عندما تجد كل من هب ودب وضع أمواله في البورصة لتحقيق مكاسب كبيرة أو صغيرة, يمكنك أن تدرك وقتها أن البورصة في طريقها للانهيار!
هذه ليست نظرية اقتصادية مبنية على أسسس علمية سليمة, ولكنها مقولة يرددها الكثير من الخبراء في مجال أسواق الأوراق المالية, للتعبير عن واحد من الأسباب الرئيسية وراء انهيارالبورصات في أي مكان في العالم, إضافة إلي جملة أسباب أخري بطبيعةالحال, تتعلق بالأوضاع الاقتصادية العالمية والإقليمية والمحلية وبإدارة عمليات البورصة والقرارات التنظيمية التي تتخذ فيها, وتتعلق بمدى توافر المعلومات ودرجة الشفافية والمصداقية في هذه المعلومات, وتتعلق أيضا بمدى كفاءة نشاط الجهات الرقابية التي تمارس دورها في البورصة.
ونظرة سريعة علي اثنتين من أبرز وقائع الانهيارات المالية في التاريخ ستعطينا فكرة واضحة عن الأسباب التي يمكن أن تكمن وراء انهيار أي بورصة.
فقد كان من أشهر انهيارات البورصات علي مر التاريخ ذلك الانهيارالكبير الذي حدث في سوق وول ستريت بنيويورك عام1929 في فترة ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق هربرت هوفر, وكان من أبرز معالمه أن اختفت مبالغ تقدربالمليارات من بورصة نيويورك بين يوم وليلة, ووصف هذا الانهيار بأنه منأبرز الأحداث التي شهدها القرن العشرين, لأنه تسبب في نشوء الأزمةالاقتصادية العالمية التي عاني منها العالم كله في فترة الثلاثينيات وأديإلي موجة كساد طويلة لم يفق منها العالم بسهولة.
والمشكلة أنهذا الانهيار وهذه الأزمة جاءا بعد فترة انتعاش اقتصادي رهيب شهدتها الولايات المتحدة طوال فترة العشرينيات من القرن نفسه, وانعكس ذلك على امتلاء خزائن البنوك الأمريكية بالأموال, وبالتالي أدي ضخ هذه الأموال في بورصة نيويورك إلي انتعاشها, قبل أن يحدث ما حدث من انهيار.
غمرت الأموال البنوك والشركات الامريكية الكبيرة, وقد أعيد توظيف جانب كبير من هذه الأموال في سوق الأسهم, مما جلب مزيدا من الانتعاش والازدهارإلى الاقتصاد, ولكن السبب الحقيقي وراء الانهيار هو نفسه السبب وراءانتعاشها, فقد أدي ارتفاع المكاسب في البورصة إلي تشجيع أناس كثيرين ـبمن فيهم البسطاء ـ علي شراء الأسهم, وانتشرت حمي البورصة إلي الجميع,لدرجة أنه تروي في ذلك قصة طريفة لا يعرف مدي صحتها, وهي أن خادمة تعمل للدي عائلة ثرية في نيويورك تركت عملها لأن هذه العائلة رفضت تركيب تليجراف لمؤشرات سوق البورصة في المطبخ!
وهناك قصة أخري رويت عن هذه الفترة تقول إن سمسارا كان يلمع حذاءه في نيويورك ـ قبل ثلاثة أيام من انهيار البورصة ـ عند ماسح أحذية اشتهر بتلميع أحذيةالمترددين علي البورصة, وأثناء تلميع الحذاء قال ماسح الأحذية للزبون:'هل تعلم أنني اشتريت أسهما في البورصة'؟!.. فاندهش السمسار وسأله:'ومن أين جئت بالمال'؟.. قال:' اقترضته من بنك مانهاتن, فقال له:'ومن دلك علي ذلك'؟! فقال له ماسح الأحذية ضاحكا:' سيدي, كل زملائي من ماسحي الأحذية فعلوا نفس الشيء'!..
.. وبعد أن سمع السمسار هذه الجملة توجه علي الفور إلي البورصة وباع كل أسهمه, ولهذاأفلت بجلده في الوقت المناسب, وبعدها حدث الانهيار الكبير!
وعلى الرغم من أن هذا الانهيار سبقه تحذيرات عديدة من قبل خبراء الاقتصاد والمحللين الماليين من قرب حدوث هذا الانهيار نتيجة ما وصفوه بـ'فقاعة'المكاسب في وول ستريت ونظرا للمبالغات الكبيرة في أسعار بعض الأسهم, فإنكثيرين سعوا إلي الربح الكبير والسريع, وبالتالي لم يروا ما أمامهم من مخاطر, فكان ما كان.
وكان يوم الاثنين الأسود ـ في29اكتوبر1929 ـ هو اليوم الذي شهد بيع76 مليون سهم, لتنهار أسعارالأسهم مسببة خسائر رهيبة تقدر بالمليارات, وبلغت المبالغ التي'تبخرت' من البورصة وقتها أكثر من ثلاثين مليار دولار ـ لاحظ أن الملياربلغة العشرينيات من القرن الماضي كان رقما أسطوريا ـ وبلغ من شدة هذاا لانهيار أن بعض هذه الاسهم المنهارة لم تسترد بعض عافيتها إلا بعد حوالي ربع قرن من هذه الكارثة.