الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، والتوقعات تشير بتحسن معدلات النمو، فما هي المفاجأة اليوم !
أما اليوم فسنكون على موعد مع تقرير الناتج المحلي الإجمالي عن الربع الثالث من هذا العام إلى جانب المؤشر المفضل لدى البنك الفدرالي لقياس التضخم - مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري - عن الربع الثالث أيضا، هذا بالإضافة إلى صدور مؤشر شيكاغو لمدراء المشتريات عن شهر تشرين الأول إلى جانب مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلكين خلال الشهر نفسه مغطيا القراءة النهائية للشهر الجاري.
ومع البداية نشير إلى ان وزارة التجارة الأمريكية ستصدر القراءة المتقدمة للناتج المحلي الإجمالي عن الربع الثالث من هذا العام والذي من المتوقع أن يشير إلى ارتفاع في معدلات النمو ليشير إلى توسع بنسبة 2.0% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 1.7%، بينما من المتوقع أن ترتفع القراءة المتقدمة للناتج المحلي الإجمالي المقاس بالاسعار بنسبة 1.8% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 1.9%.
أما بما يخص مؤشر الإنفاق الشخصي فمن المتوقع أن يرتفع هو الآخر خلال الربع الثالث بنسبة 2.5% مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 2.2%، إضافة إلى التوقعات التي تشير بأن مقياس التضخم المفضل لدى البنك الفدرالي - مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري - سيثبت خلال الربع الثالث كما في السابق عند القراءة السابقة التي بلغت 1.0% دون أي تغيير يذكر.
واضعين بعين الاعتبار أن الاقتصاد الأمريكي نما خلال الربع الأخير من العام 2009 بنسبة تعد قوية وسط الضغوطات التي تقع على عاتق الاقتصاد ككل، مركّزين على أن النمو تشكّل بالاساس من الارتفاع في الاستثمارات والمخزونات إضافة إلى الدعم المقدم من قبل قطاع الصناعة الأمريكي، وذلك وسط التحسن الذي طرأ مؤخرا والذي بدأ مع النصف الثاني من العام المنصرم، الأمر الذي أكسب الاقتصاد العزم، خاصة مع مواصلة الدعم المقدم من الحكومة الأمريكية للأنشطة الاقتصادية عن طريق السياسة النقدية المتبعة والإجراءات الغير تقليدية.
إلا ان الاقتصاد الأمريكي لم يتمكن من المحافظة على الوتيرة القوية من النمو أو الحفاظ على العزم الذي اكتسبه ليكمل به خلال النصف الأول من العام الحالي، حيث أن النشاطات الاقتصادية تمر في مرحلة تقلص نوعا ما، إذ أن معدلات البطالة وأوضاع التشديد الائتماني تشكل عائقا أمام تقدم الاقتصاد الأمريكي بالشكل المنشود، مع العلم أن البنك الفدرالي صرح مؤخرا في مناسبات عديدة بأن الاقتصاد الأمريكي سيواصل سيره نحو التعافي ولكن بوتيرة "معتدلة وتدريجية".
أما بالنسبة للتضخم فقد أكد البنك الفدرالي مرارا وتكرارا وفي أكثر من تصريح أن مستويات التضخم ستبقى تحت السيطرة خلال العامين المقبلين، وسط تركيز البنك الفدرالي على تعزيز النمو، وبخصوص توقعات البنك الفدرالي حول معدلات التضخم فقد أشار البنك أن مخاطر الانكماش التضخمي بدت وأنها ترتفع مؤخرا وسط التردي في الأوضاع الاقتصادية التي طرأت على الساحة الأمريكية.
ويجب أن نغفل من أذهاننا أن معدل البطالة لا يزال يقف ضمن المستوى الأعلى له منذ حوالي ربع قرن وهذا ما يعيق تقدم الأنشطة الاقتصادية ويحد من مستويات الإنفاق لدى المستهلكين مؤثرا بالسلب على نمو الاقتصادي، وذلك باعتبار أن الإنفاق يمثل حوال 70% من النمو في الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا شهدنا تعثرا في الأنشطة الاقتصادية خلال النصف الأول من هذا العام.
ويبقى سبيل الخلاص للاقتصاد الأمريكي من أسوأ أزمة مالية منذ عقود في يد قطاع العمالة الأمريكي، حيث لن يجد الاقتصاد الأمريكي طريق الخروج قبل أن تنخفض معدلات البطالة وبشكل ملحوظ، مشيرين إلى أن معدلات البطالة من المتوقع أن تبقى ضمن المستويات العالية مع نهاية العام الحالي وحتى الربع الأول من هذا العام.
وبالعودة إلى البيانات الرئيسية الصادرة فسيصدر أيضا عن الاقتصاد الأمريكي مؤشر شيكاغو لمدراء المشتريات والذي من المتوقع أن ينخفض خلال تشرين الأول إلى 58.0 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 60.4 وذلك في خضم الاضطراب الذي واجهه قطاعي الصناعة والخدمات وسط العوائق التي تقع على عاتق الاقتصاد الأمريكي ككل.
مشيرين بأن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يمر في وقت عصيب بعض الشيء، فهناك من المستثمرين من يتكهّن بأن البنك الفدرالي لن يتوانى عن تقديم يد العون للاقتصاد الأمريكي، والبعض الآخر يشير بأن الوقت والظرف لم يحتاجا بعد لإطلاق سلسلة جديدة من المساعدات للاقتصاد، لما له الأثر أيضا في إضعاف الدولار الأمريكي وارتفاع العرض النقدي في الأسواق.
إلا انه من المؤكد أن يتمكن الاقتصاد من إيجاد سبيل الاستقرار، حيث من المحتمل أن يتلقى الاقتصاد المزيد من العزم ليشكل الدعم للأنشطة الاقتصادية إلى حين تحقيق الاستقرار على المدى البعيد، وسرعان ما تبدأ معدلات البطالة بالهبوط بوتيرة أسرع فإننا قد نشهد نسب نمو أكثر قوة، وهذا ما نتوقع حدوثه بحلول النصف الثاني من العام المقبل.
أما بالنسبة للاقتصاد الأكثر التصاقا بالاقتصاد الأمريكي، ألا وهو الاقتصاد الكندي، فسيصدر أيضا تقرير الناتج المحلي الإجمالي الخاص بشهر آب والذي من المتوقع أن يشير إلى توسع بنسبة 0.3% مقارنة بالانكماش السابق الذي بلغ -0.1% واضعين بعين الاعتبار أن الاقتصاد الكندي يعتمد بالشكل الأكبر على الصادرات وعلى الاستثمارات التي أشار البنك المركزي الكندي مؤخرا بأنه بصدد تعزيزها لدعم النمو الاقتصادي في كندا.
ومن المؤكد أن يواصل الاقتصادين تعافيهما من الأزمة المالية الأسوأ منذ الكساد العظيم، و من الجدير بالذكر بأنه سيلزمهما المزيد من الوقت قبل أن ترجع المياه إلى مجاريها كما يقولون، وبالتالي من المتوقع أن نرى تباينا في أداء الاقتصادين خلال الفترة القادمة، وذلك قبل أن يتمكنا من تحقيق الاستقرار الجزئي بحلول العام 2011...