التحليل الأساسي للمعادن الثمينة
المعادن الثمينة في انتظار الفيدرالي و القلق من أزمة الديون السيادية
ارتفعت أسواق المعادن الثمينة خلال جلسة نيويورك يوم أمس و استمر الاتجاه الصاعد خلال جلسة اليوم بشكل عام خلال الجلسة الآسيوية، حيث أن المتداولين الآن في انتظار قرار الفيدرالي الأمريكي و الذي تختلط حوله الآراء من عدّة نواح، و كذلك نرى بأن ما يزيد أهمية قرار الفيدرالي الأمريكي هذا اليوم حقيقة وضع الاقتصاد الدولي الذي يشهد تباطؤ و كذلك أزمة الديون السيادية.
في الحقيقة، التوقعات في أغلبها تشير إلى أن الفيدرالي الأمريكي سوف يقترح خطّة تحفيز للاقتصاد، فالاقتصاد الأمريكي يبدي حالة من التباطؤ قد تتعمّق فيه في حال استمر الوضع على ما هو عليه لتصل به إلى مرحلة جديدة من الركود. بالنظر إلى تقييم المحللين إلى سياسة التخفيف الكمي الثانية، فيعتقد الأغلب بأن تلك السياسة لم تكن قادرة على دعم الاقتصاد الأمريكي كما يجب، بل أن سعر الفائدة المنخفض هو الذي لعب الدور الأكبر إلى جانب أدوات أخرى تم اتخاذها من قبل صانعي السياسة النقدية و المالية، إلى جانب صانعي القرار الأمريكي.
بذلك، هنالك احتمالية بأن يظهر الفيدرالي الأمريكي ميلاً نحو " تعديل السياسات " لديه من خلال رفع مقدار ما يمتلكه من أدوات الدين طويلة الأمد، على حساب تقليص أدوات الدين قصيرة الأمد، و هذا الاحتمال هو المرجّح بين جمهور المحللين في العالم حالياً، لكن هنالك فئة ما زالت تعتقد بأن الفيدرالي سوف يقر سياسة تخفيف كمي ثالثة من أجل إرضاء الأسواق المالية، و كذلك من أجل دعم الاقتصاد الأمريكي. لكن المتداولون الآن قلقون جداً، فأزمة الديون السيادية الأوروبية تثقل على الاقتصاد الدولي ككل و ليس فقط على أوروبا، فيما التباطؤ الاقتصادي ليس حكراً على الاقتصاد الأمريكي، بل هو منتشر في أرجاء المعمورة، و بذلك يطمع المتداولون في خطّة تحفيز كبيرة، و يميلون لطلب سياسة تخفيف كمي.
بسبب اختلاط التوقعات، و انتشار القلق بين المتداولين، نرى أسعار المعادن الثمينة تتداول في إيجابية، خصوصاً و أن أي سياسة تسهيل قد يقترحها الفيدرالي قد تكون سبباً لخفض سعر صرف الدولار الأمريكي، و بذلك نشأت طلبات على المعادن الثمينة لتعويض المخاطر المحتملة على سعر صرف الدولار في ظل توقعات قيام الفيدرالي في سياسة تسهيل مهما كان نوعها.
كذلك، شهدنا يوم أمس جلسة متذبذبة في الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية مؤشرات الأسهم، فبدأت الجلسة في تذبذب و ميل هابط، ثم ارتفاع كبير تبعه انخفاض أفقد مؤشر داوجونز معظم مكاسبه ليغلق على ارتفاع طفيف لا يتعدّى 0.07%، و هذا التصرّف في أسواق الأسهم يعكس حالة التردد بين المتداولين و القلق، و بالتالي اكتسبت المعادن الثمينة إيجابية منذ يوم أمس، خصوصاً فيما هي كانت تتداول عند أسعار متدنية نسبياً جذبت الطلب عليها كملاذ آمن و تغطية مخاطر، ثم المضاربة اندفعت لتزيد من الإيجابية.
خلال جلسة نيويورك يوم أمس، ارتفع سعر الذهب بمقدار 1.48%، و أغلق الجلسة عند مستوى 1804.80 . هذا بعد أن لامس سعر الذهب الأدنى له عند مستوى 1774.90 دولار للأونصة الواحدة و عند الأدنى لوحظ اندفاع طلبات كبيرة للذهب استغلت الانخفاض. استفاد أيضاً سعر الفضة و استطاع الارتفاع بمقدار 0.23% و كذلك البلاتين ارتفع بنفس المقدار ليغلق سعر الفضة جلسة نيويورك أمس عند 39.74 دولار للأونصة و أغلق البلاتين عند سعر 1776.00 دولار للأونصة.
في الحقيقة، إن الارتفاع في سعر الذهب الذي فاق كل من الارتفاع في سعر الفضة و البلاتين يعكس لنا بأن المضاربة لم يكن لها دور كبير يوم أمس، بل شهدنا اتجاهاً لطلب ملاذ آمن و تغطية مخاطر، خصوصاً بعد أن أظهرت بيانات المنازل المبدوء إنشاؤها في الولايات المتحدة انكماشاً مقداره 5.0%، و هذا فاق التوقعات بكثير من ناحية الانكماش، و هذا ما دل على ضعف حقيقي في القطاع الذي يعكس الثراء بين الأفراد مشيراً إلى احتمال ضغوط كبيرة على الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الذي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق.
