كنت أصحو في كل صباح من الأسبوع الماضي على الفكرة نفسها: لقد شاهدت معجزة، لقد أطحنا بديكتاتور. وبعدئذ أنظر في الخطوات المقبلة وأفكر بتصميم متجدد: لقد زرعنا البذور لمصر جديدة، لكن هذا لا يكفي، يجب علينا أن نتعهد هذه النبتة بالرعاية والنمو.
لقد أشاعت صحوة مصر الأمل في العالم العربي. وما الشجاعة التي أبداها الشعب الليبي الذي خاطر بكل شيء من أجل حريته إلا آخر مثال لا يصدق على ذلك. كي نحقق هذه الرؤية المتمثلة في ''الجمهورية المصرية الثانية'' – ديمقراطية أساسها العدالة الاجتماعية، والفرص المتساوية، واحترام حقوق الإنسان وغيرها من القيم العالمية، إنه مشروع معقد ضخم. لقد تراجعت مصر تحت حكم حسني مبارك إلى وضع الدولة الفاشلة. يجب علينا أن نمسح هذا السجل وننظفه ونبدأ من جديد.
إن المرحلة الانتقالية الماثلة أمامنا في غاية الأهمية. فالديمقراطية أكثر من صندوق انتخابات. وبقدر ما نثمن نحن المصريين قواتنا المسلحة، فإنها لا تستطيع من خلال العمل بمفردها أن توفر الشرعية لإرساء أسس الديمقراطية.
فحتى الآن يتولى الجيش قيادة المرحلة الانتقالية على نحو غامض وفردي. فلم يتصل بأي شريحة من المجتمع المصري، باستثناء الاجتماع بصورة انتقائية مع بضعة شباب ممن اشتهرت أسماؤهم. ولم يقم بوضع خطة، أو جدول زمني للكيفية التي ستؤدي بها المرحلة الانتقالية إلى دولة ديمقراطية.
لقد جعلني ذلك ـــ مثلي مثل كثير من زملائي الشباب ـــ أشعر بالقلق. إن مصافحة عدد صغير من الشباب وإعلان النتيجة باعتبار ما حدث ثورة شبابية غير كاف أبداً. يجب أن يكون الطريق إلى الديمقراطية شاملاً، هدفه التحول الكامل لمصر. وكي نتقدم على نحو بناء من أيام الغضب إلى أيام إعادة البناء، فإننا بحاجة عاجلة إلى توفير أربعة أركان للبناء عليها:
أولاً، ينبغي أن يكون هناك دستور مؤقت يضمن الحقوق المتساوية والحريات الأساسية، وتحديد الأهداف والصلاحيات المحدودة للحكومة الانتقالية. وينبغي أن يتم تصميم هذا الدستور بشكل صريح للسير بالبلد عبر مجموعة محددة من المعالم. لقد عمل الدستور الحالي على ترسيخ النظام القديم وأعطى صلاحيات استبدادية للرئيس، وأوجد برلماناً لا يمثل الشعب، ونظاماً قضائياً شبه مستقل. وينبغي على الجهد المبذول لترقيع الدستور القديم على الأقل، أن يوضح بجلاء أن هذا إجراء انتقالي إلى حين وضع دستور ديمقراطي جديد يتم تبنيه من خلال جمعية دستورية.
ثانياً، ينبغي تشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة أعضاء لقيادة المرحلة الانتقالية. ويجب أن يكون اثنان من أعضائه من المدنيين الذين لا علاقة لهم بالنظام القديم وأن يكون العضو الثالث من القوات المسلحة. وسيكون هذا المجلس الخطوة الأولى نحو إيجاد الثقة بين الجميع بأن مصر تسير في الاتجاه الصحيح. ويتعين أن يكون الجيش ضامناً للأمن خلال هذه المرحلة الانتقالية، لكن لا ينبغي أن يكون في مركز القيادة. ومن أجل الإدارة الفاعلة، فإنه بحاجة إلى شراكة الزعماء المدنيين لضمان الاستجابة والتأييد العادلين لطموحات الشعب.
