قادت الأزمة المالية العالمية، وتوالي الكوارث مثل زلزال اليابان والتسرب النفطي في خليج المكسيك، القطاع المصرفي العالمي إلي تبني تحولات استراتيجية. وهو ما تزامن مع موجة النمو السريع في الأسواق الناشئة، والتي تحتاج لدعم النشاطات التجارية الصغيرة. كل هذه العوامل ساهمت في ناء نظام مصرفي يهدف إلى أرباح طويلة الأجل. ووفر كل ذلك مفهوم نظام مالي مستقر وقوي خلال العام المنصرم.
وذكر جواشيم ستراهيل مدير مصرف “ساراسين” الذي نجح أسلافه في تحويل المؤسسة السويسرية إلى بنك مستقر في أعقاب كارثة كيميائية، أن الكوارث الطبيعية عادت بالمنفعة على مثل هذه المؤسسات. ويقول “لدينا نظام مستدام يسمح لنا بالاستثمار في القطاعات عالية التأثير مثل النفط، لكن في حالة استدامة الشركة المعنية فقط”. وأظهرت بعض المصارف الكبيرة عدم رغبتها في تمويل مشاريع الطاقة النووية في أعقاب الزلزال الذي ضرب اليابان، حيث اتجهت بعضها للاستثمار في الطاقة الخضراء مثل “بي أن بي” و”دويتشه بنك” بعيداً عن مشروع الطاقة النووية الهندي المزمع إنشاؤه في جايتابور الواقعة في منطقة للزلازل.
ويشير ذلك إلى استمرار حالة الحذر، لكن ربما يعيق التحول بعيداً عن مشاريع الطاقة النووية في أوروبا خاصة ألمانيا، المصارف الأوروبية من تمويل المزيد من هذه المشاريع. وربما تكون هذه ذريعة مؤقتة لكنها تعكس التغييرات المحلية في الاستراتيجيات التجارية التي تنتهجها المصارف العالمية.
ومثلاً رسمت المصارف البريطانية في الأشهر الماضية خطها الرئيس مركزة على القيام بالمزيد من الأعمال لمساعدة المجتمع المحلي. كما ركزت اتفاقية “مشروع ميرلين” بين المصارف البريطانية الكبيرة، على الإقراض الحكومي في الوقت الذي فرضت على المصارف أيضاً القيام بمشاريع ذات منفعة أكثر طموحاً وبعداً من مبادرات التمويل التقليدية التي ترعاها الحكومة.
وأكبر فكرة هي إنشاء “صندوق التنمية التجاري” على غرار الأسهم الخاصة بنحو 2,5 مليار جنيه إسترليني “4,1 مليار دولار” بغرض البدء في استثمارات النشاطات التجارية الصغيرة، بينما تم تخصيص 200 مليون جنيه لمشروع “البنك الاجتماعي الكبير” لدعم شراكات التنمية الإقليمية.
ويغطي “مشروع ميرلين” أيضاً قضية حوافز المصرفيين، التي من المتوقع أن تكون أقل من العام الماضي، في ظل تراجع الأرباح بنسبة كبيرة. وهناك إصلاحات حقيقية لدفع هذه الحوافز بمعدلات ثابتة خاصة في أوروبا التي دفعت المصارف لهيكلة هذه الحوافز وتقديم معايير تضمن استرجاعها في حالة الانهيار.
وفي الوقت نفسه، التزمت السلطات الضريبية في مختلف أنحاء العالم خاصة في أميركا، بوقف الطرق غير الملائمة التي دأبت عليها المصارف في مساعدة السكان والشركات على تفادي دفع الضرائب. وكشفت السلطات السويسرية نشاطات المصارف هناك خاصة “يو بي أس” مما أدى لتشويه سمعتها. وتحاول سويسرا الآن إعادة سمعتها كمركز مالي معتبر يمكن الاعتماد عليه بشدة، لكنها لم تعد أرض “الأسرار المصرفية”.
وتبذل جهات إصلاحات تنظيمية أخرى خاصة تلك المتعلقة برأس مال المصارف، المزيد من الجهد لتشجيع النشاطات التجارية المستدامة. وعلى مصارف العالم وخلال الفترة حتى حلول العام 2019 اتخاذ جملة من التدابير المعدة، لضمان أن نشاطاتها مدعومة باحتياطات كافية.
كما من المنتظر أن يرتفع حجم الأصول السائلة التي على المصارف الاحتفاظ بها لحمايتها ضد التدفقات النقدية قصيرة الأجل التي يضخها المستثمرون في صناديقها. كما ينتج عن الأسس الأكثر استقراراً، نظام مالي أكثر استدامة. ويقل معدل الأرباح في معظم المصارف التي خفضت عائدات الأسهم بأقل من 15%، مقارنة بما بين 20 إلى 25% قبل الأزمة.
وتبرز أصوات معارضة الآن حتى قبل تطبيق هذه القوانين ليس من المصارف الراغبة في تخفيف تأثير التغييرات المكلفة، حيث انضمت المؤسسات المتخصصة إلى خبراء إعادة الهيكلة التقليديين العاملين في البنوك الاستثمارية لمساعدة المصارف على موازنة التكاليف التنظيمية لرأس المال.
وفي نفس الوقت، لاحظ المنظمون أن التشديد على القطاع المصرفي ربما يدفع بالمشكلات خاصة المخاطر التجارية في مصارف لا تخضع لرقابة تامة مثل صناديق التحوط وصناديق أموال الأسواق وشركات الطاقة. وربما يقول النقاد إن سوق المال تم تحويله في حقيقة الأمر إلى سوق أقل استقراراً بدلاً عن أكثر استقراراً.