ديفد بيلينج من سيدني
لمدة 20 سنة استحقت أستراليا سمعتها على أنها ''البلد المحظوظ''، فهي البلد الوحيد بين البلدان المتقدمة التي لم يشهد ركوداً منذ 1991، لكنها استطاعت الصمود على نحو يدعو إلى الإعجاب في الأزمة المالية العالمية، وذلك بفضل نظام مالي متين وطفرة تعدين مصنوعة في الصين، عملت على شحن الاقتصاد بقوة ضخمة.
وإلى جانب الاحتياطيات الهائلة من الفحم الحجري وخام الحديد، لديها احتياطيها الهائل من الغاز الطبيعي الجاهز للإسالة والشحن إلى اليابان وكوريا الجنوبية المتعطشتين للطاقة. وهي مستمرة في التمتع بمستوى منخفض من الدين العام والتضخم، ومعدلٍ متدنٍ نسبياً من البطالة، حتى الآن على الأقل.
لكن هناك إضافة ملحقة بتعبير ''البلد المحظوظ''. هذا التعبير، الذي وضعه في 1964 الكاتب والناقد الاجتماعي دونالد هورن، كان ضمن عبارة أقل اتصافاً بالتفاؤل المنتعش: ''أستراليا بلد محظوظ، يديره أناس من الدرجة الثانية يتشاركون في حظها'' في انتخابات الشهر المقبل، التي سيختار فيها الناخبون بين اثنين من السياسيين المعتلِّين لإدارة شؤون البلاد خلال فترة من المياه الاقتصادية المضطربة، ستختبر تعبير هورن إلى نهايته القصوى.
كيفن راد، رئيس الوزراء الذي تراه أحياناً وأحياناً لا تراه، وتوني أبوت، رئيس الائتلاف الذي يقوده الحزب الليبرالي، كل منها معتلٌ بطريقته الخاصة. والشخص الذي يفوز منهما سيكون أمامه عمل يتطلب حذقاً ومهارة في إدارة التحول مما يصفه راد ''نهاية طفرة الموارد من الصين''.
يتمتع راد بذكاء وقّاد، وهو متحدث ذو نفوذ قوي ويمتلك فهماً جيداً للقوى التي تعمل على تشكيل أمة شريكها الرئيسي في الأمن هو الولايات المتحدة، لكن شريكها التجاري الرئيسي هو الصين. لكن بإمكانه أن يكون سياسياً رديئاً، مكروهاً من كثيرين من حزبه على تعسفه. حين أخرج جوليا جيلارد ليستعيد القيادة في المحاولة الثالثة في حزيران (يونيو)، رفض معظم أعضاء الوزارة الخدمة في ظله. كراهية أسلوب راد كانت السمة المميزة لحزب العمل الأسترالي منذ النجاح الكاسح الذي حققه في 2007، الذي وضع حداً لأحد عشر عاماً من هيمنة الائتلاف في ظل جون هوارد.
وفي 2010، بعد أن خسر دعم حزب العمال البرلماني الذي تهيمن عليه الاتحادات، أُطيح براد في مؤامرة سرية وحلت محله جيلارد، التي إن كانت أقرب إلى مودة الناس منه، لكنها أقل كفاءة.
وأدى الاقتتال الداخلي الشرس إلى أن تصبح حكومة حزب العمال الأسترالي مدمَّرة تماماً، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن تحصد منافع أكبر احتياطيات ضخمة من المواد المعدنية منذ 100 عام.
ثم يدخل أبوت إلى المشهد. من خلال حزبه الليبرالي، ومنصته الحذرة في المالية العامة، يثق الأستراليون الآن بأن يحكمهم هذا الحزب أكثر من غيره. لكن آبوت نفسه ليس موضع هذه الثقة. حصل في السابق على منحة رودس، وتدرب لفترة قصيرة ليصبح راهباً، وهو محافظ اجتماعي يتمتع بسمعة البلطجي.
وجهت إليه جيلارد انتقادات غاضبة وهاجمته بشدة بسبب آرائه بشأن المرأة والإجهاض وارتباطه بحملة ''التخلص من الساحرة'' ضدها. وقد حاول التخفيف من صورة الرجل القاسي.
لكنه ما زال يعاني للتخلص من سمعته التي يصفها الصحفي ديفد مار ''واحد من أكثر الناس الذين يستحسن عدم العبث معهم في السياسة الأسترالية''. وفقاً لأحدث استطلاع للرأي من ''نيوز بول'' فإن معدل شعبيته على المستوى الشخصي هو سالب 22، وهذا يضعه على مسافة 13 نقطة وراء راد، الذي تقع شعبيته في المنطقة السالبة كذلك.
