حمل محافظ البنك المركزي الانجليزي ميرفين كينج بعض من الأخبار السارة النادرة للاقتصاد البريطاني يوم الأربعاء عندما قدم مجموعته الأخيرة من التوقعات الاقتصادية قبل تنحيه بعد أكثر من 20 عاماً قضاها في البنك.
ولأول مرة منذ أعوام، توقع البنك المركزي أن يكون النمو أسرع والتضخم أقل من المتوقع قبل ثلاثة أشهر، إلا أن كينج لازال يحذر أن التعافي الاقتصاد ليس أمراً مُسلم به.
وأبلغ كينج الصحفيين "توقعات اليوم هي أن يكون النمو أقوى قليلاً والتضخم أضعف قليلاً عما توقعناه قبل ثلاثة أشهر. وتلك هي أول مرة اقول فيها ذلك منذ اندلاع الأزمة المالية".
"لكن ليس هناك مجالاً للتساهل ولابد أن نواصل الجهود لضمان تعافي الاقتصاد ولخفض البطالة".
وارتفع الاسترليني مقابل الدولار بعد تلك التوقعات. وامتدت خسائر أسعار السندات الحكومية البريطانية.
واعتاد كينج تقديم هذا التقرير الفصلي للتضخم كل ثلاثة أشهر منذ بداية 1993، في البداية ككبير الاقتصاديين بالمركزي الانجليزي ومنذ 2003 كمحافظ للبنك.
وخلال ستة أسابيع فقط سيسلم كينج منصبه لمارك كارني، الذي اختاره وزير المالية جورج أوزبورن من البنك المركزي الكندي على أمل أن يأتي بفكر جديد حول كيفية إنعاش التعافي الضعيف لبريطانيا.
وقال كينج، أحد مشجعي فريق كرة القدم أستون فيلا الذي نجا بالكاد من الهبوط للدرجة الثانية، "نحن لدينا لاعبين شباب جيدين جداً وأعتقد أنه مع قيادة مناسبة يمكننا التطلع لموسم ناجح تماماً في المستقبل".
ولكنه ظل حذراً حول ما يُنظر إليه على نطاق واسع بالأفكار الكبيرة لكارني—التي تتمثل في تعهدات طويلة الأجل ببقاء أسعار الفائدة منخفضة، مادامت تبقى مؤشرات اقتصادية معينة، لم تتحدد بعد، في نطاق معين.
وكان قد طلب أوزبورن من كارني أن يرفع تقريراً بشأن ذلك عندما يقدم تقريره الأول للتضخم في أغسطس. وقال كينج أن القرار يرجع للبنك المركزي وليس للحكومة.
وبشكل عام، قال كينج أن السياسة النقدية التيسيرية لن تكون وحدها علاجاً لكل المشكلات الاقتصادية التي تعيشها بريطانيا. وأنه حتى برنامج "التمويل من أجل الإقراض"، الذي أطلقه كينج وأوزبورن العام الماضي ووسعوا نطاقه الشهر الماضي، سيكون مساعدة متواضعة وليس مغيراً بشكل حاسم للأوضاع.
وقال "السياسة النقدية وحدها....لا يمكنها حل كل مشكلاتنا. هناك حدود لما يمكننا تحقيقه من خلال التحفيز النقدي العام—في أي شكل".
لا مزيد من التيسير الكمي؟
في الأشهر الأخيرة، دعا كينج لإستئناف مشتريات السندات الحكومية التي تبلغ حالياً 375 مليار استرليني والتي كانت حجر الزاوية لسياسة المركزي الانجليزي بين مارس 2009 وأكتوبر 2012، على الرغم أن أغلبية صانعي السياسة بالبنك عارضوا ذلك.
ولكنه لم يشر إلى مزيد من شراء السندات، أو التيسير الكمي، يوم الأربعاء ومن غير الواضح إن كان قد صوت ضد ذلك في اجتماع أوائل هذا الشهر.
وقال الخبراء "التيسير الكمي كان لافتاً في غيابه...وهذا يوضح لنا كيف تتطور نقاش السياسة النقدية في الأشهر القليلة الماضية".
ووصف تقرير التضخم موقف السياسة النقدية للمركزي الانجليزي "بالتحفيزي للغاية" وقال أن الاقتصاد "محتمل أن يشهد تعافي متواضع ومستدام على مدى الأعوام الثلاثة القادمة". وكان هذا تحديثاً صغيراً من تقييم فبراير الذي رأى التعافي محتملاً أن يكون "بطيء لكن مستدام".
وقد نما الاقتصاد البريطاني بنسبة 0,3% في أول ثلاثة أشهر من 2013، متفادياً ركود جديد. ويتوقع المركزي الانجليز ي نمواً نسبته 0,5% في الربع الثاني على أن يرتفع إلى معدل سنوي 2% خلال عامين.
