منعطف الأحداث خلال هذا الشهر ترجّح ما ينطوي على عدم ترشح الرئيس مبارك لولاية رئاسية أخرى، في الانتخابات المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل.
على أن القضية الآن تتعلق بموقف نظام الحكم، خاصة إذا ما واصل عشرات الآلاف من المتظاهرين الغاضبين تحدي قوى الأمن، وطالبوا بالتغيير السياسي، مما يؤشر على بداية لُعبة أخرى.
في وجود أكثر من 80 مليونا، وفي قلب العالم العربي، فإن مصر، وهي حليف استراتيجي للولايات المتحدة، أكبر من تونس بكل المقاييس.
من شأن اضطرابات فيها أن تكون لها عواقب إقليمية وخيمة، وهناك تراكمات وافرة قابلة للاشتعال.
الإصلاح الاقتصادي المتقطع خلال الأعوام الـ15 عاماً الماضية، رفعت النمو والأداء الاقتصادي، ومع ذلك فإن نسبة المصريين تحت خط الفقر ارتفع من 39 إلى 43 في المائة تحت مرأى نظام الحكم، وفي ظل نظام طوارئ، وفي غياب معارضة منظمة.
على أن نظام الحكم قد وسّع من قاعدة تأييده، من خلال تعظيم مكاسب مصالح الأعمال: هناك الآن عشرات من رجال الأعمال في البرلمان المصري. الحزب الحاكم، الذي يفترض أن السيد جمال مبارك قد بث فيه روح الإصلاح، يظل تابعاً لنظام الحكم. وهناك من يرى أن الإصلاح قد تلخّص في توسيع دائرة المقربين منه.
في الصراع مع جماعة الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيماً ولكنها معارضة غير شرعية، يستند نظام الحكم غالباً على المؤسسة الدينية التقليدية. على أن ذلك صب في صالح توسيع دائرة الإسلاميين ورفع من طيف الرؤى الدينية. نظام التعليم العام مخيب للآمال، فيما تضخ الجامعات خريجين ليس في المنظور إلا تمتعهم بأقل الفرص في حياة كريمة. لا غرو أن هناك فئات منهم اندفعت إلى الشوارع الآن.
بيد أن الطبقة الوسطى أصغر نسبيّاً مقارنة بنظيرتها التونسية، كما أن النقابات المصرية المستقلة، التي أطلقت موجة من الإضرابات العام الماضي، تظل ضئيلة بدورها. وفي حين أن الإخوان المسلمين تواروا عن الظهور في الاحتجاجات ـــ إلى الآن ـــ لم يتضح بعد ما إذا كانت الاحتجاجات المدارة عبر منافذ الإعلام الاجتماعي، بإمكانها حشد الكتلة الحرجة على غرار ما أحدثته في تونس.
إن ذلك يمكن أن يتغيّر بشكل متسارع، إذا ما بدأ ارتفاع أسعار الغذاء والوقود المساس بالفقراء ـــ وهي العوامل التي ألهبت آخر أضخم انفجار اجتماعي مصري في 1977.
عقب اضطرابات الغذاء في 2008، أعلن الرئيس مبارك من على شاشات التلفزيون، خفضاً بنسبة 30 في المائة في الزيادات. على أن ذلك ارتد رافعاً التضخم المحلي، الذي تفاقم بالتضخم المستوّرد. على زعماء مصر البدء في التخطيط الآن للخلافة السلسلة في مصر.
للولايات المتحدة دور هنا، باعتبار تقديمها 1.3 مليار دولار سنوياً لمصر منذ 1979. واشنطن أوحت بحذر أنه ينبغي الاستجابة لاحتياجات وتطلعات المصريين. ولعل المطلوب منها أكبر، أي الإلحاح على فتح مجال التنافس السياسي الحقيقي، لتنفيس احتقانات المجتمع المصري.