سلام للجميع وشكر لمن يقرا الموضوع حتى ولو بدون تعليق لمجرد الأهتمام فقط بكلمة "إقرأ" أو بدعوتى للقراءة ... أعتقد أن الحث على العلم والقراءة يأتى من داخل الشخص وبيئته وما نشأ عليه فمهما حاولت أزاحة الظلام من العقول - ونحن نعلم أن شمعة صغيرة تبيد وتشتت ظلام غرفة كاملة حتى لو اجتمع ظلام العالم كله فى هذة الغرفة -ولكن للأسف فانه من المعلوم أيضا أنه بمجرد أن تنتقل الشمعة لغرفة اخرى لايلبث الظلام ان يعود بكل وحشيته وطيوره . ولذا لابد أن نقرأ ونتعلم فنصبح شموعا بدلا من وقوفنا فى الظلام بلا حيلة .... وبداية يجب ان يجيب كل منا نفسه هل يحضنا أو يامرنا الدين بالأطلاع والقراءة والمعرفة ؟ ... " إقرأ " فعل أمر... فهل قررت ان تقرأ ؟ وماذا أذا وجدت أختلافا بين ما تقرأ وبين ما استقر فى وجدانك ؟ كيف تفكر ؟ ماذا تقرأ ولماذا تقرأ ...كل هذة أسئلة عليك الأجابة عليها او البحث عن اجابتها ... وامامك فضاء الأنترنت الواسع لتبحث فيه عن أجابتك ...ملايين العقول ترصد وتفكر وتكتب .بعضها متفق وبعضها مختلف .. فأعتمد على ذاتك لن يغيرك إلا أنت ... واقتبس لكم موضوعان منقولان عن الرأى واختلافه والأعتراض وبعض بوادرالتفكير أتمنى ان تستفيدوا بهما فقد احترت على وضع أيهما أولا . بل أنى كنت افكر ان اغير ترتيب بعض الجمل لأهميتها لكننى احترت لأن كل جملة - بل كل كلمة فيهما أهم وأقوى من الأخرى - فإلى القراءة أترككم :
نقارن هنا بينما كان .. وما يجب أن يكون .. فى الإعتراض والمعارضة
بين ما كان عليه الراحلون..وبين ما أحدثه المعاصرون ..
حكمة الإختلاف ..
قديما .. كان أفذاذ العروبة القدامى يرون فى الإختلاف رحمة .. كانوا يرون أن الإختلاف فى الرأى أحد مؤسسات التفكير العلمى .. وأحد أهم روافد العقل البشري
فلولا الاختلاف فى الرأى .. واحترام وجهات النظر المخالفة .. لما خرج من العالم العربي والاسلامى أغنى كنوز الفكر والفقه على مدار تاريخه المشرف
وليس سرا أن الحضارة الإسلامية كانت لها الريادة فى تنمية الفكر وتربية الرأى العام .. مع إيمانهم المطلق بالحكمة القائلة " أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضيا " كان الخلاف والاختلاف قديما يبعث على المحاورة .. والمحاورة تبعث على طرح الحجة .. وطرح الحجة يؤسس فى العقائد أسمى المذاهب القائمة على إعمال العقل والتدبر .. وهى الوظيفة الرئيسية للعقل البشري وحكمة خلقه ..
وظهرت فى الفقه الاسلامى المذاهب الأربعة متباينة الأفكار والآراء .. ومتفقة الرأى فى المبادئ الرئيسية ..
وخلفها كان الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم .. إمام دار الهجرة مالك بن أنس .. وفقيه العراق الإمام أبي حنيفة النعمان رائد فكر القياس وفقه التقدير .. والإمام محمد بن إدريس الشافعى نابغة الفكر والأدب والفقيه المجدد .. والإمام أحمد بن حنبل العلامة المحافظ ..
وبنظرة إلى المذاهب الأربعة .. نجد بينها الإختلافات المتنوعة وكل منها له حجته المعضدة بالأدلة من القرآن والسنة .. وبنظرة إلى الأئمة الأربعة نجد التواصل بينهم نموذجيا بقدر العلم الذى اختصهم به الله ..
فعلى الرغم من اختلافهم ومعاصرتهم لبعضهم البعض ..
