تعددت الآراء، لكن في النتيجة، الثقة منخفضة و الدولار قوي
إذا أردنا أن نرى ما مقدار التشاؤم الذي يسيطر على الأسواق المالية، كل ما علينا هو النظر إلى سعر الذهب الذي لامس مستويات فوق 1600.00 دولار للأونصة محققاً أسعاراً قياسية جديدة. أزمة الديون السيادية في أوروبا ما زالت تسيطر على تفكير المتداولين و توقعاتهم تشير إلى أن الأزمة خرجت عن السيطرة فعلاً، و أن دولاً مثل إيطاليا و إسبانيا مهددة بأن تتبع مصير اليونان و غيرها. كذلك، هنالك قلق دولي كبير سببه ترقّب ماذا سوف تؤول عليه الأمور في الثاني من الشهر المقبل في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أن المتداولين يتوقّعون الأسوأ، و يرون بأن احتمال عدم رفع سقف الدين العام الأمريكي وارد جداً، و هذا ما قد يسبب وقوع الولايات المتحدة في مرحلة من التخفيضات في التصنيف الائتماني لأول مرّة لها منذ عام 1917.
البيانات الاقتصادية اليوم قليلة جداً، لكن تسيطر على المتداولين حالة التشاؤم للأسباب التي تم ذكرها، و هذا ما سبب موجات من الطلب على الأصول المنخفضة العائد و الأصول الآمنة، و بذلك اكتسب الدولار الأمريكي قوّة و كذلك الين الياباني، ليس لأن المتداولين يثقون في الدولار الأمريكي، بل لأنهم يتجّهون نحو الأصول المنخفضة العائد عند التخلّص من الأصول الخطرة المرتفعة العائد.
اليورو ضعيف بحد ذاته، و مع موجة الارتفاع في سعر صرف الدولار الأمريكي في الأسواق المالية، نرى بأن زوج اليورو مقابل الدولار انزلق هذا اليوم بعد اكتفاء اليورو في الأعلى له عند مستوى 1.4133 دولار لليورو الواحد لينخفض بشكل حاد ليصل إلى مستويات حول 1.4012 دولار لليورو. إن الضغوط السلبية على اليورو قائمة، و التداول تحت مستوى 1.4150 بحسب التحليل الفني سلبي بحد ذاته، و التداول ما دون ذلك المستوى قد يسبب استمرارية الاتجاه الهابط على الزوج.
قد يظن البعض أن المملكة المتحدة لا تعاني الكثير من المشاكل لأننا قلما نسمع عن مشكلات اقتصادية مثل التي في أوروبا منها، لكن في الحقيقة، يكفي أن نشير إلى مخاطر ارتفاع التضخم الذي يرافقه انخفاض واضح في أداء الاقتصاد. إن هذه الحالة تشابه ( لكنها ليست حقاً ) الركود التضخمي، و هذه الحالة من أخطر المشكلات الاقتصادية عبر التاريخ، و يصعب حلها بشكل جذري في وقت قصير، بل تقتضي فترات طويلة من العلاج. و هذا ما تعانيه الآن بريطانيا. انخفاض الثقة في الأسواق المالية أيضاً جذب المتداولين نحو الدولار الأمريكي على حساب الجنيه، و مع أن الجنيه الإسترليني يعتبر الآن عملة ذات عائد منخفض، لكن لأن الأسواق المالية عامة تستخدم الدولار أكثر من الجنيه في المتاجرة، نرى بأن الدولار استطاع اكتساب العزم الصاعد على الجنيه الإسترليني هذا اليوم مقلّصاً مكاسب الأسبوع الماضي.
انخفض سعر صرف الجنيه الإسترليني هذا اليوم من مستواه الأعلى عند 1.6132 دولار للجنيه الواحد ليحق الأدنى حتى هذه اللحظة عند مستوى 1.6060 دولار للجنيه الإسترليني الواحد. إن تداولات الزوج الحالية متأثرة في نموذج الرأس و الكتفين بحسب لتحليل الفني الكلاسيكي، و التداول ما دون مستوى 1.6190 يبقي على الاتجاه الهابط متاحاً بقوّة، فيما يتطلّب على الجنيه أن يحقق اختراقاً لسعر 1.6350 من أجل إفشال احتمال استمرار الاتجاه الهابط.
تزداد تداولات سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني ضيقاً، حيث نرى بأن الزوج تذبذب اليوم بين الأعلى 79.17 و الأدنى 78.93 ين ياباني للدولار الأمريكي الواحد. حالياً، نرى تداولات شبه حيادية على مستوى اليوم، فالزوج في منطقة وسطية بين المقاومة 79.55 و الدعم 78.65، لكن التشاؤم الذي في الأسواق المالية اكسب الين الياباني قوّة لأن الين الياباني مشهور على أنه عملة تسييل أصول و مراكز مالية، و بذلك نرى بأن الزوج حالياً يتداول في تذبذب و نطاق ضيق بين طلب الين و طلب الدولار في ظل استمرار حالة التشاؤم في الأسواق المالية.
مهما كان التذبذب في سوق صرف العملات الأجنبية، هذا التذبذب يشير الآن إلى شيء واحد، و هو أن الثقة منخفضة في الأسواق المالية. لو نظرنا إلى أسواق الأسهم الأوروبية، سوف نجد انخفاض مؤشر فوتسي البريطاني بأكثر من 1.20%، و كذلك مؤشر داكس الألماني يتداول بانخفاض يزيد عن 1.40% و مؤشر كاك الفرنسي انخفض بأكثر من 1.60%. في آسيا سابقاً هذا اليوم، انخفضت العديد من المؤشرات أهمها إغلاق مؤشر شنغهاي الصيني المركّب بانخفاض مقداره 0.12% و إغلاق مؤشر هانج سينج على انخفاض 0.32% و غيرها الكثير. إن هذا يشير إلى أننا حقاً نشهد الآن موجة من التشاؤم سادت الأسواق المالية، ساعدت الدولار على الارتفاع بسبب تجنّب الأصول المرتفعة العائد في ظل حالة عدم قابلية المخاطرة بين أوساط المتداولين.