ينخفض الدولار الأمريكي مقابل سلّة العملات الرئيسية الست في العالم للأسبوع الرابع على التوالي ليفقد معظم ما اكتسبه خلال أكثر من عشر أسابيع، هذا الانخفاض الواضح في سعر صرف الدولار الأمريكي نتج بسبب الاتجاه نحو السلع و المعادن و العديد من الأسهم التي تشكّل حالياً فرصة ممتازة للمضاربين الذين يرون بأن مؤشرات السلع و كذلك مؤشرات الأسهم تتداول في اتجاه صاعد منذ وقت ليس بقليل. لكن في الحقيقة، لو نظرنا إلى حركة العملات بشكل أدق و بحثنا عن سبب هذا الانخفاض في سعر صرف الدولار الأمريكي، سوف نجد بأننا أمام معادلة نشأت إثر اختلاط توقعات أداء البنوك المركزية في العالم مع البنك الفيدرالي الأمريكي.
البنك الفيدرالي الأمريكي يملك القدرة على الاستمرار في تحفيز الاقتصاد، و هذا فعلاً ما تم الإشارة له سابقاً، و يصر الفيدرالي الأمريكي على سياسات التخفيف الكمي و على سعر الفائدة المتدنية جداً، بينما في الاتحاد الأوروبي و المملكة المتحدة نجد بأن هنالك قلقاً من ارتفاع مستويات التضخم مما يعطي المتداولين توقعات بأن يقوم البنك البريطاني و البنك المركزي الأوروبي برفع سعر الفائدة في وقت يسبق الفيدرالي الأمريكي. إن ارتفاع مستويات التضخم في أوروبا و المملكة المتحدة هو السبب الرئيسي وراء ذلك، و نرى أيضاً بأن العديد من الاقتصاديات مثل أستراليا و الصين و نيوزلندا و الكثير جداً من الدول الناشئة تشهد احتمالات أن نرى فيها ارتفاعاً كبيراً في التضخم عكس الاقتصاد الأمريكي الذي ما زال يظهر استقراراً في مستويات التضخم.
استفاد اليورو ليس فقط من هذه التوقعات، بل أيضاً استفاد من البيانات الاقتصادية الإيجابية جداً التي صدرت هذا اليوم من ألمانيا و فرنسا و إيطاليا مشيرة إلى استمرار النمو في قطاع التصنيع. كذلك بحسب بيانات مؤشر مدراء المشتريات للاتحاد الأوروبي لشهر كانون الثاني-يناير/2011 أشارت إلى ارتفاع وتيرة النمو في قطاع التصنيع فقد ارتفع المؤشر من مستوى 56.9 إلى مستوى 57.3 بحسب القراءة النهائية. كذلك أظهرت بيانات نسبة البطالة إلى انخفاض غير متوقع في البطالة في الاتحاد الأوروبي من 10.1% إلى 10.0%.
بدعم من البيانات الاقتصادية الإيجابية، و بدعم من الانخفاض الذي يعاني منه في الأصل الدولار الأمريكي، اندفع سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي في موجة صاعدة قوية دفعت في سعر اليورو من الأدنى له هذا اليوم عند سعر 1.3688 و حقق الأعلى له عند سعر 1.3774. التداولات الحالية للزوج تقع حول مستوى 1.3730-1.3740 و هذا المستوى قد يكون فاصلاً هاماً في حركة الزوج بحسب التحليل الفني الكلاسيكي، حيث أن تحقيق ثبات فوق هذا المستوى قد يكون سبباً لمزيد من الاتجاه الصاعد في سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي اختبار مستويات قد تصل إلى 1.3820 كبداية.
لم يكن الاتحاد الأوروبي هو الوحيد الذي أظهر إيجابية في بيانات مؤشر مدراء المشتريات، بل أيضاً أظهر الاقتصاد البريطاني ارتفاعاً في وتيرة النمو لقطاع التصنيع بأربع فوق التوقعات مما أدخل الجنيه الإسترليني في موجة صاعدة قوية جداً. كذلك بيانات التزويد النقدي أظهرت انخفاضاً فيما ارتفع ائتمان المستهلك و هذا كله يعتبر إيجابي بالنسبة للاقتصاد البريطاني المتعطّش لأي محفّز لأن لا يقع في انكماش آخر كالذي حققه خلال الربع الرابع الماضي من عام 2010.
ارتفع سعر صرف الجنيه الإسترليني لليوم الثاني على التوالي مقابل الدولار الأمريكي بعد أن لامس الأدنى عند 1.6006 و استطاع ملامسة أعلى مستوى له منذ 15/تشرين الثاني-نوفمبر/2010 عند سعر 1.6140 دولار للجنيه الإسترليني الواحد. التداولات الإيجابية للجنيه الإسترليني ما زالت قائمة، و ثبات التداول فوق مستوى 1.6060 و المستوى الأهم 1.5990 يبقي على فرصة مزيد من الاتجاه الصاعد قائمة و قد يتم بسبب ذلك إعادة اختبار مستوى 1.6185 و الذي باختراقه قد تفتح أبواب الاتجاه نحو مستويات قد تصل إلى 1.6300 التي فشل الزوج في اختراقها في آخر محاولاته في تشرين الثاني الماضي.
موجة هابطة سيطرت على الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني أيضاً، و هذه الحركة تثبت لنا بأن الدولار الأمريكي نفسه يشهد ضغوطاً سلبية و عمليات بيع مكثّفة. انخفض سعر صرف الدولار الأمريكي هذا اليوم مقابل الين الياباني من مستوى 82.14 وصولاً إلى مستوى 81.45 ين للدولار الأمريكي الواحد. التداول ما دون مستوى 81.85 يعتبر سلبياً للدولار، فيما استمرار التداول ما دون هذا المستوى قد يسبب مزيداً من الاندفاع الهابط وصولاً إلى مستويات 81.05 ين للدولار الأمريكي الواحد.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل فعلاً الدولار الأمريكي في مأزق الآن، و هل سوف تبقى توقعات البنوك المركزية مؤثرة على فروقات أسعار الفائدة بشكل ملحوظ ليستمر الدولار الأمريكي في موجته الهابطة؟ إن هذا قد يكون سبباً لنا لأن نركّز اليوم في بيانات مؤشر معهد التزويد الصناعي الأمريكي و كذلك بيانات الوظائف الأمريكية يوم الجمعة القادم، حيث أن استمرار الضعف في وتيرة النمو إلى جانب بقاء مستويات التضخم منخفضة، قد يبقى الدولار الأمريكي إثرها تحت الضغوط السلبية التي بدأت منذ فترة