إلا أن اختلافهم هذا لم يمس بأى حال من الأحوال تقديرهم الشخصي لمكانة كل منهم فى العلم .. وهذه هى أولى صفات العلماء
فنجد الإمام أبي حنيفة النعمان يأبي الفتيا فى حضرة مالك رضى الله عنهما .. ويكرر الحكمة المأثورة " لا يفتى ومالك فى المدينة " إجلالا وتقديرا لهذا الفقيه العلم ..
كما نجده يقول " قولنا هذا رأى .. وهو أقصي ما قدرنا عليه .. فمن جاء إلينا بأفضل منه قبلناه " وهو تكريس كامل لمبادئ حرية النقاش والحوار طمعا فى الوصول إلى الحق عن طريق مقارعة الحجة بالحجة ..
هذا بالرغم من الخلاف الشهير بين الإمامين الكبيرين .. فى تناول كل منهما لمسائل الفتيا .. فالإمام مالك رائد مدرسة المحافظين .. والإمام أبي حنيفة رائد مدرسة الفقه التقديري ..
ونجد الإمام محمد الشافعى بالرغم من اختلافه مع أستاذيه الكبيرين الإمام مالك والإمام أبي حنيفة
إلا أنه عندما يقرر كتابة معارضته للإمام مالك فى كتاب .. يُـعنون الكتاب بعنوان يشف عن مدى احترامه للإمام مالك " اختلاف مالك والشافعى " أى أنه بادر إلى تقديم اسم أستاذه على اسمه اعترافا بمكانة الرجل .. وهى المكانة التى لا تمنع بأى حال كان أن يختلف مع أستاذه طالما كانت لديه الحجة والدليل والفكر القابل لهذا الإختلاف ..
وعندما يعارض أبي حنيفة معارضة شديدة فى بعض أحكامه .. لم تمنعه تلك المعارضة مطلقا من إكبار مكانة أبي حنيفة .. وكان هو القائل " كل الفقه عيال على أبي حنيفة "
والإمام أحمد بن حنبل .. عندما يسأله ولده عن أقرب الناس إلى عهد الصحابة فى المعاصرين .. يجيبه بن حنبل بلا تردد " الشافعى " .. على الرغم من اختلافه مع الشافعى فى معظم أحكامه .. لكنه كان اختلاف العلماء حيث يثمر .. لا اختلاف الأهواء حيث يبطر ..
بل إن الشافعى رضي الله عنه .. وفى تقدير لا مزيد عليه للإمام بن حنبل رضي الله عنه .. أوقف حلقات الدروس التى كان يلقيها عندما قدم بن حنبل إلى الشافعى فى مكان إقامته .. ولما ذهب إليه بن حنبل يسأله عن سر توقفه عن دروسه أجابه الشافعى العظيم .. " وجود حلقتك يا بن حنبل .. إذا وجد الماء بطل التيمم"
هؤلاء بقية الخير الذين أسسوا للفكر مذاهب الحوار والاختلاف على النحو الذى تهنا عنه والطريق الذى ضللنا عن هداه للأسف الشديد ..
حيث أثمر الخلاف فى الرأى ضغائن الإعجاب بالرأى ورفض المعارضة .. والإيمان المطلق بأن أقوالنا على الحق وغيرنا على الباطل
أزمة الحوار ..
قديما كان الحوار الهادف يجرى فى عذوبة وسلاسة .. دونما ثورة .. دونما علو صوت إلا للحماسة فقط كان الحوار والجدال جدال خير .. لا مراء شر
كانت مناظرات ومساجلات أهل العلم والفكر والفقه والأدب .. قمة فى احترام الرأى والرأى الآخر وتقدير الحجة لدى كل منهما
بل كم أثمرت المناقشات عن معين للعلم لا ينضب ..
مع حماسة كل طرف أن يأتى بالحجة التى تؤيد رأيه .. وتعضد إيمانه بقضيته .. وفى نهاية الحوار .. غالبا ما تثمر الإتفاق .. فمحاورات العلماء قائمة على تناول الحجج سعيا وراء الحق وحده لذا فلا يجد أى طرف محاور من العلماء نقيصة فى الإعتراف لمحاوره بصحة رأيه ..
أما محاورات الجهلاء ... فتلك القائمة على الإعجاب بالرأى وهو آفه المجتمع الحقيقية الآن .. عملا بمبدأ من ليس معى فهو ضدى .. وصدقت مقولة الإمام على رضوان الله عليه ,.
