أول رد فعل لي على خطاب أوباما عن حالة الاتحاد هو أنه كان مخيباً للآمال. في رأيي أن الرئيس الأمريكي فوَّت فرصة ممتازة لإعداد الولايات المتحدة للتقشف في المالية العامة، الذي لا بد أن يأتي. لكن بعد أن قرأت الخطاب بتمعن أكثر، أشعر أنني لم أكن منصفاً. فقد كان رأيي ليناً أكثر مما يجب.
ليس معنى ذلك أنني أتراجع عن كل شيء. كان أكثر جوانب الإخفاق في الخطاب هو غياب المعلومات المحددة حول المالية العامة. (في الشهر المقبل سنرى ما إذا كان أوباما سيضع هذه الجوانب المحددة في موازنته.) وقد تم التعويض عن ذلك إلى حد ما، ببعض العبارات المؤثرة حول الوحدة والتفاؤل والتميز الأمريكي وما إلى ذلك. لكنني كنت متساهلاً فوق الحد بخصوص الموضوع الرئيسي لكلمة الرئيس، وهو الوظائف والابتكار والقدرة التنافسية.
كيف يستطيع أي شخص أن يعترض على ذلك؟ في 1994، حين كان بول كروجمان يهتم بتبسيط علم الاقتصاد للناس أكثر من اهتمامه بمهاجمة المحافظين وانتقادهم بصورة حادة، كتب مقالاً رائعاً حول القدرة التنافسية في مجلة الشؤون الخارجية.
كان هدفه في ذلك المقال هو الرد (الواقع أن هذه كلمة معتدلة أكثر من اللازم) على المفهوم الكْلِنتوني الذي كان سائداً في ذلك الحين، على النحو الذي كان يعرضه روبرت رايك وآخرون، والذي كان مفاده أن القدرة التنافسية هي مفتاح الازدهار.
هذه الخرافة لم تفقد بريقها قط بالنسبة لزعماء الأعمال. والآن يتبنى أوباما وجهة النظر هذه.
ليس من الصعب أن نفهم وجهة نظر كروجمان. المصدر الرئيسي لمعايير الحياة المرتفعة هو النمو في الإنتاجية، كما أن النمو في إنتاجية الولايات المتحدة ليست له علاقة تذكر بمدى سرعة أو بطء النمو في اليابان أو الصين أو أي بلد آخر.
يجب أن نقر بأن تفكيره قد تغير وتطور بعد ذلك. في الأسبوع الماضي كتب مقالاً حول القدرة التنافسية لم يأت حتى على مجرد ذكر الإنتاجية. لا يهم، فقد أدرك الفكرة السليمة في المرة الأولى.
تشبيه النمو بصورة مجازية على أنه سباق بين الفائزين والخاسرين هو كلام فارغ (هل تذكرون كل الكلام الذي قيل عن لحظات سبوتنيك، وتخَلُّف أمريكا عن الاتحاد السوفييتي والفوز بالقرن الحادي والعشرين؟) على المدى الطويل، إذا ارتفعت إنتاجية الولايات المتحدة، فسترتفع معها كذلك مستويات الحياة الأمريكية. لماذا يفترَض أن يعمل النمو في الصين أو الهند على إعاقة الإنتاجية في الولايات المتحدة؟ لا يوجد أي سبب لذلك على الإطلاق.
حين ينحصر تفكير المرء بأن يقرن ''الإنتاجية'' في كل مرة يقول فيها أحد السياسيين ''القدرة التنافسية''، فإنك تنظر إلى السياسة الاقتصادية على نحو مختلف. سيبدأ الفوز بمظهر مبالغ فيه. وهذا يثير التساؤل حول ما هو الذي نفوز فيه بالضبط؟. من الجميل أن يكون بلد معين هو البلد الأول في العالم في إنتاج الألواح الشمسية، لكن كيف سيعمل ذلك على رفع الإنتاجية على مستوى الاقتصاد بأكمله؟ يكمن مفتاح التحسين في مستويات المعيشة، ليس في كسب السباق لتطوير تكنولوجيات استعراضية، وإنما في تكويم رأس المال ونشر المعرفة واستيعاب الاضطراب الذي يستتبعه ذلك.
نحن نتفق على أن في ذلك نوعاً من التبسيط. يغلب على المهارات أن تتجمع في حلقات. المقالات المنشورة حول الأبحاث والتطوير تشير إلى أن العوائد الاجتماعية أعلى من العوائد الخاصة، بالتالي فإن الحجة الداعية إلى دعم الأبحاث والتطوير هي حجة قوية.
في السنوات الأخيرة تراجعت الصلة بين الإنتاجية والأجور، ويعود بعض السبب في ذلك إلى أن التكاليف الصحية عملت على دق إسفين بين الاثنين.
