يعتبر صعود الرنميبي في هونج كونج يقصّ حكاية مدينتين: الأولى هي مدينة التعاملات المالية الضخمة في منطقة الأعمال في هونج كونج، حيث يمتلئ المصرفيون بالحماسة من الزيادة السريعة في استخدام العملة الصينية لتمويل التجارة وإصدارات سندات الشركات.
عملة البر الصيني ليست قابلة للتحويل بصورة تامة، لذا فإن بكين تستخدم هونج كونج كمختبر تستطيع فيه الشركات الأجنبية اقتناء المنتجات المقومة بالرنميبي والتداول فيها. وعلى نحو يشبه صورة المرآة للطريقة التي خصص فيها دينج تشاو بينج، الزعيم الصيني الراحل مدينة شينجن، المدينة الصينية المجاورة لهونج كونج، لتكون ''منطقة اقتصادية خاصة'' للاستثمارات التصنيعية من البلدان الأجنبية قبل 30 سنة، فإن هونج كونج تُستخدَم الآن كمختبر للمزيد من تحرير الرنميبي.
وفي هونج كونج الأخرى، لا تزال الإيجارات والرواتب تدفع بدولارات هونج كونج، وما يزال المتسوقون يستخدمون ذلك الدولار، رغم أن كثيراً من محلات التجزئة سعيدة بقبول الرنميبي من السائحين القادمين من البر الصيني.
ويتساءل مارك ماكومب، كبير التنفيذيين لأعمال بنك إتش إس بي سي في هونج كونج: السؤال هو: هل يمثل هذا تحولاً ضخماً أم أنه مجرد خيار لعملة أخرى؟
يقع الجواب في منطقة ما في الوسط. تعتبر جاذبية الرنميبي بالدرجة الأولى لاستعماله في المضاربات. ينظر إلى العملة الصينية على أنها رهان مضمون سيستمر في الارتفاع في مقابل الدولار، الذي يرتبط به دولار هونج كونج.
الدستور المصغر لمنطقة هونج كونج، الذي بدأ سريان مفعوله لمدة 50 سنة اعتباراً من تموز (يوليو) 1997 حين عادت المستعمرة البريطانية السابقة إلى السيادة الصينية بموجب معادلة قوامها ''بلد واحد ونظامين''، ينص هذا الدستور على أنه ''سيستمر تداول دولار هونج كونج كعملة رسمية''.
مع ذلك فإن الزيادة في عدد المراهنين في هونج كونج الذين يراهنون على ارتفاع الرنميبي أصبحت زيادة عجيبة، حتى في مدينة يعتبر فيها الحساب البنكي العادي منذ فترة طويلة هو الفرصة المناسبة للاحتفاظ بودائع في عدد مذهل من العملات.
على مدى السنة السابقة، قفزت حصة الرنميبي من قاعدة ودائع التجزئة في هونج كونج من 0.1 في المائة إلى نحو 4 في المائة. وقبيل فترة أعياد الميلاد الأخيرة، أعلنت السلطة النقدية لهونج كونج، التي تعتبر من الناحية العملية البنك المركزي للمقاطعة، أن ودائع الرنميبي في المدينة ارتفعت لتصل إلى 280 مليار رنميبي بنهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، أي بزيادة مقدارها 246 في المائة خلال عام.
سمح للشركات الصينية للمرة الأولى بتسوية صفقات الاستيراد والتصدير بالرنميبي في منتصف 2009، حين قررت بكين تقليل اعتمادها على الدولار. وقد أعطيت الشركات لتوها الحق في إرسال التحويلات إلى الخارج بالرنميبي لتدفع المبالغ اللازمة لعمليات الاستحواذ والاستثمارات.
في الفترة الأخيرة ارتفع عدد المصَدِّرين من البر الصيني الذين يحق لهم تسوية التعاملات عبر الحدود بالرنميبي، من مجرد 365 إلى 67 ألفاً، على اعتبار أن البنك المركزي الصيني كان يسعى لتوسيع البرنامج بصورة أسية. وقفز إجمالي تحويلات الرنميبي لتسوية التعاملات عير الحدود ليصل إلى 93.7 مليار رنميبي في تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد أن كان مقداره 68.6 مليار في تشرين الأول (أكتوبر).