" لو حاورت ألف عالم لغلبته .. ولو حاورنى جاهل واحد لغلبنى " والمعنى المقصود واضح ..
لأن الإمام على بما أوتى من قوة الحجة .. ونبوغ الأسلوب قادر على احتواء العلماء أمامه لأن العالم عندما يحاور يهدف أولا وأخيرا الى الوصول للحق .. بغض النظر عما إن كان جانب الحق جانبه أم جانب غيره ..
أما الجاهل فهدفه من الحوار .. هو هزيمة محاوره .. بغض النظر عما إن كان الحق حليفه أم حليف محاوره ., لأن المناقشة هنا تعد مضمارا للخصومة لا العلم .. فمهما بلغ العالم من قوة الحجة وغلبة المنطق .. فلن يستطيع مطلقا إقناع من لا يريد الإقتناع .. طالما كان فى قلبه هوى ..
وقد روى لنا التاريخ الإسلامى العديد من المحاورات العظيمة .. اشتهرت فيما عرف باسم الأجوبة المسكتة أو المستحسنة وهى الأجوبة التى تطرح على مائدة الحوار فتأخذ اعتراف المحاور بنبوغ محاوره وتفوقه عليه ..
مثال ذلك ..
عندما أتى إلى هارون الرشيد الخليفة العباسي الأشهر .. أحد أولى العلم ناصحا للخليفة .. فافتتح الحديث قائلا " يا أمير المؤمنين .. إنى أريد أن أقول لك فى الحق قولا غليظا فاسمعه منى "
فرد هارون الرشيد .. " والله لا تفعل .. إن الله عندما أمر موسي عليه السلام وهارون أخاه بأن يذهبا إلى فرعون قال لهما .. وقولا له قولا لينا وما أنت بأتقي من موسي .. ولا أنا بأعصي من فرعون "
فسكت العالم .. ثم قال مبتسما .. صدقت يا أمير المؤمنين .. وقال ما يريد فى شيئ من اللين ..
لم تأخذ العالم .. عزة علمه على نحو خاطئ .. فمنعته من الإعتراف بصحة ما قال الخليفة .. بل على العكس أقر قولة الحق ولزم ..
فأين نحن من هذا ؟!
والخليفة الإمام .. إمام الهدى كما سماه معاصروه .. عمر بن عبد العزيز .. رضى الله عنه .. قدمت إليه الوفود من مختلف الأمصار عارضة إليه شكواها .. وقام كل وفد بتقديم متحدث باسمه .. وجاءت إحدى الوفود .. وإذا بالمتحدث باسمهم صبيا صغير السن .. فلما هم بالحديث منعه الخليفة قائلا " يا بنى أليس هناك من هو أسن منك .. فيتحدث عن القوم "
فأجابه الصبي النابغة بإجابة صارت مثلا .. قال " يا أمير المؤمنين .. لو كان الأمر بالسن .. لكان هناك من هو أحق منك بالخلافة "
فاستحوذ الإعجاب الشديد على الحضور من سرعة البديهة لدى الغلام .. وكان أول المقرين له فى الحديث هو الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز
فتخيلوا معى لو أن تلك الواقعة حدثت بعصرنا .. ستكون الواقعة فعلا ..
ولسنا بحاجة إلى النظر كثيرا فى التاريخ وحده .. ففي أيامنا المعاصرة من أهل الفكر من أعادوا بقية الأمس .. لكننا لم نلتفت إليهم .. لم ننهج نهجهم .. فحولنا المناقشات إلى ساحات للمعارك .. ومضمار للخصومة ..
وأصبح المحاور العاقل .. ولن أقول العالم إذا هم بالنقاش والسؤال .. فقط السؤال .. تمطر السماء عليه لهيبا من الإتهامات .. بالتخوين تارة .. وبالكفر تارة أخرى !!
تعلم كيف تعترض .. وتعلم كيف تعارض ..
مع أن الإسلام هو دين الوسطية .. إلا أننا للأسف عدنا فى حوارنا لأسلوب الجاهلية بل إلى ما هو أفدح
فالحوار بين سبيلين كلاهما قمة التطرف فإما مؤيد على طول الخط .. وإما معارض على طول الخط ..