لكن حين نضع جميع هذه الاستثناءات والاعتراضات، تظل الإنتاجية هي الفكرة المحورية، وأنت لا ترفع الإنتاجية من خلال إرسال رجال إلى القمر (حتى لو استطعت كناتج ثانوي الحصول على أقلام حبر ناشف تكتب وهي مقلوبة). جوهر الإنتاجية هو أن تأتي بالأشياء المملة بطريقة جيدة.
أعمل على تثقيف العمال. ثم ابنِ الطرق والمطارات (القطارات ذات السرعة الكبيرة أمر اختياري نتركه لك)، لا تعاقب المدخرين. لا تفرط في وضع الأنظمة المتشددة. دع الشركات الجيدة تزدهر والشركات السيئة تفشل. ''الإنتاجية الأعلى'' هي طريقة أخرى لقولنا ''التكاليف الأدنى''، بالتالي دع الشركات تسعى جهدها لتخفيض هذه التكاليف. مرحباً بالواردات الرخيصة. ذلك أنها تعمل على رفع المداخيل الحقيقية.
قد تتساءل: لكن ما الفائدة من كل ذلك إذا اختفت جميع الوظائف؟ الوظائف لا تختفي جميعاً. معدلات البطالة مرتفعة في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر بسبب انهيار الطلب، وليس لأن الولايات المتحدة ''فقدت قدرتها التنافسية''. في نهاية الأمر، سينتعش الطلب وستتعافى معدلات التوظيف. حتى في الأوقات الطيبة، فإن المنافسة الأجنبية تُكرِه العمال على البحث عن وظائف جديدة. إذا كنت تنوي الاعتراض على هذه الفكرة، فيحسن بك كذلك أن تشتكي من الابتكارات التي تؤدي إلى التوفير في اليد العاملة. ليس الاقتصاد الناجح هو الذي يتجنب أن يفقد العمال وظائفهم أو ينتقلوا إلى وظائف أخرى، وإنما هو الاقتصاد التي يسرع في إرسالهم مرة أخرى إلى وظائف جيدة.
المساعدة في هذا الانتقال هي أحد الأدوار المناسبة والسليمة للسياسة الاقتصادية. لكن في النهاية فإن الرواتب التي تُدفع مقابل هذه الوظائف ستعتمد على رأس المال المادي والبشري، أي على الإنتاجية بعبارة أخرى.
وبصرف النظر عن الجدل والمماحكة حول القدرة التنافسية، يبدو على تفكير الرئيس كذلك أنه مصاب بنوع من التشويش بخصوص الابتكار والوظائف. فهُما نادراً ما يسيران جنباً إلى جنب، على الأقل في البداية. إن الرغبة في اختصار التكاليف، بما في ذلك تكاليف الأيدي العاملة، هي السبب في حدوث معظم الابتكارات.
يتصور الرئيس اندفاعاً في الاستثمار والوظائف في الطاقة النظيفة. بإمكانك تبرير ذلك من خلال أسباب تتعلق بالبيئة والأمن القومي. من جانب آخر بإمكانك تبرير ذلك على أنه تحفيز للإنفاق، وهو أمر ربما سيعمل على تعزيز إجمالي التوظيف.
لكن الطاقة النظيفة تعتبر تكنولوجيا محدثة للاضطراب، وحتى تتأكد من ذلك ما عليك إلا أن تذهب إلى ولاية وست فرجينيا وتسأل إحدى شركات المناجم. حين يكون التوظيف كاملاً، أو كجزء من صفقة محايدة من حيث الإيرادات، وهو الأمر الذي يبدو أنه يدور في عقل الرئيس، فإن من شأن ذلك تدمير عدد كبير من الوظائف يعادل ما يخلقه.
إن الولايات المتحدة بلد غني بصورة كبيرة لأنه يتمتع باقتصاد إنتاجي كبير. بصورة رئيسية أنا أنسب الفضل في ذلك إلى قواعد العمل الأخلاقية الشديدة، والشهية الأمريكية للتحرك الاقتصادي، والاندفاع الذي حدث بعد 1945 في الاستثمار والتعليم.
أخلاقيات العمل لم تتضرر. بالمعايير الأوروبية، ما زال هناك تحمل للانزياح الاقتصادي. لكن النظام التعليمي الأمريكي، على الرغم من الجامعات الأمريكية الممتازة، يتعرض للفشل الآن. لا شك لدي في أن هذا هو أكبر تهديد يواجه مستويات الحياة الأمريكية في المستقبل. أشار الرئيس إلى ذلك في خطابه، وقد أحببت هذا الجزء.