وحمل البنك المركزي أيضا أخباراً أفضل حول التضخم، على نقيض ما قاله قبل ثلاثة أشهر عندما صدم الأسواق بتوقع أن الأمر سيستغرق حتى أوائل 2016 قبل أن يهبط نمو الأسعار دون المستهدف 2%.
وترجح التوقعات الأن أن يهبط التضخم إلى 2% خلال عامين من المستوى الحالي 2,8%.
ويذكر أن ارتفاع الاسترليني وانخفاض أسعار النفط ساعدا في تخفيف ضغوط الأسعار في الأسابيع الأخيرة.
ما عليك سوى مشاهدة مارك كارني لدقيقة لكي تعرف أنه سيأتي بتغيير في أسلوب منصب محافظ بنك إنجلترا. ففي ظهوره العام الأول منذ أن أعلن عن انتقاله إلى لندن، حيث سنحت الفرصة لالتقاط صورة في دار سك العملات الملكية الكندية، ظهر في هيئة مختلفة للغاية عن سير ميرفن كينج ذي الوجه المستدير الذي يبدو ذكيا وجادا ويضع نظارة ويشبه الأساتذة.
كان كارني الذي ارتدى على نحو أنيق بدلة زرقاء غامقة وربطة عنق زرقاء ساطعة بدرجة متوسطة، واثقا ومرتاحا أمام الكاميرات، حتى إنه مازح المصورين ببساطة بشأن بعض العملات الذهبية النادرة من خزائن بنك كندا، التي كانت دار السك تعرضها للبيع: ''تذكر 16 آذار (مارس)، هذا يوم ميلادي، بإمكانك أن تعطيها لي في ذلك الشهر''.
في الحقيقة، لقد بدا سياسيا أكثر منه مصرفيا. والسياسي هو ما كان سيكونه، إذا كان قد قبل مبادرات من الحزب الليبرالي المعارض، المنتمي إلى الوسط، العام الماضي ليكون زعيمه.
وبينما يضعه الانتقال إلى لندن على مسار مهني في اتجاه مختلف، فإن هذا يعد رحيلا بدرجة أقل مما قد يبدو. وسيظل دخول مجال السياسة الكندية خيارا مطروحا أمامه، وفي بريطانيا سيكون عليه أن يكون مثل السياسيين بقدر ما، أيضا. وسيكون جزءا من وظيفته طمأنة الإنجليز أن استراتيجية اقتصادية لا تحظى بشعبية إلى حد كبير تسير في المسار الصحيح.
وعلى الرغم من أن سمعة كارني في بنك كندا تعتمد إلى حد كبير على تفوق كندا في أدائها الاقتصادي، مقارنة بالنظم الاقتصادية المتقدمة الكبيرة الأخرى، فإن المقارنات بين سجله وسجل سير ميرفن، أو بن برنانكي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، ليست عادلة تماما.
فقد كانت إدارة الأزمة أسهل في كندا، التي توجد فيها مصارف أقل نسبيا. وهي على أي حال سبقت كارني الذي أصبح محافظا عام 2008. وقد استفاد الاقتصاد أيضا من الانتعاش الذي حدث في أسعار السلع منذ عام 2009.
ويقول باول أشوورث، من كابيتال إيكونميكس: ''لقد وجهت إليه ضربة جيدة حقا، لكنه واجهها بطريقة جيدة أيضا، والسبب الذي جعله يفوز هو الكروت التي تشارك بها''.
وهناك أيضا أسئلة تتعلق بإرث كارني. فأسعار الفائدة المنخفضة التي ساعدت على استمرار كندا في النمو أوجدت ازدهارا مقلقا في أسعار المساكن والدين الاستهلاكي. ويقول كريج أليكساندر، من مصرف تي دي: ''سيكون ذلك صعبا للغاية أن يتم جعل الكنديين يتوقفون عن تناول مخدر أسعار الفائدة المنخفضة''.
وسيواجه خليفة كارني المهمة الصعبة المتمثلة في رفع أسعار الفائدة مرة أخرى نحو مستويات طبيعية أكثر، بينما تؤيد العائلات مستويات للدين تتناسب مع دخلها الذي يطابق القمم التي تمت رؤيتها في بريطانيا والولايات المتحدة قبل الانهيار. وهذا يدفع بعض المنتقدين لأن يتساءلوا عما إذا كان المحافظ قد غادر في الوقت الصحيح تماما.
ومع ذلك، يشير المؤيدون لإسهامات مهمة قام بها، تشمل سرعة استجابته في الوقت الذي كانت فيه الأزمة تزداد عمقا، والعلاقات القوية مع رؤساء المصارف في كندا، الذين عززوا الثقة في الوقت الذي كان فيه النظام المالي العالمي يترنح.
ويسرف هانك بولسون، الذي عمل مع كارني خلال الأزمة وزيرا للخزانة في الولايات المتحدة وكان رئيسه في جولدمان ساكس، في مديحه: ''إنه واضح للغاية. وجيد للغاية في التقريب بين الناس وصياغة توافق، وأخذ المسائل الصعبة وجعلها سهلة، بدلا من أخذ مسائل سهلة وجعلها صعبة مثلما يفعل أشخاص كثيرون جدا''.