جلسة آسيا هذا اليوم بالنسبة للأسهم كانت شبيهة جداً في جلسة الولايات المتحدة أمس، فقد أغلق مؤشر نيكاي على ارتفاع لا يتعدّى 0.23% رغم أنه ارتفع أكثر خلال الجلسة، و المؤشرات التي ما زالت تعمل حتى هذه اللحظة نراها و قد انقلبت نحو السلب منها مؤشر هانج سينج الذي يتداول بانخفاض يزيد عن 0.55% في هذه اللحظات. إن أسواق الأسهم تعكس لنا مقدار التوتّر في الأسواق المالية في انتظار قرار الفيدرالي، خصوصاً مع اختلاط التوقعات و نتائج كل احتمال من تلك التوقعات على الاقتصاد الأمريكي و الاقتصاد الدولي.
هنالك إشارات تظهر بأن اليونان تظهر تقدماً في مسيرتها لتحقيق شروط حصولها على مبالغ إنقاذ جديدة لمنع وقوعها في الإفلاس. كذلك، قيام اليونان يوم أمس بسداد كوبونات على سندات استحقت كان داعماً لبعض الثقة. إلا أن تخفيض التصنيف الائتماني لديون إيطاليا السيادية أبقى على قلق امتداد أزمة الديون الأوروبية إلى دور قد يستحيل إنقاذها لكبر اقتصادها و كمية السندات المطروحة في الأسواق مقارنة في السندات التي تم طرحها من قبل اليونان و البرتغال و غيرها من الدول التي شهدت تعمّقاً في أزمة الديون.
كذلك، صدر تقرير من صندوق النقد الدولي يوم أمس تم الإشارة فيه إلى أن الصندوق خفّض توقعات النمو للاقتصاد الدولي، حيث خفّض الصندوق توقعات النمو إلى 4.0% من السابق 4.3%، و هذه نقلة نوعية تعني مزيداً من التباطؤ، فيما قلّص توقعاته تجاه النمو في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 1.5% خلال هذه السنة في تخفيض مقداره 1% من التوقعات السابقة، حيث كان يتوقّع الصندوق نمو الاقتصاد الأمريكي بمقدار 2.5%. و هذه التوقعات أضافت حاجة لأن يقر الفيدرالي الأمريكي اليوم تسهيلات كبيرة جداً لدعم الاقتصاد، و في حال أقر تسهيلات أقل من ما تريد الأسواق المالية، قد تبقى حالة التشاؤم في الأسواق.
نستطيع أن نرى سعر الذهب اليوم يتداول بارتفاع مقداره 0.44% حول سعر 1812.70 دولار للأونصة الواحدة، فيما استطاع سعر الفضة أن يحقق مكاسباً فاقت ما حققه الذهب ليتداول سعر أونصة الفضة الآن عند سعر 40.07 بارتفاع مقداره 0.83%، فيما البلاتين اكتفى اليوم بارتفاع مقداره 0.39% و يتداول سعر البلاتين الآن حول 1783.00 دولار للأونصة. إن ارتفاع الفضة الأكبر من الارتفاع الذي شهده الذهب هو بتأثير من الانخفاض الذي تعرّض له الدولار الأمريكي، حيث تشجّعت المضاربة للاتجاه نحو أسواق المعادن الثمينة بعد أن انخفضت قوّة موجة الدولار الأمريكي الصاعدة في ظل توقعات تقديم تسهيلات من قبل الفيدرالي الأمريكي مما قد يضعف الدولار. الأسعار المشار لها في هذه الفقرة كما هي في تمام الساعة 03:07 صباحاً بتوقيت نيويورك ( 07:07 بتوقيت غرينتش ).
نحن اليوم في انتظار بيانات عديدة، لكن المهم هو قرار الفيدرالي، من بيانات اليوم سوف نكون مع محضر اجتماع البنك البريطاني، إلى جانب بيانات التضخم الكندية، و كذلك مبيعات المنازل القائمة الأمريكية، و كل هذه البيانات من المفترض أن تكون هامة جداً، لكن مع وجود قرار الفيدرالي اليوم، قد لا تؤثر هذه البيانات بالشكل المعتاد.
نحن ننصح بتوخي الحذر الشديد هذا اليوم، فقرار الفيدرالي توقعاته مختلفة، و اعتقاد المتداولين و المحللين حول نتائج القرار متشعّبة جداً، مما قد يحرّك الثقة في الأسواق المالية سلباً أو إيجاباً بشكل يصعب التنبؤ به، و هذا ما ينعكس على حركة المعادن الثمينة اليوم و التي قد تتذبذب بشدة متأثرة في حركة سعر صرف الدولار و تغيّرات الثقة مما يزيد من المعادلة تعقيداً. فالحذر واجب هذا اليوم!