ثالثاً، لا بد أن تكون هناك حكومة لتصريف الأعمال من أصحاب الكفاءات العالية الذين لا شك في نزاهتهم من أجل تأمين استمرار تقديم الخدمات الأساسية، واستبدال عناصر النظام القديم الذين فقدوا صدقيتهم. وأن تتولى هذه الحكومة رعاية تشكيل المؤسسات القوية التي تشكل العمود الفقري للمجتمع المدني. وأهم من كل ذلك أن توفر البنى اللازمة لتمهيد الطريق لانتخابات حرة ونزيهة.
وينبغي أن تكون مدة عمل هذه الهيئة الانتقالية سنة على الأقل ـــ وليس ستة أشهر كما هو مقترح حالياً. فلا مناص من أن نعطي الأحزاب السياسية الجديدة وقتاً كي تنظم نفسها وتنخرط مع المجتمع. الفترة الانتقالية المتعجلة لن تفيد إلا الأحزاب والجماعات الحالية، تاركة الأغلبية الصامتة غائبة عن المشهد السياسي ومؤدية إلى انتخابات غير تمثيلية ومشوهة.
رابعاً، ينبغي إلغاء جميع الأدوات المتبقية التابعة للديكتاتورية المنتهية. ويتعين إلغاء قانون الطوارئ الذي خنق البلد على مدى 30 عاماً على الفور ـــ كما ينبغي إلغاء المراسيم التي تفرض قيوداً على تشكيل الأحزاب السياسية، وتحظر حق التجمع، أو تقيد حرية الصحافة. كذلك يجب الإفراج عن المعتقلين السياسيين من السجون.
لقد عبر بعضهم عن القلق بشأن الدور الذي سيلعبه الإخوان المسلمون. وينبغي تصحيح هذه الفكرة الخاطئة. إن الإخوان في مصر جماعة محافظة على الصعيد الديني، لكنها جماعة غير عنيفة. لقد كسبت الجماعة صدقية لأنها قدمت خدمات اجتماعية فشلت حكومة مبارك في تقديمها. كما أنها التزمت علانية بالمشاركة في دولة مدنية ـــ وليست دينية ـــ وبمبادئ الحقوق المتساوية بغض النظر عن الديانة. وفي حين أنني لا أشاطر جماعة الإخوان آراءهم الدينية، فإنني أتوقع أن تكون جزءاً من عملية سياسية ديمقراطية. إنها تحظى بدعم أقلية كبيرة وينبغي أن تكون ممثلة مع الجماعات الأخرى ـــ من اشتراكيين وأحرار وغيرهم، بموجب دستور يرسخ الطابع المدني للدولة ويضمن الحق في تشكيل حكومة تمثل الجميع.
إن ما أوضحته ليس رؤيتي الخاصة، بل هو رؤية تشاركني فيها أغلبية واسعة من المصريين، بمن فيهم الجماعات الشبابية العديدة التي أعمل معها من كثب منذ أكثر من عام. إن رؤيتنا الخاصة بـ ''جمهورية ثانية'' هي مصر حديثة ومعتدلة. ويجب أن يتم تزويد مؤسساتها الدستورية بالبنى والزعامة التي تمكننا من اللحاق ببقية العالم في العلم والتكنولوجيا، وتوفير الفرص لـ 40 في المائة من مواطنينا الذين يعيشون في حالة من الفقر، وتعليم الـ 30 في المائة الذين هم أميون. سوف يستغرق هذا وقتاً، لكن يجب أن نحققه بالشكل الصحيح.
إن حلم الديمقراطية مختزن منذ زمن طويل في قلوب الشعب المصري. لقد كان بحاجة إلى من يوقظه. لقد أوجد شبابنا الشرارة، وعانقت مصر كلها قيادتها لبناء منارة تنشر الأمل في سائر أرجاء العالم العربي، وآخره كان في ليبيا. هذه هي البداية فقط.
بصفته رئيسا (سابقا) للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فاز الكاتب بجائزة نوبل للسلام عام 2005 وهو مؤلف كتاب يصدر قريباً بعنوان: ''عصر الخداع: الدبلوماسية النووية في الأزمنة الغادرة'' Age of Deception: Nuclear Diplomacy in Treacherous Times