أصبحت الأسواق الناشئة الخيار الأمثل للشركات الغربية الباحثة عن النمو. وشراء النشاطات التجارية هي واحد من أسرع الطرق لهذه الشركات للاستفادة من حالة النمو السريع الذي تشهده الدول الناشئة.
وبالإضافة إلى فرص النمو الواضحة، يتوقع “صندوق النقد” أن تنمو الأسواق الناشئة بسرعة تفوق ثلاثة أضعاف سرعة الدول المتقدمة خلال ثلاث السنوات المقبلة. كما أن شراء الشركات في هذه الأسواق يمثل بعداً اقتصاديا وإستراتيجيا هاما. ويعود ذلك إلى الوضع الأفضل الذي تتمتع به هذه البلدان مقارنة بوصيفاتها من الدول الصناعية الكبرى ولقلة ديونها وأصولها السامة. ومن المرجح أنها تقوم بتسديد ديونها في الوقت الذي تحافظ فيه على النمو. وبالمقارنة، تستخدم العديد من شركات الدول المتقدمة الديون لمساعدتها في النمو على الرغم من عدم استدامته.
ويُمكن شراء شركة في الدول الناشئة الشركة الأم في الدول المتقدمة من معرفة ما يدور في هذه الأسواق المحلية المنتعشة التي توفر فرص زيادة الأرباح والمبيعات. وتعتبر التركيبة السكانية من العوامل الرئيسية في العالم الناشئ الذي يعتمد نموه على المستهلك المحلي. وكلما أصبح أفراد الشعب أكثر ثراء كلما زادت رقعة الطبقة المتوسطة مما يزيد الطلب على السلع والخدمات.
وتشير البحوث إلى أن شركات الدول المتقدمة تبذل جهوداً كبيرة للاستحواذ في الأسواق الناشئة. وروسيا هي من أكثر الدول المستهدفة في ذلك تليها جنوب شرق آسيا ومن ثم الصين ووسط وشرق أوروبا. وتمت في الفترة بين 2003 و 2010 ما يقارب 1,000 صفقة تجارية.
ومن الشركات الغربية الكبيرة التي استحوذت في الدول الناشئة “فرانس تيليكوم” و “وول مارت” الأميركية التي اتجهت نحو أفريقيا و “سانتاندر” أكبر مصرف في إسبانيا الذي يسجل نمواً مستمراً في أميركا اللاتينية.
وذكر المحللون أن من المنتظر أن يصبح هذا النوع من الاستحواذات عادياً أكثر عندما تبدأ الأسواق المتقدمة في النمو مرة أخرى. كما تعني قوة أرباح الشركات الأميركية أن العديد من الشركات الغربية تقوم ببناء احتياطاتها النقدية الآن والتي من المرجح أن يتم استغلالها في الاستحواذات. وبالرغم من أن معدل الاستحواذات والاندماجات أقل من الرقم القياسي الذي سُجل في العام 2007، إلا أن بعض الإستراتيجيين يتوقعون أن العام الحالي سيشهد موجة قوية من الاستحواذات.
وبزيادة معدل الاستحوذات، تزيد أهمية أن يحدد مدراء الشركات الغربية المناطق المستهدفة لاستحواذاتهم في الأسواق الناشئة. ووفقاً لتقرير أعدته مؤسسة “أكسنتيور” الاستشارية، فإن النمو في الأسواق الناشئة ليس محصوراً على اقتصادات دول “البريك” البرازيل والهند والصين وروسيا، حيث أن أسواق مثل الفلبين وقطر وفيتنام وإندونيسيا وشيلي والأرجنتين، قادرة هي الأخرى على استقطاب الشركات الغربية الباحثة عن النمو. ومن المتوقع أن تشهد هذه الأسواق نمواً يتجاوز 5% في غضون العامين المقبلين.
وفي حقيقة الأمر، أصبحت بعض هذه الأسواق التي كانت تعتبر محفوفة بالمخاطر في الماضي نتيجة لعدم استقرار اقتصاداتها وسياساتها، أكثر أمناً من بعض الأسواق الأوروبية مثل اليونان أو أيرلندا. وتحولت أفريقيا التي كانت تمثل آخر وجهات الشركات الغربية إلى منطقة تجارية جاذبة حيث يعود الفضل في ذلك إلى الاستقرار الكبير والنمو السريع.
ومع ذلك، يجئ واحد من أكبر التحديات التي تواجه استثمارات الشركات الغربية في الدول الناشئة، من شركات هذه البلدان نفسها. ووجدت الشركات الغربية أن شراء شركات في الأسواق الناشئة هو من أفضل الطرق لنموها، لكنه لم يعد بالسهولة التي كان عليها في الماضي، حيث تملك هذه الأسواق الآن الثروة الكافية التي يمكن أن تغير بها مجرى الأمور.
وتسعى الشركات الصينية على وجه الخصوص لكسب الخبرة من خلال شراء الشركات الغربية المنافسة ومن ثم توسعتها في المستقبل. ووافقت “جويسون الاستثمارية القابضة” وهي شركة صينية خاصة تعمل في مجال تزويد القطع الالكترونية للسيارات، على شراء شركة “بريه” الألمانية لقطع السيارات وذلك في بداية هذا العام. وهذه دلالة واضحة على أن الأموال بدأت في التدفق في الاتجاه المعاكس بعد عقد من الزمان استثمر فيه قطاع السيارات الألماني مليارات الدولارات في المصانع الصينية والشراكات.
ويقول أحد مدراء الشركات الأوروبية الكبيرة “تجئ الأسواق الناشئة في مقدمة أولوياتنا لما تتمتع به من نمو في ذات الوقت الذي تستهدف فيه هذه الأسواق الدول الغربية أيضاً. وتملك هذه الاقتصادات الأموال الكافية والمقدرة على التحدي وذلك ليس على مدى المبيعات فحسب، بل فيما يتعلق بنموها في حقل الاستحواذات والاندماجات. ولم تعد الشركات الصينية مثلاً تحاول الدخول للأسواق الأوروبية عبر المنتجات المصنعة في أسواقها التي ربما لا تتوافق مع المعايير الأوروبية، بل الحصول على خبرات هذه الدول من خلال شراء شركاتها”.