تسود الأسواق المالية هذا اليوم حالة من عدم الاستقرار في ظل انتظار البيانات الاقتصادية الأمريكية المتمثلة في بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع الماضي من عام 2010. تشدّ هذه البيانات الانتباه لأنها تعتبر مؤشراً جيداً عن وضع الاقتصاد الأمريكي و مقدار التعافي الاقتصادي الذي استطاع أن يحققه خلال العام الماضي بعد أزمة هي الأسوأ منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث ضربت الأزمة الائتمانية في الاقتصاد الدولي بقيادة الاقتصاد الأمريكي تاركتا ًإياه في ركود اقتصادي عميق.
التوقعات إيجابية، و الآمال كبيرة في أن يكون الاقتصاد الأمريكي استطاع أن يحقق التوازن من جديد. حتى مع أن التوازن الاقتصادي يعود الفضل فيه إلى خطط الفيدرالي الأمريكي الهائلة و القياسية من سياسات مالية و نقدية، و خطط الإنفاق الحكومي التي أنقذت الاقتصاد فعلاً، لكن مهما كانت الأسباب، فيبدو أن التفاؤل السائد في الأسواق هو الذي سيطر خلال الفترة الماضي، حتى مع أن هذا التفاؤل ممزوج في بعضٍ من ملوحة الشك!
توقعات بيانات الناتج المحلي الإجمالي تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي ربما يكون قد استطاع تحقيق نمو مقداره 3.5% في الناتج المحلي، و الجميل في هذه التوقعات أيضاً هو أنها من المتوقع أن تظهر استمرار النمو في مستويات الإنفاق بمقدار 0.4%، فحتى مع هذا الانخفاض الطفيف من المستوى السابق، إلا أنه يعدّ جيداً آخذين بعين الاعتبار الظروف الجوية الاستثنائية التي مرّت بها العديد من مناطق الولايات المتحدة الأمريكية.
نجد سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي هذا اليوم و قد تداول بقليل من السلبية و الانخفاض، لكن حتى مع هذا، إلا أن تداولات اليوم تقع قريباً من أعلى مستويات للزوج منذ 22/تشرين الثاني/2010. في نفس الوقت، خلال الاتجاه الصاعد الذي تحقق منذ العاشر من هذا الشهر، تم تعويض حوالي 60% من الخسائر التي تكبدها اليورو مقابل الدولار الأمريكي منذ الموجة الهابطة الحادة التي بدأت في الرابع من تشرين الثاني/2010 من مستويات 1.4281 دولار لليورو الواحد.
يتداول سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي حالياً بحيادية مع قليل من الضغوط السلبية. و قد تداول الزوج بين الأعلى له هذا اليوم عند سعر 1.3745 و الأدنى عند سعر 1.3677 دولار لليورو الواحد. تشير التحليلات الفنية بأن الزوج حالياً يتداول في مستويات حرجة، حيث أن نطاق التداول بين 1.3760 و 1.3635 يبقي على الوضع حرجاً و يجب أن نرى خروجاً من هذا النطاق لتأكيد الاتجاه، لكن في الحقيقة تميل التحليلات الفنية للإشارة إلى بعض الإيجابية لصالح اليورو خصوصاً لو أثبت الزوج قدرته على الاستقرار فوق 1.3715 ثم قام باختراق السقف الأعلى 1.3760.
يقال بأن مصائب قوم عند قوم فوائد، و هذا فعلاً ما حصل بعد الانقسام في الآراء بين أعضاء البنك البريطاني، حيث اتجهت بعض الأصابع نحو الإشارة لأهمية رفع الفائدة و أخرى اتجهت نحو تقليص أو حتى سحب سياسات التسهيلات المالية APF، فيما الأغلبية اتجهت نحو الإبقاء على سعر الفائدة و سياسات البنك غير الاعتيادية على ما هي عليه. هذا الخصام بين أعضاء البنك البريطاني سبب موجة صاعدة لسعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي بعد أن ضربت في الجنيه الإسترليني موجة هابطة حادة خلال الأيام الماضية سببها الانكماش الغير متوقع في الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع الماضي من عام 2010.
التعارض الواضح بين آراء أعضاء البنك البريطاني قرّب أكثر فرصة تغيير سعر الفائدة برفعها أو على الأقل القيام بتقليص أو إيقاف برنامج شراء الأصول، و هذا صب في صالح الجنيه الإسترليني اليوم ليرتفع مقابل الدولار الأمريكي بعد ملامسته للمستوى الأدنى عند سعر 1.5851 . ارتفع سعر صرف الجنيه الإسترليني حتى لامس الأعلى له هذا اليوم عند 1.5965 دولار للجنيه الإسترليني، و هذا الاتجاه الصاعد قرب الزوج أكثر من مستويات المقاومة الهامة جداً و التي نستطيع أن نطلق عليها تسمية المقاومة المصيرية 1.5990. التحليل الفني يبقي على فرصة الإيجابية للزوج بما بأنه ثابت فوق مستويات 1.5810-1.5825، و باختراق المقاومة الأخيرة قد نرى موجة صاعدة واضحة على الزوج.
قراءة الناتج المحلي الإجمالي من الولايات المتحدة الأمريكية قد يكون لها وقع خاص على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكي، خصوصاً مع إثبات استمرار التعافي الاقتصادي الأمريكي في وقت يشهد فيه الاقتصاد البريطاني ضغوطاً هائلة دفعته للانكماش، لكن في المقابل فتوقعات اختلاف أكبر بين أعضاء البنك البريطاني صب في صالح الجنيه الإسترليني و كل ذلك قد يكون سبباً لتداولات متذبذبة و غير واضحة ربما تصبح حادة جداً.
ارتفاع حاد جداً في سعر صرف الين الياباني، هذا الارتفاع الحاد أفقد الدولار الأمريكي معظم مكاسبه مقابل الين التي حققها يوم أمس، حيث نرى سعر صرف الدولار الأمريكي و قد انخفض من مستوى 82.92 ليلامس مستوى 82.11 ين للدولار الأمريكي الواحد. مفاجأة منظّمة S&P في تخفيض تقييم ديون اليابان الائتماني كان دافعاً لموجة من القلق الكبير في الأسواق، و هذا ما سبب موجة من جني الأرباح و الابتعاد عن الأصول مرتفعة العائد، و هذا في المقابل سبب موجة شراء كبيرة للين الياباني لتسييل المحافظ المالية و تقليص المراكز المالية، خصوصاً و نحن اليوم في انتظار بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
إن تداول سعر صرف الدولار الأمريكي ما دون مستوى 82.75 يعتبر سلبي بحد ذاته للدولار بحسب ما تشير له التحليلات الفنية، فيما كسر الدعم 81.85 قد يكون سبباً لاندفاع هابط قوي بتأثير من إشارات سلبية فنية عديدة قد تدفع الزوج نحو مستوى 81.05.
عزيزي القارئ، إن علامات تعافي الاقتصاد الأمريكي واضحة، لكن في نفس الوقت تبدو حالة الشك في هذا واضحة من تصرفات المستثمرين في الأسواق المالية، لذلك يجب علينا الانتباه جيداً لأداء الأسواق المالية عامة، أسواق الأسهم و السلع و أسوق المعادن و السندات، فتحرك هذه الأسواق بتأثير من البيانات المنتظرة اليوم قد تكون سبباً لإضفاء مزيد من التذبذب الكبير الذي قد ينشأ على سعر صرف الدولار الأمريكي في الأسواق بتأثير من هذه البيانات الاقتصادية.