التحليل الأساسي للمعادن الثمينة
يوم مصيري لسعر الذهب، لكن الكفة تميل لدعم الإيجابية متوسطة الأمد
ارتفع سعر الذهب خلال جلسة نيويورك يوم أمس، حيث اتجه العديد من المضاربين و المتداولين و العديد من الجهات أيضاً لطلب الذهب بعد الانخفاض الكبير في سعره. حيث أن انخفاض السعر اجتذب طلباً كبيراً على الذهب دفعه للارتفاع يوم أمس بمقدار 1.14% ليغلق الجلسة عند مستوى 1771.30 دولار للأونصة الواحدة. بالنسبة لسعر الفضة، فقد اكتسب أيضاً حوالي 3.60% و أغلق السعر عند مستوى 41.12 جلسة نيويورك بعد اتجاه مضاربة واضحة للأسواق المعادن الثمينة. بالنسبة للبلاتين، فقد ارتفع أيضاً لكن اكتفى في مكاسب وصلت إلى 0.89% و أغلق عند مستوى 1819.00 دولار للأونصة.
إن تداولات يوم أمس أظهرت أن المتداولين و العديد من الجهات ما زالوا يفضّلون الاتجاه نحو المعادن الثمينة لتخفيض مخاطرة الأسواق المالية، خصوصاً في انتظارهم كلمة رئيس مجلس الاحتياطي الأمريكي في وقت لاحق من هذا اليوم.
أغلقت مؤشرات الأسهم الأمريكية يوم أمس في انخفاض و سجّل مؤشر داوجونز الامريكي إغلاقاً بانخفاض مقداره 1.51%. هذا اليوم خلال الجلسة الآسيوية، شهدنا تداولات مضطربة قليلاً، حيث ارتفع مؤشر نيكاي الياباني بمقدار 0.29% بعد صدور بيانات أظهرت انخفاض مخاطر انكماش التضخم عندما أظهر مؤشر سعر المستهلك ارتفاعاً مقداره 0.1% خلال شهر تموز الماضي، و هذا دعم مؤشر نيكاي قليلاً، لكن مؤشر شنغهاي الصيني انخفض بمقدار 0.21% و كما حصل مع مؤشر نيكاي، نرى مؤشر هانج سينج الآن يتداول في قليل من الارتفاع بمقدار 0.08%.
إن اختلاط الأسواق المالية يوم أمس كان بعد موجات صاعدة في أسعار الأصول المرتفعة العائد هذا الأسبوع، فعلى آمال أن يتم منح الاقتصاد الأمريكي سياسة تخفيف كمي من قبل الفيدرالي الأمريكي، نجد بأن هذه الآمال ما زالت محفوفة في الحذر، و هذا ما سبب عمليات جني أرباح يوم أمس في الأسواق الأمريكية مما أفاد أسواق المعادن الثمينة، خصوصاً بعد الانخفاض الكبير في أسعار المعادن منها انخفاض الذهب الذي سجّل ثاني أكبر خسائر تاريخية على مستوى اليوم خلال جلسة الأربعاء.
حتى أسواق المعادن الثمينة، فقد شهدت اليوم أداء مختلط، فنرى الذهب في هذه اللحظات يتداول على ارتفاع مقداره 0.11% ليتداول سعر الذهب اليوم حول مستوى 1773.20 دولار للأونصة، فيما انخفض سعر الفضة بمقدار 1.65% ليتداول سعر الفضة الآن عند مستوى 40.44 دولار للأونصة. بالنسبة للبلاتين، فقد ارتفع بمقدار 0.11% أيضاً مثله مثل الذهب ليتداول في هذه اللحظات عند مستوى 1821.00 دولار. هذه الأسعار كما هي في تمام الساعة 03:00 صباحاً بتوقيت نيويورك ( 07:00 بتوقيت غرينتش ).
إن طلب الذهب ما زال قائماً، حيث أن المتداولين يستعملون الذهب لتخفيض مخاطرة الأسواق المالية خصوصاً في يوم من المنتظر فيه تصريح هام لبرنانكيه، فيما الفضة التي تتعرّض للكثير من المضاربة، تحصل عليها عمليات جني أرباح بين الحين و الآخر بسبب قلق المتداولين و خوفهم من حصول تذبذب هائل في الأسواق المالية يزيد من مخاطرة المضاربة في الفضة.
