ها قد أتى الأسبوع المُنتظر الذي بقي المستثمرين ينتظرونه بلهفة منذ بداية العام 2012 و الذي سوف تفتتحه قمة الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين و التي من المتوقع أن ينتج عنها حلولاً فعالة و جذرية لأزمة الديون السيادية التي أمست لشبح المُخيف الذي يطرق الأسواق المالية و اقتصاديات المنطقة بمطرقة من حديد، و ستحدد القمة الأوروبية الشعور العام هذا الأسبوع لترسم الطريق التي ستتخذه الأسواق المالية.
أسبوعاً حماسياً جداً مليئاً بالأحداث و الأنباء و البيانات الهامة جداً، و لكن كما كُلنا نعلم بأن القمة الأوروبية لها نصيب الأسد من اهتمام المستثمرين و الأسواق نظراً لما يُعلق عليها من آمال عديدة و حلول مُرتقبة ينتظرها المستثمرين منذ زمن لتُعيد للقارة العجوز القة بعد أن تلقّت ضربة على رأسها وسط تفاقم أزمة الديون و انتشارها للدول الأخرى.
من المُفترض أن تشمل القمة الأوروبية حلولاً و اجراءات لدعم مستويات النمو المتدنية التي تأثرت بأزمة الديون السيادية، فينصب تركيز صُناع القرار هذه الأيام على ارجاع مستويات الثقة لمستوياتها السابقة، و دعم مسيرة النمو المتواضعة جداً في منطقة اليورو، هذا عدا عن الاجراءات التي سيتخذونها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي و دعم قطاع العمل الذي يُعتبر الخاسر الأكبر وسط ارتفاع معدل البطالة لمستويات مرتفعة جداً في منطقة اليورو إلى 10.3%.
عدا عن الأمور الرئيسية التي سيتباحثونها القادة في قمتهم من اجراءات تهدف لدعم النمو الاقتصادي و تحقيق الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، إلى جانب دعم قطاع العمل و خلق وظائف جديدة في الاقتصاد في سبيل خفض معدل البطالة المرتفع، من المتوقع أن يبحث القادة أيضاً الوضع اليوناني بلا شك إلى جانب بحث ملف صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الدائم و المؤقت، و البت في موضوع السياسات الجديدة التي ستُفرض على 26 دولة ضمن الاتحاد الأوروبي.
بعد القمة التي ستحدد طريق الأسواق و إما أن تنشر التفاؤل في الأسواق، أو أن تُفسح المجال للتشاؤم بالسيطرة على الأسواق لمدة طويلة على الأغلب هذا في حال عدم اتيان القادة بحلول جذرية و مقنعة للأسواق، بعد ذلك سنرى أثر القمة على مستويات الثقة في القارة، حيث سيعقد العديد من الدول الأوروبية مزادات لبيع سندات الحكومية متأملين أن تعمل القمة على ازالة الثقل من على صدور المستثمرين و تحسين مستويات الثقة.
فتتصدر الدول التي ستقيم مزادات هذا الأسبوع ايطاليا التي ستقوم بعقد أكثر من مزاد لتبيع فيهم السندات طويلة الأمد نسبياً، منها ما يُستحق في 2017 بقيمة 4 مليارات يورو، و منها ما يُستحق في 2022 بقيمة مليارا يورو، و منها ما يًستحق في 2016 و 2021، و سيقوم أيضاً كل من ألمانيا و فرنسا ببيع سنداتهم الحكومية إلى جانب البرتغال و بلجيكا، حيث ستقوم ألمانيا ببيع ما قيمته 5 مليارات من السندات ذات أمد استحقاق عشرة أعوام.
معروفٌ هو أثر القمة على هذه المزادات خلال الأسبوع، ففي حال أزالت القمة هموم المستثمرين و أقنعت الأسواق بالاجراءات التي ستقوم بها، سنرى انخفاض تكاليف الاقتراض على هذه الدول، أما إذا لم تكف القمة لتحرير المستثمرين بل تزيد من التوترات و المخاوف في المنطقة، ستعمل على دفع تكاليف الاقتراض إلى مستويات باهظة جداً على الدول.
من جهة أخرى، نحن على موعد هذا الأسبوع مع العديد من البيانات الاقتصادية الهامة التي قد تُنعش الأسواق من ناحية، أو أن تُثقل كاهل الأسواق من ناحية أخرى، فمؤشر مدراء المشتريات الصناعي و الخدمي و لقطاع البناء في كل من ألمانيا و منطقة اليورو و بريطانيا سيصدر قراءاته النهائية لمنطقة اليورو و ألمانيا، أما بريطانيا فسنرى قرائته الوحيدة خلال شهر كانون الثاني الجاري.
كم لمؤشر مدراء المشتريات من أثر قوي على الأسواق نظراً لما يُمثله من قطاعات الاقتصاد الرئيسية، فمن المتوقع أن يُظهر المؤشر ثبات القراءات السابقة في منطقة اليورو لقطاع الصناعة و الخدمات بعد أن أظهرت تحسناً لا بأس به وسط خروج قطاع الخدمات من دائرة الانكماش، و كما هو الحال في ألمانيا التي شهدنا تحسن هذه القراءات.
أما بريطانيا، من المتوقع أن تُظهر قراءات المؤشر تحسناً لقطاع الخدمات و قطاع البناء، إلا أن قطاع الصناعة قد يدخل في دائرة الانكماش نظراً لتراجع الصادرات البريطانية كما نعلم و تراجع مستويات الانفاق الداخلية وسط الخطة التقشفية الصارمة التي تتبعها الحكومة الائتلافية في سبيل تخفيض نسبة العجز في الميزانية العامة.
هذا و قد نشهد تحسن مستويات الثقة في اقتصاد منطقة اليورو حسب بيانات الثقة خلال الشهر الجاري، فقد تتحسن الثقة في الاقتصاد إلى جانب الثقة في قطاع الصناعة و قطاع الخدمات، إلا أنه من جهة أخرى قد يرتفع معدل البطالة في منطقة اليورو خلال شهر كانون الأول لمستويات 10.4% مقارنة بالمستويات السابقة عند 10.3%، في حين أن معدل البطالة في ألمانيا قد يبقى ثابتاً عند 6.8% على الرغم من تحسن التغير في أعداد العاطلين عن العمل.
و لكن من ناحية أخرى، من المتوقع أن تُشير التوقعات الأولية لمؤشر أسعار المستهلكين في منطقة اليورو خلال شهر كانون الثاني الجاري تراجع مستويات التضخم إلى 2.7% من 2.8%، الأمر الذي سيتيح المجال أمام البنك المركزي الأوروبي لأخذ المزيد من الاجراءات التحفيزية لدعم مسيرة النمو الاقتصادي وسط التراجع الملحوظ و التدريجي لمستويات التضخم في المنطقة.
و بشكل عام، كما ذكرنا آنفاً سيبقى تركيز المستثمرين الأكبر على القمة الأوروبية التي ستحدد اتجاه الأسواق و تحدد الشعور العام للأسواق المالية، و عليها إما أن نشهد انحدار الأسواق للأسفل، أو تحسنها و انتعاشهاً للأعلى بعد عناءاً طويل.