تذبذب هائل في أسواق العملات، و الدولار يفقد مكاسبه
تشهد أسواق العملات الأجنبية اليوم كسائر الأسواق المالية تذبذباً هائلاً، حيث بدأ يومنا بموجة صاعدة حادة للدولار الأمريكي مقابل سلّة العملات الأجنبية ليصل مؤشر الدولار الأمريكي نحو أعلى مستوى له منذ الـ 14 من شهر شباط/فبراير الماضي محققاً ملامسة لمستوى 78.85 نقطة. اتجه المتداولون لتصفية مراكزهم المالية في الأسواق بسبب حالة عدم اليقين من مستقبل أزمة الديون الأوروبية و احتمالات أن يصل التباطؤ الاقتصادي الدولي حد دفع الاقتصاد الدولي نحو الركود مجدداً، و هذا سبب اتجاهاً نحو الدولار الأمريكي و الين الياباني و كذلك بعض الطلب على الفرنك السويسري كعملات منخفضة العائد اتجه المتداولون لها بعد تسييل الاستثمارات الأخرى.
لكن، عاد الدولار الأمريكي لينخفض فاقداً كل مكاسب هذا اليوم، و حقق الدولار الأمريكي الانخفاض بتأثير من حالة التوّتر التي تسود الأسواق و التذبذب الحاد فيها، فقد حصلت عمليات جني أرباح واسعة من قبل الجهات التي اتجهت للدولار الأمريكي كمضاربة في السعر السوقي، و كذلك بعد ارتفاع مؤشرات الأسهم الأوروبية الملحوظ تشجّع المتداولون لبيع الدولار و الاتجاه نحو بعض الاستثمارات في الأسهم التي بدت أسعارها منخفضة نسبياً.
ما هو سبب بيع الدولار و الاتجاه لبعض الأصول المرتفعة العائد ؟
هنالك إشارات تفيد بأن قادة الدول الأوروبية يتّجهون نحو توسعة صندوق الاستقرار المالي الأوروبي، و التكهنات في الأسواق المالية أصبحت تشير بشكل غير رسمي عن احتمال إضافة مبلغ 2 تريليون في هذا الصندوق. بذلك، نرى بأن بعض التفاؤل انتشر في الأسواق ساعد اتجاه المتداولين نحو الأصول المرتفعة العائد لينخفض سعر صرف الدولار الأمريكي كمحصّلة تداولات اليوم.
في الحقيقة، إن أسباب الاتجاه نحو الأصول المرتفعة العائد اليوم قد لا تكون ذات صلابة تمنح الأصول المرتفعة العائد استمرارية في الاتجاه الصاعد. فما زلنا نرى بأن حالة القلق الكبير و التذبذب الكبير في الآراء مستمر. لذلك، التذبذب الهائل من المحتمل أن يستمر.
حركة سعر صرف اليورو مقابل الدولار
استفاد اليورو من الحركة الهابطة للدولار الأمريكي، و نرى سعر صرف اليورو و قد ارتفع هذا اليوم مقابل الدولار بعد ملامسته للأدنى عند سعر 1.3360 دولار لليورو الواحد، و هذا السعر هو الأدنى على الزوج منذ الـ 18 من شهر كانون الثاني/يناير الماضي. لكن، نستطيع أن نرى حالياً موجة صاعدة لليورو مقابل الدولار الأمريكي استطاعت أن تمسح كل خسائر اليورو مقابل الدولار هذا اليوم ليتداول الزوج الآن بإيجابية بعد تحقيقه للأعلى عند سعر 1.3542 دولار لليورو الواحد.
إن ثبات سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي فوق 1.3480 قد يكون سبباً لأن نرى مزيداً من الاتجاه الصاعد، خصوصاً و نحن نرى الزوج الآن يحاول أن يثبت فوق مستوى المقاومة 1.3530. لكن، دون الثبات فوق 1.3600-1.3665 تبقى فرص استمرار الاتجاه الصاعد قليلة، و الثبات ما دون تلك المستويات قد يكون سبباً لعودة الاتجاه الهابط مجدداً.
ساعدت بيانات ألمانيا الإيجابية هذا اليوم على ارتفاع سعر صرف اليورو، حيث أن بيانات مؤشر IFO للثقة في مناخ الأعمال انخفض، لكن الانخفاض كان أقل من التوقعات، فيما مؤشر IFO للأوضاع الراهنة انخفض من 118.1 إلى 117.9 و هذا الانخفاض أيضاً أقل كثيراً من التوقعات التي أشارت إلى احتمال انخفاض نحو 115.7. لكن في الحقيقة، السلبية تحيط في هذه البيانات، و اليورو لم يترفع بتأثير هذه البيانات حقّاً، بل ارتفع متأثراً في انخفاض سعر صرف الدولار و اختلاط الآراء الكبير في الأسواق المالية.