وفي سبيل تعزيز توفر الرنميبي في الخارج، وقعت بكين اتفاقيات للتأمين المتقابل على العملات مع ثمانية بنوك مركزية، في الأرجنتين وروسيا البيضاء وهونج كونج وأيسلندا وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، بمبالغ إجمالية مقدارها 800 مليار رنميبي. وكانت السلطة النقدية لهونج هونج هي البنك المركزي الوحيد الذي عُرِف أنه قام بتفعيل اتفاقية التأمين الموقعة معه.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) سحبت السلطة مبلغ عشرة مليارات رنميبي من خط التبادل المتاح لها (ومقداره 200 مليار رنميبي)، فاتحة بذلك قناة جديدة تستطيع من خلالها البنوك التجارية في المدينة الحصول على الرنميبي من أجل عملائها.
صممت البنوك التي من قبيل إتش إس بي سي وبنك ستاندارد تشارترد منتجات استثمارية مقومة بالرنميبي، ورتبت عمليات مبيعات سندات بكميات صغيرة متنوعة ''أشبه بطبق الطعام الصيني الذي يحتوي على كميات قليلة من المكونات المختلفة في صحن واحد'' للشركات متعددة الجنسيات.
وفي السنة الماضية أطلق كل من شركة ماكدونالد وشركة كاتربلر سندات مقومة بالرنميبي في هونج كونج، في سبيل تمويل أعمالهما في الصين.
حتى الآن كانت النتائج مذهلة. لكن يظل مع ذلك هناك قيد في غاية الأهمية أمام النمو في المنتجات المالية المقومة بالرنميبي في هونج كونج. إذ توجد لدى بكين ضوابط تحول دون تدفق الأموال داخل وخارج البر الصيني لأغراض الاستثمار. وعلى خلاف النظرة إلى التجارة، فإن الحركات الرأسمالية تتطلب الموافقة حسب كل حالة على حدة.
يقول ماكومب: لا يريد البنك المركزي الصيني أن يصار إلى استخدام العملة الصينية لأغراض المضاربات. إنهم يريدون استخدامها في التجارة. هذه هي الرحلة التي يسيرون فيها.
باستثناء ارتفاع قيمة الرنميبي، لا يوجد سبب يذكر لاقتناء الرنميبي في هونج كونج في حسابات إيداع وسندات تعطي عوائد منخفضة، إذا لم يكن من الممكن استثمارها في البر الصيني.
المستثمرون الصينيون الأثرياء من البر الصيني والموجودون في هونج كونج لديهم حسابات مختلفة تماماً. حيث إن الرنميبي غير قابل للتحويل بصورة تامة، فإنهم لهذا السبب بالذات يتدافعون للشراء في سوق العقارات في هونج كونج، وبالتالي الشراء في دولار هونج كونج.
يقول ألفين ييوونج، وهو وكيل عقاري إن نحو خُمُس عملائه هم من البر الصيني. وحين ينظر في حساباته، فإنه يشير إلى سعر إحدى الشقق التي تبلغ مساحتها 78 متراً مربعاً مقابل 21 مليون دولار من دولارات هونج كونج (2.7 مليون دولار)، وشقة أخرى بسعر 26 مليون دولار (3.33 مليون دولار)، إلى عملاء من البر الصيني. هذه الممتلكات وغيرها من العقارات ذات الأسعار العالية في مشاريع تطوير عقاري تحمل أسماء فخمة مثل ''التحفة الفنية الرائعة'' ومناطق براقة تطل على الميناء، هذه الممتلكات لا يتم تأجيرها أبداً في معظم الأحيان.
يقول ييوونج إن عملاءه من البر الصيني يشترون الممتلكات لنقل الأموال عبر الحدود، مع ما يصحب ذلك من حقوق التباهي بامتلاك شقة في هونج كونج. ويضيف ييوونج أن ''تفكيرهم يسير على النحو التالي: ’إذا أجرت الشقة، فسيفهم الآخرون أنني بحاجة إلى المال. لذلك لن أُخرها''. وهم يقولون دائما ’إن المال ليس مشكلة‘.'' ويلحظ ييوونج أن عملاءه من البر الصيني يدفعون عادة أثمان الشقق دون أخذ قروض من البنوك، ويبدو أنه من السهل بالنسبة إليهم الحصول على دولارات هونج كونج.
من السمات الدالة على نشاط هونج كونج كمركز للتداول والتجارة، هو أنه في الوقت الذي تلعب فيه دوراً حيوياً في تدويل الرنميبي، فإنها توفر كذلك مركز تحوط للصينيين الأثرياء من البر الصيني، الساعين للحصول على العملات القابلة للتحويل وملاذات الأفشور.