التحليل الأساسي للمعادن الثمينة
أفضل أداء للذهب منذ عام 1980
ارتفع سعر الذهب خلال جلسة يوم أمس ليضع أمامنا سعراً قياسياً جديداً، حيث لامس سعر الذهب مستوى 1607.45 دولار للأونصة قبل أن يرتد قليلاً و يغلق جلسة نيويورك عند مستوى 1605.10 دولار للأونصة، ليغلق على ارتفاع مقداره 0.69%. إن الارتفاع الذي شهده سعر الذهب استمر لـ 11 يوماً متتالياً دون توقّف يوم أمس، و بذلك حقق سعر الذهب أفضل أداء 11 يوم تداول منذ الثامن من شهر تموز عام 1980، أي أكثر من 31 عاماً مضت.
إن الارتفاع القوي الذي شهده سعر الذهب كان بتأثير التشاؤم الذي ساد الأسواق المالية، و هذا التشاؤم مصدره القلق من أزمة الديون السيادية الأوروبية، و كذلك مشكلة الدين الأمريكي. حيث نرى بأن مخاطر امتداد أزمة الديون الأوروبي إلى دول كبيرة في الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا و إسبانيا أمر وشيك، فيما يصعب السيطرة على هذه الأزمة في تلك الدول لكبر حجم اقتصادها، حيث تعتبر كل من إيطاليا و إسبانيا ثاني و ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، و قد يكون امتداد الأزمة لها صعب العلاج، و يرى المتداولون بأن إنقاذ اليونان و أيرلندا و البرتغال ليس كافياً، فما بال لو وقعت دول كبرى مثل إيطاليا و إسبانيا في مشكلة أزمة الديون السيادية!
من الولايات المتحدة، يقترب الموعد النهائي لقرار الموافقة أو رفض رفع سقف الدين العام الأمريكي، حيث أن الولايات المتحدة شهدت تهديداً من قبل وكالات التصنيف الائتماني و خدمات المستثمرين، على أن يتم تخفيض تصنيفها الائتماني لأول مرّة منذ عام 1917، حيث أن فشل صانعي القرار الأمريكي في التوصّل لقرار رفع سقف الدين، يعني أن الولايات المتحدة قد تعجز عن الوفاء بديونها، مما يدخلها أيضاً ضمن أزمة ديون سيادية.
هذه الحقائق في الولايات المتحدة و أوروبا تجاه الديون، يرافقها قلق من ضعف اقتصادي عام في الاقتصاد الدولي، حيث أظهر لنا فيض دفق البيانات الاقتصادية خلال الشهرين الماضيين بأن الاقتصاد الدولي دخل مرحلة واضحة من التباطؤ، و رغم تأكيدات برنانكيه بأن الاقتصاد الأمريكي قد يتحسّن بشكل جيد خلال النصف الثاني، و رغم إشارات تريشيه إلى أن الاتحاد الأوروبي ما زال يتقدّم في النمو، إلا أن هذه الدول تعاني من تباطؤ في الأداء بحسب ما ظهر من بيانات.
ارتفع سعر الفضة خلال جلسة يوم أمس في نيويورك مرافقاً لارتفاع سعر الذهب، حيث أغلق سعر الفضة عند مستوى 40.55 دولار للأونصة مكتسباً 3.26%. استفادت الفضة من تدفقات السيولة نحو أسواق المعادن الثمينة، و كانت الاستفادة مضاربياً في السعر السوقي، و كذلك طلبات تغطية مخاطر. حتى البلاتين، فقد ارتفع يوم أمس، و رغم أن الارتفاع كان قليلاً مقارنة في الذهب و الفضة، لكنه جيد و بلغ 0.57% عندما أغلق سعر البلاتين أمس عند مستوى 1771.00 دولار للأونصة.
تداولت مؤشرات الأسهم الأمريكية و الأوروبية أمس بسلبية، فانخفض مؤشر داوجونز الأمريكي خلال جلسة أمس بمقدار 0.76%، فيما أغلق كل من مؤشر فوتسي 100 البريطاني و داكس الألماني على انخفاض 1.55% لكل منهما. جلسة آسيا اليوم عكست أيضاً انخفاض الثقة في الأسواق المالية، فانخفضت معظم مؤشرات آسيا الرئيسية منها مؤشر شنغهاي الصيني المركّب الذي انخفض بأكثر من 0.75%، و كذلك انخفاض مؤشر نيكاي بأكثر من تلك النسبة المشار لها. المتداولون في حالة توتّر كبير، و يرون أن الاقتصاد الدولي يبدو ضعيفاً جداً.
ليست هذه فقط هي مشاكل الاقتصاد الدولي التي تتمثّل في ضعف الأداء و مشاكل الديون، بل هنالك مشكلة ارتفاع مستويات التضخم. فمستوى التضخم يتفجّر في العديد من الدول، الآسيوية منها خصوصاً، و هذا ما يجعل البنوك المركزية حول العالم في وضع صعب و لا يستطيعون دعم الاقتصاد من خلال السياسيات المالية و النقدية كما يجب، و بذلك، نرى بأن السلبية هذه على الاقتصاد الدولي تضع ضغطاً هائلاً على النمو. لكن بالنسبة للمعادن الثمينة، من الممكن وضع التضخم كسبب آخر لإيجابية تداولات المعادن، الذهب منها على وجه الخصوص.
نرى بأن سعر الذهب اليوم يتداول ببعض الارتفاع عن إغلاق جلسة نيويورك أمس، حيث يتداول سعر الذهب بارتفاع مقداره 0.02% حول مستوى 1605.40، وهذا المستوى قريب جداً من الأسعار القياسية له. بالنسبة لسعر البلاتين، فيتداول الآن أيضاً بإيجابية مستفيداً تدفّق السيولة إلى أسواق المعادن الثمينة، و كون البلاتين هو الأقل ارتفاع ضمن المعادن الثمينة الثلاث، نرى بأن السيولة اليوم اتجهت نحو البلاتين مضاربياً. يتداول البلاتين في هذه اللحظات على ارتفاع مقداره 0.45% حول سعر 1779.00 دولار للأونصة. هذه الأسعار كما هي في تمام الساعة 02:11 صباحاً بتوقيت نيويورك ( 06:11 صباحاً بتوقيت غرينتش ).
طالما بقيت حالة التشاؤم في الأسواق المالية سائدة، قد نرى الميل الصاعد مستمر لأسعار المعادن الثمينة، لكن ما يجب أن ننتبه له هو أن عمليات جني الأرباح المضاربية في حال بدأت، فقد يكون ذلك سبب لتذبذب حاد جداً و ربما موجات تصحيحية هابطة حادة، رغم عدم استبعاد أن يبقى الاتجاه العام صاعداً للمعادن الثمينة.