هذا هو إذن الخيار المتاح أمام الناخبين: نرجسي مكروه في مقابل كاره للنساء لا يحبه الناس. وبالنظر إلى السجل المتباين لحزب العمال في الحكم، فلا بد أن الاحتمال هو أن الحزب الليبرالي القومي بزعامة آبوت، هو الذي سيسود، رغم أن حزب العمال أغلق الفجوة منذ عودة راد.
بصرف النظر عمن سيفوز، لن يكون الأمر سهلاً. تراجعت الأساسيات الاقتصادية بصورة حادة أكثر مما كان متوقعاً، وذلك بفضل الهبوط الشديد في أسعار السلع. اضطرت الحكومة في الأسبوع الماضي إلى إلغاء تقديراتها للميزانية التي تعود إلى ثلاثة أشهر ـ
حيث خفضت من توقعاتها للنمو للسنة المالية لتصبح 2.5 في المائة، وخفضت توقعاتها من الإيرادات لتصل إلى 33 مليار دولار أسترالي (29.7 مليار دولار). واستجاب بنك الاحتياطي الأسترالي بتخفيض أسعار الفائدة الأساسية إلى رقم قياسي منخفض عند 2.5 في المائة.
كان أداء الشرائح خارج قطاع الموارد في الاقتصاد رديئاً في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي دفعت فيه طفرة المعادن بالدولار الأسترالي إلى ما فوق مستوى التعادل مع الدولار. وأدى هذا، إلى جانب الأجور العالية، إلى إفلاس بعض شركات التصنيع بسبب ارتفاع أسعارها. كما أن شركة فورد تنسحب الآن. ويعاني أيضاً قطاع الخدمات، الذي يشكل ثلاثة أرباع الناتج. وشعر السياح والطلاب الأجانب بالتثبيط بسبب الأسعار العالية.
سيحدث انقلاب في بعض هذه الآثار في الوقت الذي تضعف فيه العملة، محققة ما يصفه جلين ستيفنز، محافظ البنك المركزي، بأنه ''الدور الطبيعي للبنك باعتباره واقياً من الصدمات''. تراجعت العملة حتى الآن بنسبة 15 في المائة منذ بداية نيسان (أبريل). لكن من غير الواضح إن كان هذا سيكون كافياً. من الأسهل إغلاق مصنع بدلاً من افتتاح مصنع جديد.
صحيح أن صادرات السلع، خصوصاً الغاز، ستستمر في الصعود في الوقت الذي يدخل فيه الإنتاج الجديد إلى حيز التنفيذ. لكن الاستثمار في الموارد، الذي يبلغ 8 في المائة من الناتج مقابل متوسط على مدى 50 سنة بنسبة 2 في المائة، سيتراجع بصورة حادة. والمستهلكون الذين اقترضوا فوق طاقتهم لن يتقبلوا هذا التراجع بسهولة. من الممكن أن تكون أستراليا في أصعب وضع اقتصادي منذ جيل.
بصرف النظر عمن سيفوز في الشهر المقبل، هناك احتمال ألا يجد في متناول يده سوى أدوات فجة للتصدي لما يعتبر تحولاً اقتصادياً هيكلياً. بعد مرور 20 سنة، كنا نظن أن السياسيين استعدوا لهذا اليوم بصورة أفضل مما هم عليه. كانت هناك أحاديث متقطعة حول إنشاء ''صندوق أبيض لليوم الأسود''، أو إنشاء صندوق ثروة سيادي من الثروة التي هبطت على أستراليا من المعادن. من هذا الباب تعتبر ''الضريبة الفائقة'' التي فرضها راد إجراء سليماً، رغم أنه جاء بعد فوات الأوان وتم تنفيذه بطريقة سيئة.
هذا يجعل أستراليا معرّضة أكثر من قبل لركود اقتصادي لا لزوم له. مع تراجع النمو، لا بد أن تأمل أستراليا في أنَّ تَراجع الدولار سيحقق النتائج المرجوة من خلال نفخ روح جديدة في أجزاء أخرى من الاقتصاد. حين نقارن أستراليا بزميلاتها من البلدان المتقدمة الأخرى، نجد أنها تتمتع بنعمة لا يستهان بها. لكن رئيس الوزراء القادم عليه أن يرجو عدم نفاد حظه، حتى الآن.