شهدنا أسبوع مريع سخط الأسواق المالية بمطرقة من حديد، على الرغم من صدور بيانات أكدت تحسن مسيرة النمو البريطانية و الألمانية، إلا أن حقيقة تفاقم أزمة الديون و انتقال العدوى للدول الأوروبية الأخرى كان لها تأثير أقوى بكثير خاصة مع ارتفاع تكاليف الاقتراض في القارة الأوروبية لمستويات قياسية وسط تراجع مستويات الثقة في القارة نتيجة تفاقم الأزمة، و كان لوكالات التصنيف دور لا بأس فيه بتخييب آمال المستثمرين أيضاً.
كان الارتفاع في تكاليف الاقتراض التأثير السلبي الأكبر على الأسواق المالية لما لها من تبعات و آثار سلبية، إلى جانب التفسيرات المخيفة التي يتم تحليلها عند ارتفاع تكاليف الاقتراض، حيث شهدناها ترتفع فوق المستويات الحساسة في بعض الدول مثل ايطاليا التي أقامت مزاد بيع لسنداتها الحكومية ذات أمد سنتين، و شهدت عائد وصل إلى 7.81%.
فمن هنا، كان للدول الأوروبية حصتهم أيضاً في هذا الارتفاع في تكاليف الاقتراض، فلم تسلم ألمانيا و لا فرنسا من هذا الارتفاع على الرغم من سجيل اقتصادياتهم نمواً جيداً خلال الربع الثالث، و هما أول و ثاني أكبر اقتصاديين في القارة، إلا أن وجودهم في منطقة اليورو كان له الأثر السلبي الواضح، فعندما قامت ألمانيا بعقد مزاد بيع لسنداتها الحكومية، لم يلقى تلك الرغبة التي شهدتها السندات الأوروبية الأخرى نظراً للفرق بين العائدين، الأمر الذي أجبر المركزي الألماني للتدخل و شراء ما نسبته 39% من قيمة هذه السندات.
أما فرنسا، فلاقت العديد من التهديدات باحتمالية وضعها ضمن قائمة التصنيفات السلبية، الأمر الذي سيشكل خطراً على تصنيفها الائتماني الممتاز وسط ارتفاع نسبة دينها العام، و تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، و مدى التأثيرات الحالية و المستقبلية التي ستؤثر سلباً على الاقتصاد الفرنسي لتُشكل عوائق تحد بشكل كبير من مسيرة نمو الاقتصاد، فاجتمعت موديز و فيتش بتهديد فرنسا وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض على الدولة، و مدى تأثير الإجراءات التقشفية التي تتخذها الدولة، على الاقتصاد في المستقبل.
و تستمر وكالات التصنيف بالتركيز على القارة الأوروبية و أعضائها، و أخذ خطوات مباغتة تشكل ضغط سلبي على الأسواق، فلم تتردد ستاندرد أند بورز بتهديد اقتصاديات منطقة اليورو كاملة بأنه سيكون هنالك موجة من التخفيضات في التصنيفات الائتمانية نظراً لتفاقم أزمة الديون و مدى تأثير الإجراءات التقشفية على اقتصاد المنطقة كاملة، أما فيتش، فبعد أن هددت فرنسا حول تصنيفها الائتماني، قامت بتخفيض التصنيف الائتماني البرتغالي نظراً لارتفاع نسبة الديون و مدى هشاشة الاقتصاد بشكل عام.
تستمر حالة اليقين بالسيطرة على الأسواق المالية بشكل عام وسط خوف المستثمرين المبرر بتفاقم أزمة الديون و تفشيها للدول الأوروبية الأخرى، و عدم قدرة القادة بشكل عام على احتواء الأزمة رغم كل الجهود الذين يقومون بها، خاصة مع غموض الصورة المستقبلية لكل من ايطاليا و اليونان، حيث بقي موقف رئيس الحزب الديمقراطي ينادي برفضه التوقيع الخطي على ضمان تطبيق بلاده للإجراءات التقشفية المتطلبة من ترويكا، الأمر الذي اضطرهم لإعطائه أسبوع كحد نهائي لقيامه بالتوقيع الخطي الذي يتعلق به مستقبل الدفعة السادسة بقيمة 8 مليار يورو من القرض الأول، و مصير قرض الإنقاذ الثاني.
