تناقص كمية الاحتياطي من النقد الأجنبي في مصر ... تقرير
اتجهت مصر لتخفيض قيمة عملتها لمواجهة النقص في كمية النقد الأجنبي
على الرغم من الجهود المضنية التي تبذلها الحكومة، إلا أنه يظل التجار يبيعون الدولار بأعلى من سعر الصرف الرسمي (البيع في السوق السوداء-الغير رسمية-). فاتجهت الحكومة في بداية العام، إلى تخفيض قيمة الجنيه لتتناسب مع الأسعار في السوق السوداء، وبالتالي القضاء على التجارة غير الرسمية. ولكن تكمن المشكلة في أن الطلب على العملة الخضراء – الدولار- يفوق العرض بمراحل، مما يعرض احتياطي الدولار للنقصان، تاركاً الحكومة لديها عجز في كمية النقد الأجنبي، وواضعاً التجار مرة أخرى في دائرة الأعمال التجارية.
وقد تراجع الاحتياطي الأجنبي لمصر إلى 16.4 مليار دولار في سبتمبر، وهو ما يكفي لتغطية نحو ثلاثة أشهر من الواردات- وهو الحد الأدنى الذي أقره صندوق النقد الدولي-. ولكن مصر في الوقت الراهن، لا تجتذب كميات كبيرة من الدولار. فقد شهدت سنوات من الاضطراب السياسي، مما كان له أثراً سلبياً بالغاً على كل من السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، الذي بلغت قيمته 6.4 مليار دولار في السنة المالية الماضية (التي تمتد من يوليو حتى يونيو). ويقول بعض المحللين المتفائلين، أن الحكومة تتمنى تلقي حوالي 10 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة هذا العام.
في الوقت نفسه، أخذ الطلب على الدولار في الارتفاع. فمصر تحاول إدارة العجز التجاري السنوي لأكثر من عقد من الزمان. وفي الآونة الأخيرة حققت نمواً كبيراً في هذا الصدد. وعلى الرغم من أن قيمة فاتورة النفط تنخفض جنباً إلى جنب مع الأسعار، فقد بلغت قيمة واردات مصر منه خلال العام الماضي ما يقرب من 12.3 مليار دولار. كما أنفقت 48.5 مليار دولار على الواردات الأخرى، بما في ذلك القمح والسيارات والمعادن. ويقول ألن سانديب من شركة الاستثمار- نعيم القابضة- «هذا هو مصدر عدم التوازن»
ونذكر أن مجموع صادرات مصر العام الماضي قد بلغت 22 مليار دولار، فنلاحظ أن قيمة الصادرات لا تتطابق مع قيمة الواردات مما يسبب عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات أيضاً لأنهما غير متطابقان، حيث أن قيمة الواردات تفوق قيمة الصادرات بمراحل.
لا عجب، إذن، أنه من المتوقع أن تصل قيمة العجز في الحساب الجاري هذا العام حوالي 20 مليار دولار. وبالإضافة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد قامت مصر بتمويل هذا النقص في السنوات الأخيرة من خلال المنح المقدمة من دول الخليج حرصاً منها على دعم نظامها العسكري. إلا أنه من المتوقع أن تتضاءل بسبب تقلص أسعار النفط الذي يخفض بدوره إيرادات المانحين في مصر. وقد أعلنت الحكومة قروضاً جديدة بقيمة 1.5 مليار دولار من البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي، وتتفاوض على قرض آخر منفصل بقيمة 3 مليار دولار، على مدى ثلاث سنوات من الأخير(البنك الدولي). وقد تأتي المزيد من الدولارات من بيع الأراضي للمصريين المقيمين بالخارج، ولذلك تأمل الحكومة في أن تكسب من خلالها قيمة 2.5 مليار دولار. وعلى الرغم من كل ذلك، ظل هناك شعور بأن مصر سوف تضطر إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لتخطي هذه المرحلة.
لذلك لم تكن مفاجأة عندما سمح البنك المركزي للجنيه المصري ليصل إلى أدنى مستوى قياسي له يوم 18 أكتوبر. حسبما ذكرت مجلة الإيكونوميست The Economist ، »وقد سجل الجنيه 8.03 في مقابل الدولار، مسجلًا بذلك انخفاض بنسبة 11٪ هذا العام» ، وبذلك يكون سعر السوق السوداء أرخص بمعدل 5٪، لذلك من المتوقع حدوث مزيد من الانخفاض في قيمة الجنية (حتى يتساوى سعر صرف الدولار مقابل الجنية في السوق الرسمية مع سعر صرفه في السوق السوداء(الغير رسمية). وربما يحتاج أن ينخفض أكثر من ذلك، لضمان استعادة القدرة التنافسية المصرية في الخارج (أي زيادة الصادرات المصرية)، وقد قال جيسون تيوفي “Jason Tuvey” من شركة الأبحاث ” كابيتال إيكونوميكس”، انه يتوقع أن يصل سعر صرف الدولار مقابل الجنية حوالي 8،25 بحلول نهاية هذا العام، وأن يصل أيضاً إلى 8.50 بحلول نهاية العام المقبل.
إن عدم رغبة البنك المركزي في السماح للجنية بالانخفاض بشكل سريع، نابع من الخوف من زيادة التضخم. حيث أن مصر تستورد الكثير من المواد الغذائية، التي من شأنها أن تحدث زيادة كبيرة في الأسعار إذا كان هناك انخفاض مفاجئ في قيمة الجنية. ومن شأن ذلك أن يتسبب في الغضب على نطاق واسع، وربما يتسبب أيضاً في إثارة الاضطرابات الاجتماعية. وكما يقول السيد سانديب ،«إن مصر لن ترغب في المخاطرة المؤدية إلى ثورة أخرى»،. ولعل الرئيس الجديد للبنك المركزي – طارق عامر- الذي تم تعيينه في يوم 21 أكتوبر، أن يتبع سياسة جديدة تكون أكثر حسماً مما قبلها.
وبسبب ذلك، قد أجل معظم المستثمرين قرارات استثماراتهم، بسبب احتمالية المزيد من التخفيض في قيمة العملة، وحيث أن ضوابط رأس المال تهدف إلى دعم الجنيه المصري. فقد حددت الحكومة العام الماضي قيمة التحويلات النقدية إلى الخارج بقيمة 100،000 دولار سنوياً. وفي محاولة للضغط على السوق السوداء، تم إغلاق الودائع في حسابات العملات الأجنبية عند 10،000 دولار يومياً، وعند 50،000 دولار شهرياً في بداية هذا العام. وقد أضرت تلك التحركات -جنباً إلى جنب مع تقنين الحكومة من العملات الأجنبية- بالأعمال. حيث بدأت معظم الشركات تشكو من نقص السيولة النقدية لجلب الواردات. ويعتقد السيد تيوفي أن ذلك قد ساهم في تباطؤ حاد في النمو في النصف الأول من هذا العام.
وإذا كانت مصر تريد التعافي من هذه الأزمة، فهناك ما يدعو للتفاؤل. حيث استثمرت الحكومة في مجال التصنيع أملًا منها في زيادة الصادرات. والأهم من ذلك، أن إينيENI – شركة النفط الإيطالية- قد اكتشفت حقل غاز شاسع بالقرب من السواحل المصرية. ووفقاً لبعض التقديرات، يمكن لحقل الزُهر The Zohrأن يحول مصر من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة للغاز بحلول عام 2020.