وبالنسبة لكثير من الكنديين، الخاصية التي جعلت من كارني ذلك المخلوق النادر، والمصرفي المركزي الأشبه بـ ''نجوم الروك''، هو المجهود الذي بذله لتوضيح رسالته للناس الذين كانوا بخلاف ذلك سيتجاهلونها أو سيكونون عدائيين. ففي آب (أغسطس)، مثلا، أصبح أول محافظ في بنك كندا يتناول قضية اتحاد عمال السيارات الكنديين. وكان أيضا متعاطفا مع المخاوف العامة بشأن عدم المساواة الاقتصادية، واصفا حركة ''الاحتلال'' بأنها ''بناءة تماما''.
ويصيغ جنيفر جيفس، رئيس المجلس الدولي الكندي، وهو مؤسسة فكرية، الأمر على هذا النحو: ''إنه لا يتحدث كاقتصادي. إنه يتحدث كإنسان''.
ويشير إيفان سولمون، الكاتب والمذيع الكندي، إلى أن مهارات الاتصال تلك قد تكون أكبر المهارات المفيدة التي رآها جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني، في كارني، لاستعادة الثقة ليس فقط بالسياسة النقدية، التي ستكون مسؤولية المحافظ المباشرة، ولكن في استراتيجية المملكة المتحدة الاقتصادية ككل.
ويقول سولمون: ''تحتاج الإدارة لشخص يمكنه التحدث إلى الناس. الناس لن يثقوا به فقط، ولكنهم سيشعرون أنه إنسان''.
لكن ثقل التوقعات قد يجعل مهمته أصعب في بريطانيا، حيث يواجه ظروفا مالية واقتصادية أصعب من كندا. وبوصفه دخيلا على بنك إنجلترا، سيكون قدومه إلى المؤسسة التي دائما ما كانت تتعرض إلى متاعب تحت إدارة سير ميرفن، الامتحان الأقسى لقدراته الإدارية. لكن إذا كان محظوظا سيكون بإمكانه العودة للوطن باعتباره الرجل الذي أنقذ الاقتصاد البريطاني.
وكان أحد متطلباته بالنسبة لهذه الوظيفة أن يكون العقد لمدة خمس سنوات فقط، بدلا من فترة الثمانية أعوام المعتادة التي يقضيها محافظ بنك إنجلترا. وبما أنه سيكون في ذلك الحين في الـ 53 من عمره، سيكون ما زال صغيرا بما فيه الكفاية ليشغل وظيفة سياسية.
وقد يمنحه مصير مايكل ايجناتييف، الزعيم السابق للحزب الليبرالي الذي كان كاتبا ومذيعا ناجحا في بريطانيا، لكنه قاد حزبه للهزيمة في انتخابات عام 2011، لحظة تمهل وإن كان يملك سجل إنجازات أكثر رسوخا في الوطن.
ومهما كانت الطموحات التي قد يفكر فيها، فسيكون بحاجة للنجاح في بنك إنجلترا أولا. ويقول أندريو كوهين، المحاضر في مجال الشؤون الدولية في جامعة كارلتون في أوتاوا: ''إذا لم يسر الأمر على ما يرام في بريطانيا، فسيتم استغلال ذلك من قبل خصومه لإيذائه''.
''نحن الكنديون نحب الأشخاص الذين ينجحون على الساحة الدولية. لكن إذا ساءت الأمور، فنحن أيضا لدينا متلازمة الخشخاش طويل القامة، والأشخاص قد يفقدون مكانتهم''.
كارني رب الأسرة
يعيش كارني مع زوجته وبناته الأربع في حي روككليف بارك، وهي منطقة هادئة في ضواحي أوتاوا يوجد فيها مقر رئيس الوزراء.
وتقول مارلين ويلسون، وهي وكيلة عقار تعيش في المنطقة: ''يعتقد الناس أنه مجتمع ثري ومتكبر للغاية، لكنه على النقيض من ذلك''.
وتوجد منازل قليلة براقة بشكل خاص، لكن منزل كارني واحد من المنازل الأكثر تواضعا ـ تقدر قيمته بـ 1.3 مليون دولار كندي (817000 جنيه استرليني).
وتدرس بناته الأربع في مدرسة حكومية محلية، ويمكن رؤيته وهو يلعب التنس في مركز اجتماعي محلي، أو في الخارج للركض. وهو وزوجته، ديانا، عضوان نشطان في ''هوسرز'': متطوعون يخرجون ليلا في الشتاء لرش المياه على حلبة التزلج المحلية، بحيث تتجمد ليتزلج عليها الأطفال.
وبدأت الصحف البريطانية بالفعل تهتم بالسيدة كارني، وتسلط الضوء على اهتمامها بالمنتجات الصديقة للبيئة، والمخاوف المتعلقة بعدم المساواة الاقتصادية، والتغير المناخي.