شهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعات قياسية في قيمة الدولار أمام الجنيه المصري حيث وصل إلى 9,15 جنيه في السوق الموازية “السوق السوداء” مقابل 7,73 جنيه في مكاتب الصرافة الرسمية، مما أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب زيادة سعر الدولار، في السطور القادمة نحاول تفسير الأسباب المختلفة لزيادة سعر صرف الدولار أمام الجنية، وبعض الحلول لتخطي هذه الأزمة.
إن ارتفاع قيمة الدولار في الآونة الأخيرة يرجع إلى زيادة أسعار الخامات الأولية المستوردة، والداخلة بجميع الصناعات المصرية، حيث أن الدولة المصرية تواجه عواقب ارتفاع سعر الدولار نتيجة لاستيرادها سلع كثيرة، فالدولة المصرية مستوردة أكثر من كونها مصدرة فمعدل الواردات ثلاثة أمثال معدل الصادرات حيث بلغت الواردات 6 مليار دولار تقريباً، بينما بلغت الصادرات 2 مليار دولار فقط، مما يسبب عجز الميزان التجاري وبدوره أدى إلى عجز ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى انخفاض تحويلات العاملين بالخارج وذلك لقلة حجم العمالة أو الاحتفاظ بها في بنوك الدول المضيفة لهم وقد يرجع للخوف من قيود الإيداع والسحب في مصر، بالاضافة إلى قلة الإعانات والمساعدات الدولارية من الدول الأخرى.
ويُعد أيضاً النقص في الكمية المتاحة والمعروض من الدولار الأمريكي من البنك المركزي ومكاتب الصرافة سبباً قوياً من مسببات قلة قيمة الجنيه أمام الدولار، بعد زيادة الطلب عليه من قبل المستوردين، لسد إحتياجاتهم الإستيرادية، خاصةً بعد رفع البنك المركزي المصري سقف الإيداع والسحب الدولاري في الفترة الآخيرة، -وكأي شيء ينقص فيرتقع سعره- نتيجة لانخفاض المعروض من الدولار خلال الفترة الماضية أدى إلى زيادة قيمة الدولار ” ارتفاع سعر صرفه” مقابل الجنيه .
وقد حذرت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني من إمكانية تخفيض التصنيف الائتماني الخاص بمصر بسبب التراجع الحاد في الاحتياطي الأجنبي لدى مصر، وهو الأمر الذي لم يُعيره أحد اهتمامًا، كذلك زاد الدين الخارجي على مصر ليصل إلى 48 مليار دولار في منتصف هذا العام بزيادة 2 مليار دولار عن العام الماضي، والرقم مرشح للزيادة مع ظهور نية عاجلة لدى الحكومة المصرية لاقتراض 2 مليار دولار من البنك الدولي، ويجب أن نشير إلى أن الاعتراف بنقص الدولار وهذا سوف يزيد من قيمة الدولار وقلة قيمة الجنيه أكثر، وهو ما يسمى بتعويم الجنيه “أي خفض قيمة الجنيه أمام الدولار” وذلك يؤدي إلى إلى قلة القوة الشرائية للجنيه “أي ما نحتاجه لشراء كيلو سوف نحتاج ضعفه لشراء نفس الكيلو” وهذا الحل له مساويء خصوصاً على الفقراء ومحدودي الدخل، وأيضاً تجاهل آليات السوق وبيع الدولار بأقل من قيمته الحقيقية ” مثلاً بيع الدولار ب 7جنيه رسمياً وهو يقدر ب 9جنيه في الحقيقة” مما يخلق السوق الغير رسمية التي سوف يلجأ إليها الأفراد بدلًا من البنوك ومكاتب الصرافة الرسمية كل ذلك يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
وكانت تفريعة قناة السويس إحدى مسببات تناقص الإحتياطي المصري من النقد الأجنبي- وهو ما أشار إليه هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق في آخر مؤتمر صحفي له قبل تقديم إستقالته- حيث أن سرعة تنفيذ مشروع التفريعة أدى إلى مضاعفة التكلفة الأصلية للمشروع، ممع انخفاض معدل تشغيل قناة السويس الأصلية بسبب بعض الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي، فأصبحنا ندفع الأموال في التفريعة الجديدة دون مقابل، حيث أنها لا تعطي العائد المطلوب حتى الآن.
كل ذلك حدث بالاضافة إلى قلة الاحتياطي الأجنبي أيضاً بسبب عدم الاستقرار في البلاد حيث أن الوضع الأمني المتأزم أدى إلى فرار السياح والمستثمرين من مصر نتيجة الأحداث المتوالية في مصر، حيث كانت السياحة والإستثمارات الأجنبية المباشرة من أهم إيرادات مصر. كل هذه العوامل أدت إلى قلة المعروض من الدولار وبالتالي زيادة سعر صرفه مقابل الجنيه المصري والذي أدى بدوره إلى تدهور قيمة الجنيه، ومن الجدير بالذكر أن المشكلة ليست وليدة اللحظة فقط ولكنها نتيجة مشاكل وسنوات سابقة أيضاً.
خيارات وحلول لتفادي هذه الأزمة:
هناك ضرورة ملحة للاتجاه إلى الإحلال محل الواردات “أي اولوية الإنتاج للإشباع المحلى” وليس للتصدير إلى الخارج، ثم بعد ذلك يأتي الاتجاه إلى التصدير وتشجيع المنتجات المحلية ذات الجودة العالمية لأنها تعود بالعملة الصعبة وبصورة سريعة، وتذليل العقبات أمام المصانع المتعثرة والمغلقة والتعجيل في اتخاذ قرارات حكومية لحل مشكلات تلك المصانع. وأيضاً يجب إلغاء الحد الأقصى على الإيداعات بالعملة الأجنبية في البنوك، حتى يمكن جذب كميات كبيرة من الدولار الموجود في السوق السوداء، الذي يفوق حجم احتياطي مصر من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري.
كما يجب سرعة النظر في تطبيق نظام الشباك الواحد لتذليل العقبات أمام المستثمرين دون الإضرار بالمصلحة الوطنية، ومحاولة ترشيد الاستيراد إلا في الحالات والمنتجات الضرورية والملحة للحد من خروج العملة الصعبة خاصة مع تناقص الاحتياطي الأجنبي. ويجب الاشارة إلى أهمية توافق السياسات المختلفة للحكومة (النقدية والمالية والاستثمارية والصناعية) لتوفير العملة الصعبة وزيادة احتياطات النقد الأجنبي، بالتنسيق مع القطاع المصرفي في توفير منتجات مصرفية جاذبة للمستثمرين، وأصحاب الودائع “الخضراء” بما يدعم قدرة البنك المركزي على زيادة احتياطات النقد الأجنبي، بالاضافة إلى ابتكار وسائل جديدة لتشجيع السياحة في مصر.