أزمة نقص الدولار تتفاقم في مصر.. وشركات أجنبية تهدد بسحب استثمارها من البلاد
لا يزال الجدل حاضراً في الساحة المصرية مع تواصل أزمة نقص الدولار في الأسواق المحلية لدى الأفراد والشركات، مع بدء تهديد علني لشركات أجنبية بسحب استثمارها من البلاد، إن لم تجد الحكومة حلولاً عملية لها.
خلال وقت سابق من الأسبوع الماضي، أعلنت شركة جنرال موتورز الأميركية وقف عملياتها الإنتاجية في مصر؛ بسبب عدم قدرتها على الإفراج عن مستلزمات الإنتاج المحتجزة في الجمارك منذ فترة وذلك لعدم قدرتها على توفير الدولار.
في المقابل بدأت السلطات المصرية منذ نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي باتخاذ قرارات تهدف إلى زيادة الجمارك على نحو 600 سلعة، وحظر استيراد 50 سلعة من الخارج، إلا إذا كانت مصانعها مسجلة لدى الهيئة العامة للرقابة على الصادرات بمصر، وفرض قيود على الإيداع الدولاري بالبنوك، للحيلولة دون تدفق العملات الصعبة إلى خارج البلاد.
الخروج من الأزمة
"الأناضول" وقفت على رؤية خبراء ومختصين، طرحوا كيفية تجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد.
الخبير الاقتصادي المصري عز الدين حسانين قال إن الاضطرابات السياسية وعمليات التحول الديمقراطي في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، أدت إلى هروب نحو 25 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي من خلال المستثمرين، بعد أحداث الثورة وتحويلها للخارج.
وأضاف حسانين أن مصادر الدولار في مصر تتمثل في إيرادات السياحة، والصادرات، وعوائد المجرى الملاحي العالمي بقناة السويس، وتحويلات العاملين المصريين من الخارج، وكلها تأثرت لأسباب داخلية وخارجية متباينة.
ومنذ نهاية أكتوبر/تشرين أول الماضي، تراجعت عائدات الضرائب، بعد إسقاط الطائرة الروسية المنكوبة، التي كانت تقل سياحاً روسيين، تبعه قرار روسي ودول أخرى بحظر إرسال رحلات سياحية إلى مصر.
فيما أظهرت بيانات ملاحية تراجع إيرادات قناة السويس من العملة الصعبة، على الرغم من فتح تفريعة جديدة خلال وقت سابق من العام الماضي، أسست بهدف زيادة الإيرادات الضريبية الملاحية.
وعلى الرغم من عدم صدور أرقام رسمية، إلا أن تراجع سعر برميل النفط الخام أثر بشكل سلبي على توفير فرص العمل، خاصة في أسواق الخليج العربي، بسبب تقليص حجم الاستثمارات في مجال الصناعات البترولية.
ووصف حسانين تأثير أزمة الدولار على الشركات الأجنبية العاملة في مصر، بـ"الكبير جداً"، مؤكداً أن الدولار يستخدمه الصناع والتجار المستوردون لشراء المعدات والخام، وفي حالة عدم وجوده، يتعطل الإنتاج.
وأشار إلى أن إعلان شركة جنرال موتورز سيتبعه قرارات مماثلة أخرى، "الأمر الذي يؤثر على الصناعة وما سيرافقه من قلة الإنتاج والمعروض، وبالتالي ارتفاع الأسعار، وارتفاع نسب البطالة".
وأضاف "أيضاً، فإن عدم توافر الدولار في السوق الرسمية سيؤدي إلى ارتفاع سعره في السوق الموازية (السوداء)، وإقبال الصناع على شرائه بكثرة، ما يعني انخفاض قيمة الجنيه المصري، وزيادة تكلفة الخامات المستوردة من الخارج، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاج على المصنعين داخلياً وخارجياً"، بحسب حسانين.
الحلول الحكومية غير كافية
نهاية العام الماضي 2015، قال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر إن البنك قدم مع البنوك المحلية 8.3 مليار دولار، لتغطية طلبات الاستيراد وسداد المستحقات المعلقة للمستثمرين الأجانب.
ويرى الخبير الاقتصادي أن "الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية حالياً، مثل بيع أراضٍ للمغتربين بالدولار، وخفض الاستيراد، وتشجيع السياحة". غير كافٍ لحل الأزمة.
إلا أن حسانين يعتقد أن مصر لديها القدرة على الصمود فترة من الزمن، "البلاد لديها قواعد إنتاجية ثابتة وبنية تحتية، تجعل المؤسسات المالية والمانحة والصناديق السيادية لأن تمنحها قروضا خلال عام 2016/2017".
ويرى أستاذ الاقتصاد المصري عبدالهادي عبدالفتاح أن أزمة الدولار بمصر حالياً ترجع إلى ما اعتبره "تكراراً لنفس السياسات الاقتصادية الخاطئة" أيام الرئيس المصري حسني مبارك.
وطالب عبدالفتاح بأن يكون التوسع في المشروعات القومية متعادلاً مع معدل الناتج القومي، معتبراً أن أساليب التمويل للمشروعات القومية الحالية "خاطئة" وأبرزها قناة السويس الجديدة.
أزمة قديمة متجددة
بينما ينظر الخبير الاقتصادي رضا عيسى إلى أن أزمة الدولار بمصر قديمة ومتجددة بسبب أخطاء السياسة الاقتصادية المتبعة منذ عقود، وتحول الاقتصاد المصري نحو الخدمات، والتخلي تدريجياً عن القطاعات الإنتاجية والسلعية.
واعتبر عيسى أن الاستثمارات الأجنبية في مصر تمثل أحد عوامل نزيف العملات الصعبة، من الداخل للخارج.
ولحل أزمة نقص الدولار بمصر، طالب عيسى بإعادة النظرة في السياسة الاقتصادية الكلية للبلاد، والابتعاد عن التوصيات الوافدة من الخارج، وتبني سياسة وطنية تعتمد على الذات والإنتاج الداخلي، بحيث لا تصبح مصر مكاناً لعرض كل منتجات العالم.
وأشار عيسى إلى أن الاعتماد على الاقتصاد الخدمي يجعل مصر عرضة لكل التطورات في العالم، وضرب مثالاً على ذلك بقطاع السياحة، وما يجر من تداعيات سلبية.