إن كل هذه المخاوف المنتشرة في الأسواق و حالة عدم اليقين التي تتصاعد بشكل مستمر، هي أمور متوقعة نوعاً ما وسط تفاقم أزمة الديون و عدم قدرة القادة الأوروبيين لوضع حل شامل و مقنع يخلص بتحرير القارة من هذه الأزمة، خاصة و أن قطاعات اقتصاد المنطقة بشكل عام تستمر بالانكماش من قطاع الصناعة أو قطاع الخدمات حسب مؤشر مدراء المشتريات الذي أظهر استمرار انكماش القطاعين خلال تشرين الثاني.
على الرغم من تواجد الاقتصاد الألماني وسط منطقة اليورو، إلا أنه الاقتصاد الأقوى في القارة ككل، و هو الاقتصاد الذي يدعم منطقة اليورو بأكملها على الرغم من تراجع أداءه في الآونة الأخيرة، إلا أنه أكد على مسيرة نموه خلال الربع الثالث عند 0.5% و 2.5% على الصعيد السنوي، مدعوماً بارتفاع الصادرات و تراجع الصادرات و الإنفاق الحكومي، الأمر الذي أشار إلى مدى قوة هذا الاقتصاد رغم كل التحديات و الصعوبات التي تواجهه، و كان هذا وسط الارتفاع الطفيف الذي حصل لمستويات الثقة في الاقتصاد الألماني خلال تشرين الثاني.
و كان الاقتصاد الملكي على نفس المنوال مع فارق التشبيه بين الاقتصاديين، فأكد الاقتصاد البريطاني على مسيرة نموه أيضاً خلال الربع الثالث عند 0.5% على الصعيدين الربع سنوي و السنوي، الأمر الذي أراح صناع القرار البريطانيين بعض الشيء، و تشجيعهم لعدم أخذ المزيد من الإجراءات التحفيزية و تثبيت سياستهم النقدية المتخذة، و لكن المركزي البريطاني قد أشار في محضر اجتماعه عن مدى تأثير أزمة الديون الأوروبية على الاقتصاد البريطاني، و مدى التأثيرات السلبية على الصادرات البريطاني من أزمة الديون و تباطؤ مسيرة النمو العالمية.
أما عن القادة الأوروبيين، فلم يكن لهم دور مهم هذا الأسبوع سوى إضافة المزيد من المخاوف إلى الأسواق، فلم يضف اجتماع ميركل و ساركوزي مع ماريو مونتي الايطالي أي معلومة قيمة تفيد الأسواق، سوى أن كررت المستشارة الألمانية موقفها الداعم للمركزي الأوروبي بعد ضرورة تعمقه لدعم الدول المتعثرة أكثر منه حالياً على عكس موقف ساركوزي الذي ينادي بضرورة تدخله أكثر من ذلك.
و كانت قد تناقلت الشائعات حول صندوق الاستقرار المالي الأوروبي الذي كان قد نادى العديد من القادة و المسئولين بتطبيق إجراءات توسيعه المنادى فيها سابقاً، حيث أشارت هذه الشائعات إلى أن احتمالية توسيع نطاق صندوق الاستقرار المالي الأوروبي لأكثر من تريليون يورو قد أصبحت مشكوكة، و قد لا تستطع دول منطقة اليورو على أخذ هذه الخطوة، و ذلك وسط الفوضى العارمة التي سيطرت على الأسواق المالية خلال الأشهر الماضية
و بشكل عام، اجتمعت كل هذه العوامل لتشكل ضغط سلبي على الأسواق المالية و تحمل الأسواق أسبوعاً آخراً من الخسائر، فقد شهدنا اليورو يكمل مسيرته الخاسرة لأسبوعه الرابع على التوالي مسجلاً الأدنى عند 1.3211 و هو مستوى متدني جداً، الأمر الذي أفاد الدولار الأمريكي ليحلق لمستويات قياسية.