ففي المجال السياسي مثلا .. إذا فُـتح الباب أمام لمناقشة لعصر حال أو ماض .. ستجد نفسك أمام مسرحية هزليه .. ومعركة حامية الوطيس بين مؤيدى ذاك العصر أو ذاك .. وكلاهما على الباطل .. لأنه ما من حاكم خاصة بعصرنا الحالى إلا وله من العيوب أفدحها ... وله من المواقف ما يُحترم .. لكن من يؤيد يؤيد على الإطلاق فيري الباطل حقا ... ومن يعارض يري الحق باطلا
وفريق ثالث يأبي النقاش من الأساس ... والكارثة أنه يستند فى ذلك الشريعة الإسلامية التى تقول بطاعة ولى الأمر .. وأن الحاكم الظالم خير من فتنة !! وتلك هى بحق كارثة عالمنا العربي المعاصر
أولا .. مبدأ الاعتراض والمعارضة أحد الحقوق الجوهرية التى لا غنى عنها لمسلم يري لنفسه حقوق الرعية .. والسلبية تحت زعم طاعة ولى الأمر هو المفسدة بعينها .. لأن مجرد تحريم الإعتراض يفتح الباب أمام السلطة المطلقة للحاكم .. والسلطة المطلقة .. مفسدة محرقة ..
إن لكل فرد من الرعية حق ثابت بسؤال ولى الأمر عما شاء .. طالما كان السؤال سلميا .. لا بطريقة حمل السلاح .. وتلك هى أول المحرمات .. أما السؤال السلمى فهو الرقابة الضرورية على سلطات الحاكم ..
ولو أن مجرد ممارسة الاعتراض والمعارضة بأى شكل من أشكالها .. كتابية أو خطابية أو حتى تظاهرية تمثل اعتداء على الشريعة الإسلامية .. لأثمت المرأة التى اعترضت عمر بن الخطاب فى طلبه بعدم المغالاة فى المهور فما كان من عمر الا أن ابتسم قائلا " أصابت إمرأة وأخطأ عمر "
فهل كان فى اعتراض المرأة شيئا مما يتشدق به دعاة الفضيلة الآن وهم بحقيقة الأمر دعاة سلبية
وثانيا .. كيف تكون المعارضة وكيف يكون الاعتراض ..
الإعتراض أن تبدى رأيا سلبيا فى خصوص أمر ما يصدره أولى الأمر .. لكن دون أن يكون لديك البديل المناسب للطرح المعترض عليه ..
والمعارضة .. هى أن تأخذ موقفا رافضا لأمر ما يقره أولى الأمر وتقدم أسباب رفضك وتطرح بذات الوقت بديلا مناسبا لما رفضته .. وتكون المناقشة هى أساس المفاضلة بين رأيك وبين ما اعترضت عليه .. والحكم لأغلبية الرأى ..
هذه هى ديمقراطية الإسلام التى كفلت لدولة الإسلام أن تبلغ المشرق والمغرب فى غضون سنوات تعد كالثوانى بعمر الحضارات
لكننا وللأسف الشديد .. لا نرى من يعارض الآن .. معارضا لهدف .. بل لهوى ..
ونجد من يعترض .. يعترض طلبا للأصلح .. بل للمصلحة الشخصية ..
وقس على هذا شتى مجالات الفكر .. لم يعد اختلاف الرؤي داعيا للرحمة .. بل بوابة للعذاب ..
وأصبح كل طارح لرأى لا يحتمل له نقدا أو تعديلا .. كما لو أنه أتى برأى منزل من السماء ..
ولو صادف رأيه نقدا .. فالرد سابق التجهيز .. بين اتهامات بالجهل .. والكفر ... وما إلى ذلك .. وينسي رامى الاتهام
أنه خرج عن موضوع الحوار إلى تفاهات التراشق بالألفاظ والاتهامات .. مع أن جهده من المفروض أن ينصب على توضيح رأيه والدفاع عنه بالمنطق والحجة ..
والرد يجب أن يكون منصبا على رأى المعارض لا شخصه ..
لكن من يسمع .. ومن يفهم ..
رحم الله زمانا .. كنا فيه أهلا للفكر .. لا أصناما للهوى ..
رحم الله زمانا .. كنا فيه فى الله إخوة .. وفى الإيمان قدوة