأمريكية التي شدد عليها في وقت سابق. وتم انتقاده لتجاهل المصالح الأمريكية التي تعهد بالدفاع عنها.ومع ذلك، يتفق المنتقدون على أمرين. مسار العمل الصحيح للولايات المتحدة كان (ولا يزال) واضحا؛ وقرارات أوباما، حين يتخذها أخيرا، ستقرر النتيجة. والجدل المحموم خلال الأيام العشرة الأخيرة بين خبراء السياسة الخارجية الأمريكية يدور حول هذه المبادئ. الطرفان كلاهما واهمان.
هذا التفكير يضع الخيارات الأمريكية في محور كل شيء، لذا يمكن تسميته الوهم الأمريكي المميز. والمستغرب أن هذا أيضا قد يكون خطأ. وتسود هذه المفاهيم ـــــــــــــ بأن الخيارات واضحة، وأن القرارات في واشنطن ستؤثر في ما يحدث في القاهرة بصورة غير عرضية ــــــــــ في الخارج أيضا. والكثيرون ممن يشككون عادة في طبيعة الولايات المتحدة لتولي زمام الأمور، أصبحوا فجأة يريدونها أن تفعل ذلك. وعلى الولايات المتحدة أن تتفهم عجزها في أوقات مثل هذه، وهذا ما يجب أن يفعله الجميع أيضا.صحيح أن الإدارة ترددت في استجابتها للأزمة، وحثت على الإصلاح السياسي (كما تفعل واشنطن منذ سنوات) ولكنها لم تسع لدفع الأحداث إلا حين أصبحت الفوضى في القاهرة دموية، وحتى في هذه الحالة لم تضع خطة خاصة بها. وينبغي تهنئتها على هذا التردد.
الحذر حين يتمحور التاريخ أمر غير ملهم. ولكن من الغريب أنه على الرغم من أن المغامرة العراقية السيئة لا تزال قائمة، يجب تشجيع التذبذب في مواجهة حالات اللبس بدلا من ارتكاب أخطاء قاتلة حاسمة. لقد كانت حرب العراق درسا في المعرفة الزائفة، والعواقب غير المقصودة وحدود القوة الأمريكية. من الممكن احتلال دولة باستخدام قوة عسكرية ساحقة، أو إزالة نظام مكروه، أو فرض دستور ديمقراطي ــــــــــــ ومن خلال عدم الفهم، يمكن جعل الأمور أكثر سوءاً، وبالتالي تصبح ملعونا لجهودك هذه. الدروس واضحة ولكن، بطريقة غريبة، لم يتم استيعابها.الناس في واشنطن ينظرون إلى الانتفاضة المصرية ويتجادلون، كما يفعلون دائما، حول أدوار ومصالح وقيم السياسة الخارجية الأمريكية، كأن مسألة العراق لم تحدث أبدا. ويفترض هذا الجدل أنه حالما تقرر الولايات المتحدة ما تريد، فإن البقية تأتي.الجزء الأول، أي اختيار الأهداف، صعب بما يكفي بحد ذاته. هل تريد الولايات المتحدة أن تكون مصر محكومة من قبل حليف، مهما كان استبداديا؟ أم هل عليها تحقيق الديمقراطية في مصر، كغاية بحد ذاتها (الحريات الديمقراطية قيمة عالمية) وربما لتعزيز المصالح الأمريكية، حين يتم النظر إليها بالطريقة الصحيحة (على المدى الطويل تشجع الديمقراطية على السلام والاستقرار)؟ لا شك أن السياسة الخارجية الأمريكية، إذا كان سيكون لها شكل على الإطلاق، بحاجة إلى إجابات على هذه الأسئلة ـــــــــــ ولكن هل علينا أن ندعي أنها ستكون إما بسيطة أو ثابتة؟هناك الكثير جدا من العوامل المحيرة. هل تعتبَر الأهداف التي يخدمها التحالف مع حكومة استبدادية أهدافاً عادلة؟ كيف سيكون شكل الديمقراطية في مصر؟ كيف ستتأثر الدول والتحالفات الأخرى؟ الأسئلة لا تنتهي أبدا. وفي النهاية، فإن الإجابة الصحيحة لها دائما الشكل نفسه: ليس القيم أو المصالح ـــــــــــــ يا للنقاش العقيم ــــــــــــــ بل المزيج الحكيم من الاثنين. إن التوصل إلى قرارات دقيقة بخصوص ما تتطلبه المصلحة الذاتية المستنيرة هو أمر نادراً ما يكون سهلاً، كما أنه مرهون دائما بالظروف. بكل بساطة نقول إنه بالنسبة لمصر اليوم، لا يمكن الإجابة على أهم الأسئلة.وما يزيد المشكلة تعقيدا هو مسألة الموارد. وهنا تواجه الولايات المتحدة ما يمكن أن يكون في الواقع الوهم الأمريكي الرئيسي: حالما نقرر ذلك، ليس هناك شيء لا يمكننا فعله. للأسف، لا. في العالم الحقيقي، يجب أن تتوافق الغايات مع الوسائل.لا شك أن الولايات المتحدة اشترت النفوذ مع نظام مبارك عن طريق تقديم مساعدات عسكرية سخية. وكان هذا استثمارا جيدا من عدة نواح. ساعد على ضمان سنوات من السلام والاستقرار النسبي، وهو أمر لا يمكن الاستهانة به. إلا أن النفوذ كان محدودا بالضرورة. الولايات المتحدة لم تساعد على إبقاء مبارك في السلطة، والأنظمة في الدول العربية الأخرى تلقت دعما أقل، أو لم تتلق أي دعم، أو تلقت معارضة أمريكية فعلية: لكنها بقيت كذلك. من جانب آخر فإن الولايات المتحدة أخيراً لم تطلب من مبارك الرحيل هذا الأسبوع. بل إن مصر هي التي فعلت ذلك. في الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يدعمون المنشقين على اعتبار أنهم موالين للغرب. من شأن الديمقراطية في أوروبا الشرقية أن تضع أصدقاءنا في السلطة. وفي مصر وجميع أنحاء الشرق الأوسط، يعتبر الغرب (وليس دون سبب) وسيلة قمع ثقافية وسياسية. هل يمكننا تصحيح ذلك عن طريق الوقوف إلى أحد الجانبين في الانتفاضة المصرية؟ إن الاعتقاد بذلك هو تفكير بالتمني. فعلى الأرجح أن الولايات المتحدة ستشوه سمعة الفصائل المؤيدة للديمقراطية التي تدعمها. ونقول مرة أخرى هنا، أعطوا التردد حقه.من الواضح أن للولايات المتحدة والغرب مصالح حيوية معرضة للخطر في هذه الأحداث. وإدارة أوباما لها أسباب قوية لرغبتها في توجيه مصر نحو الاستقرار والازدهار، والديمقراطية والسلام مع إسرائيل، واتخاذ إجراءات بشأن الإرهاب، والتعاون بشأن البرنامج النووي الإيراني وأكثر من ذلك. والتمني لا يحقق ذلك، وعلى أولئك الذين يعتقدون أنه يحقق ذلك أن ينضجوا.