الجنيه الإسترليني يرتفع للجلسة الثانية على التوالي
يومي الخميس و الجمعة الماضيين، عندما ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي بشكل حاد بسبب عدم إقرار الفيدرالي الأمريكي سياسة تخفيف كمي، شهدنا انخفاضاً حاداً لسعر صرف الجنيه الإسترليني. لكن خلال جلسة الجمعة استطاع الجنيه الإسترليني الارتفاع مقابل الدولار و مدد هذا اليوم من مكاسبه لليوم الثاني على التوالي.
إن التذبذب الكبير في الأسواق المالية و اختلاط الآراء كان سبباً في تذبذب هائل على الزوج هذا اليوم، حيث شهدنا سعر صرف الجنيه الإسترليني و قد انخفض نحو مستوى 1.5430 دولار للجنيه الإسترليني الواحد ثم عاد ليرتفع بشكل كبير محققاً الأعلى له عند 1.5541 و الذي ما زال يتداول قربه لحظة كتابة هذا التقرير.
عزيزي القارئ، التذبذب الكبير في الأسواق المالية الذي يحصل اليوم صب في ضد صالح الدولار الأمريكي في ظل اتجاه المتداولين نحو الأصول المرتفعة العائد وسط آمال بأن تقر الدول الأوروبية خططاً لدعم اليونان و الدول المتأثرة في أزمة الديون. رغم أن صندوق النقد الدولي أعلن بأنه قد لا يمتلك النقد الكافي من أجل دعم دول أوروبية أخرى كبيرة، لكن مع احتمالات رفع مقدار المبالغ المخصصة لدعم الدول المتعثّرة من قبل صندوق دعم الاستقرار المالي الأوروبي، ساعد على تخفيف القلق في الأسواق.
بالنسبة لحركة الزوج الفنية، فالإيجابية التي تحصل حالياً تابعة لإشارات تشبع في البيع تظهر على مؤشر ستوكاستيك، لكن في الحقيقة، ما زالت ملامح الميل الهابط العام قائمة بشرط الثبات تحت سعر 1.5690 دولار للجنيه الإسترليني الواحد.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني
يبدو أن التداولات المتذبذبة في الأسواق المالية لم تنعكس على حركة سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني. لكن، لو نظرنا إلى حركة الزوج الضعيفة اليوم، سوف نرى بأنها عبارة عن انعكاس عن الاضطراب في الأسواق المالية. تداول سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني هذا اليوم بين مستوى 76.20 و مستوى 76.75 ين للدولار الأمريكي الواحد.
التداولات الضيقة التي حصلت على الزوج هذا اليوم لم تخلو من التذبذب الكبير، لكنها مالت أخيراً لصالح الين الياباني، لكن بحذر شديد من قبل المتداولين، فلا أحد يعلم متى سوف يتدخّل بنك اليابان لإيقاف ارتفاع سعر صرف الين مقابل العملات الأجنبية، و لهذا يسود التوتّر أيضاً حركة سعر صرف الدولار مقابل الين الياباني.
التحليل الفني يظهر لنا بأنه من الصعب حالياً التنبّؤ باتجاه الزوج رغم الميل للتوقع باحتمال نشوء موجة صاعدة. فتأكيد أي موجة صاعدة لا يتم إلا من خلال الثبات فوق 76.95 و أي موجة هابطة تتطلّب الثبات تحت 75.80، و بين هذه المستويات قد يكون من الأفضل التزام الحيادية في التوقعات.
معادلات صعبة الحل تستدعي الحذر في تداولات أسواق العملات الأجنبية
عزيزي القارئ، يفكّر المتداولون ملياً الآن، فأزمة الديون الأوروبية قائمة، و احتمالات تقديم مزيد من خطط الإنقاذ لإيقاف تقدّم أزمة الديون جيدة، لكن في المقابل، نجد المتداولين قلقون من قرارات المحكمة الألمانية التي صدرت سابقاً و التي سمحت بأن تستمر ألمانيا بدعم الدول، لكن يجب أن يتم التصويت على أي خطّة من قبل مجلس البرلمان، و المجلس قد يضع عوائق أمام الموافقة على أي خطّة جديدة مقداراً أو تنفيذا.
من ناحية أخرى، قرار الفيدرالي الأمريكي لم يكن كما أرادت الأسواق المالية، لكنه داعم للاقتصاد الأمريكي بحد ذاته و قد يكون سبباً لتخفيف التباطؤ الاقتصادي. و هذا يعتبر جيد، لكن في الحقيقة، ما زال القلق يعتري المتداولين تجاه احتمالات استمرار التباطؤ في الاقتصاد الدولي.
هذه معادلات صعبة الحل في الوقت الراهن، و الثقة و التشاؤم الآن في الأسواق المالية لا يفصل بينهما إلى شعره ! و هذا يجب أخذه بعين الاعتبار قبل أي قرار يتم اتخاذه للتداول في أسواق العملات الأجنبية.