قد تعتمد حركة الذهب هذا اليوم بشكل كبير على اتجاه برنانكيه، فلو أقر سياسة تخفيف كمي فعلاً، أو أقنع المتداولين في أن الفيدرالي سوف ينقذ الاقتصاد الأمريكي من الركود و التباطؤ الحاد، فقد يكون هذا دافع لانخفاض واضح في سعر الذهب. لكن، في حال فشل برنانكيه من إقناع المتداولين و لم يقدّم سياسة تخفي كمي، فقد نرى حالة القلق في الأسواق المالية تدفع في الذهب للارتفاع.
لكن، هذه المعادلة ليست كافية لتوقّع سعر الذهب اليوم بعد تصريح برنانكيه، حيث أن حركة الدولار الأمريكي سوف تكون كبيرة جداً بحسب اتجاه الثقة ، فانخفاض حاد في الثقة قد يكسب الدولار عزماً صاعداً يحد من المكاسب التي قد يشهدها الذهب، فيما الاتجاه الكبير نحو التفاؤل قد يكون دافعاً لأن تكون خسائر الذهب محدودة لأن الدولار ينخفض سعر صرفه مقابل سلّة العملات مع ارتفاع الثقة. بهذا، قد تكون حركات الذهب اليوم محدودة في البداية لحين استقرار سعر صرف الدولار الأمريكي.
لكن على المدى المتوسط، فمهما كان قرار الفيدرالي الأمريكي اليوم، و مهما أظهر في تصريحه ، فالكفّة تميل لإظهار احتمال استمرار الارتفاع في سعر الذهب. فلو أظهر الفيدرالي الأمريكي بأنه يريد دعم الاقتصاد و يقر سياسة تخفيف كمي، فأثر ذلك سلبي على الدولار، كما و أنه إن رفع الثقة حال صدور القرار أو الإشارة له، إلا أنه قد يكون إثباتاً بأن الاقتصاد الأمريكي يعاني الأسوأ، و بذلك قد يبقى لمتداولين يفضّلون الذهب على المدى المتوسط لحمايتهم من مخاطر ضعف الاقتصاد و كذلك ضعف الدولار الذي قد تسببه سياسة التخفيف الكمي.
في حال لم يقم الفيدرالي بإرضاء المتداولين، و في حال لم نرى دعماً للاقتصاد الأمريكي، فقناعة المتداولين بضعف الاقتصاد الأمريكي قد تسبب حالة كبيرة من التشاؤم و تجعلهم يتجّهون للذهب على توقعات انخفاض أداء الاقتصاد الدولي عموماً، خصوصاً بعد أن أظهرت العديد من الجهات توقعات بانخفاض حاد في النمو في الاقتصاد الدولي، منها شركة سيتي جروب التي أشارت بأن الاقتصاد الدولي قد يحقق نمواً مقداره 3.1% هذه السنة، و هذا يعني أن الاقتصاد الدولي على حافة الركود، إذ أن نمواً أقل من 3.0% يعني ركود!
بجميع الحالات، ارتفاع سعر الذهب على المدى المتوسط متاح فعلاً، حيث أن الاقتصاد الدولي على ما يبدو يتباطأ بشكل واضح، و أزمة الديون الأوروبية و مشاكل الدين الأمريكي و تباطؤ الاقتصاديات العظمى الحاد، يجعل من الهام جداً أن يجد المتداولون لهم أداة تخفيض مخاطرة، و حفظ القدرة الشرائية، و كذلك كملاذ آمن، و كل هذا قد نجده في الذهب. إن الشيء الوحيد القادر على دفع الذهب لتغيير مساره كاملاً هو إثبات أن يكون الاقتصاد الدولي عاد للاستقرار، و حالياً قد يكون ذلك مستبعداً فعلاً. لكن نعيد للتأكيد، هذا اليوم نحن أمام تذبذب شديد جداً و حاد في الذهب و لا نستبعد هبوطاً في سعره وسط مزيج حركة الدولار و الثقة.