والمشكلة في أوروبا هي في الأساس مشكلة بسيطة، فقد كانت البلدان الأوروبية تعيش خارج حدود إمكانياتها، والحكومات تغدق الوعود على مواطنيها وتقرضهم بناء على وعود مستقبلية بتسديد الديون، وعندما انهار الاقتصاد الأميركي في عام 2008، بدأ الدائنون ينظرون بقلق إلى دين الحكومات الأوروبية، وقاموا بإجراء العمليات الحسابية، وتبين لهم أن الحكومات لم تكن تحصل على الإيرادات الكافية للوفاء بتلك الوعود وتسديد الديون.
وبرزت مشكلتان في الأفق، أولا، أتضح أن حجم التعديلات المالية المطلوبة سيحدث أثرا مؤلما، يفوق بكثير استعداد أي جمهور انتخابي للتصويت على دعمها. وأصبحت المظاهرات حدثا يوميا في اليونان، حيث الألم كان أكثر حدة وخطر التخلف عن سداد الدين اكثر إلحاحا، لكن بلدان أوروبية أخرى شهدت احتجاجات أيضا.
وهذا الاستياء فاقمته مشكلة أخرى عويصة، فالجمهور كان يعاني كثيرا في سبيل سداد ديون المصارف والممولين، الأمر الذي كرس مفهوما يقضي بمكافأة الرساميل على حساب المواطنين العاديين.
والرؤية المستقبلية للأوضاع تبدو بمنتهى الجلاء، ذلك ان المصارف الأوروبية هي المثقلة بعبء الديون الأوروبية، وتشكل أي مطالبة بحصول الدائنين على أقل من عائد استثماراتهم الأصلية المتوقعة، دعوة لإلحاق الضرر بالميزانيات العمومية لمصارف أوروبا الكبرى.
وهذا الأمر قد يطلق ازمه مالية جديدة في أوروبا، وبالتحديد عندما تصبح المؤسسات المالية مجبرة على لجم إقراضها للتعويض عن تلك الخسائر، مما سيرفع معدلات الفائدة ويخنق الاقتصادات الأوروبية، أما البديل فسيكون مشاريع إنقاذ حكومية، لكن هذه تتطلب زيادات ضريبية، وهذه الضرائب تشكل وسيلة أخرى لعصر الاقتصادات. ولا يعتبر أي من هذه البدائل حلا جذابا، لكن ينبغي القيام بشيء ما لإنهاء حالة الغموض تلك التي تولد حالة من عدم الاستقرار في أوروبا.
وكان تصويت البرلمان الألماني قد عزز موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لاسيما لأنه جاء لصالح زيادة أموال صندوق الإنقاذ الأوروبي بمقدار 523 صوتا مع مقابل 85 صوتا ضد، لكن الرقم المهم في هذه المعادلة كان رقم التصويت ب 315 صوت، وهو عدد أصوات أعضاء الائتلاف، وبزيادة أربعة أصوات عما تشكله أغلبية الائتلاف. وكانت ميركل تواجه ضغوطا على زعامتها، وكان أي تصويت يقل عن تأييد الأغلبية من ائتلافها سيعني فقدانها السيطرة على الحكومة.
وموقف ميركل يعكس تردد الشعب الألماني حيال إنقاذ الحكومات المبذرة. لكن الألمان، في الوقت نفسه، يدركون مدى أهمية اليورو لمستقبل أوروبا ولمصالح ألمانيا الاستراتيجية، ويعتبرون دعم اليونان وغيرها من الحكومات غير المسؤولة ثمنا يستحق الدفع.
لكن المعركة لم تنته، وما يشكل القلق الحقيقي للأوروبيين أن صندوق الاستقرار المالي الأوروبي على الرغم من زيادة مساهماته، لا يشكل أكثر من مسكن للألم، فالزيادة قد تلبي حاجات اليونان المالية مؤقتا، لكنها لن تعالج مشكلة المصارف الأوروبية.
فالمؤسسات المالية لا زالت منكشفة على الأموال السيادية، ولا يمكنها تنظيف دفاترها من الديون من دون إغراق القارة في أزمة. وفي الوقت نفسه، يتعين على الاقتصاديات الأوروبية ان تبدأ بالنمو مجددا لكي تتمكن الحكومات من الحصول على الإيرادات المطلوبة. وفي غياب هذين العاملين، يبدو احتمال وقوع ازمه جديدة أمرا مرجحا.
ولا يبدو القادة الأوروبيين على استعداد لاتخاذ مثل هذه الخيارات الصعبة، والى ان يقوموا بذلك، فان القارة على الأرجح ستترنح تحت وطأة أزمات طاحنة ومتتالية.
كلما انتظرت أوروبا وفشلت في الحد من تأثيرات الأزمة الحالية، ازدادت مخاطر انتقال العدوى إلى اقتصاديات أخرى. ولهذا السبب، فإن القرار الألماني القاضي بتقديم مساهمة إضافية مقدارها 211 مليار يورو أي ما يوازي 287 مليار دولار، إلى صندوق الاستقرار المالي الأوروبي البالغ 440 مليار يورو أي ما يوازي 586.5 مليار دولار، يصبح حدثا مهما. فهو إشارة تدل على التزام حكومة مهمة، إذا لم تكن الحكومة الأهم بإنقاذ اليورو، وقد تلا التصويت موافقة النمسا، ولا زال هناك ثلاثة بلدان فقط وهي مالطا وهولندا وسلوفينيا، تعارضها.
وعلى الرغم من أن سكان سلوفينيا لا يميلون إلى الانغماس في التبذير اليوناني، لا سيما بعد كفاح دولتهم الطويل للانضمام إلى اليورو، لكن حكومتهم قد تحذو حذو فنلندا، وتقوم على مضض بالتصويت بالموافقة على حزمة الإنقاذ.