هل تندمج أسواق المال في مصر والسعودية والامارات ضمن سوق عربي موحد
تترقب أوساط مالية، الإعلان المرتقب لإدراج إصدارات مصرية في بورصة ناسداك دبي، حيث لم يكشف حامد علي الرئيس التنفيذي لبورصة ناسداك دبي المزيد من التفاصيل بشأن هذا الإعلان المرتقب، بيد أن هذه التلميحات مهدت الأرضية لبلورة اتجاه في أوساط الخبراء والمحللين، يدعو إلى جعل بورصة ناسداك قاعدة انطلاق لبروز أكبر سوق مالية عربية على الإطلاق، من خلال تسريع وتيرة دمج أسواق المال في كل من مصر-و-السعودية-والإماراتالإمارات والسعودية ومصر، وتمثل هذه الدول الثلاث أكبر الاقتصاديات على الإطلاق في المنطقة العربية.
وفي البداية، كشف حامد علي الرئيس التنفيذي لبورصة ناسداك دبي، خلال مؤتمر صحافي، جري عقده مؤخراً، عن أنه سوف يتم الإعلان قريباً عن أمر يتعلق بالتعاون بين البورصة ومصر، ولكنه لم يحدد بشكل جلي ماهية هذا الأمر، مكتفياً بتأكيده على أهمية تعزيز علاقات الشراكة بين مصر والبورصة.
موضحاً أن هذه الشراكة سوف تكون مثمرة ومفيدة للجانبين، بحيث يكمل كل طرف الآخر، حيث بمقدور بورصة ناسداك دبي تقديم خيارات متنوعة للشركات المصرية، فضلاً عن توفير خيارات متعددة للمستثمرين الذين يرغبون في الاستثمار في الأوراق المالية للشركات المصرية.
وقال حامد علي إن بورصة ناسداك دبي تنظر إلى مصر كخيار استراتيجي جيد، كما تعد البورصة خياراً استراتيجياً جيداً بشكل كبير بالنسبة للشركات المصرية، وأوضح أن ما يمكن للبورصة أن تقدمه للشركات المصرية هو تقديم منصة عالية الجودة لإدراجاتها وإصداراتها، بما يسمح للمستثمرين الدوليين الاستثمار في الأوراق المالية للشركات المصرية، مشيراً إلى أن لدى مصر عدداً من الشركات التي تتمتع بوضع صحي جيد، معرباً عن أمله في رؤية تحسن الأوضاع في مصر.
وجاءت تصريحات حامد علي، في سياق تأكيدات صادرة عن مسؤولين في سلطة مركز دبي المالي العالمي، تشير بشكل جلي وواضح إلى أن المركز صار يمثل أفضل منصة تمويلية للمشروعات الضخمة، بالنظر إلى احتضانه مجموعة من كبريات المصارف والمؤسسات المالية المحلية والإقليمية والدولية. والتي لديها معرفة قوية بما يدور على أرض الواقع في المنطقة، ولديها في الوقت ذاته موازنات مالية، تعد الأضخم على الصعيد العالمي، وبالتالي فإن هذه المؤسسات قادرة على تقديم أفضل العروض السعرية في مجال تنفيذ المشروعات العملاقة.
وفي هذا السياق، قدر جيف سنفر الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي بأن المنطقة سوف تحتاج إلى حوالي 4 تريليونات دولار لتمويل المشروعات المقبلة لتمويل مشروعاتها، وهو ما سوف يعزز من إمكانية مركز دبي المالي على مضاعفة حجم أعماله، وشرح أهمية تصاعد الاحتجاجات التمويلية لدول المنطقة بالنسية لتعزيز إمكانيات ازدهار حجم أعمال مركز دبي المالي بقوله :
« ستنفق الأربعة تريليونات دولار على المشروعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا مبلغ ضخم للغاية. ويوجهني حدسي أنه ربما تستحوذ المملكة السعودية على الحصة الأكبر من هذا التمويل، ولكن ستكون هناك الكثير من مشروعات البنى التحتية في قطر والأردن واليمن وعمان والإمارات العربية المتحدة أيضاً. وسيكون هناك احتياج إلى تمويل خارجي» .
وتابع سنغر بقوله : « أعتقد أن مركز دبي المالي العالمي سيلعب دوراً كبيراً من خلال المصارف التي تتواجد فيه، نظراً لما يوفره من بنى تحتية تشريعية ومادية، من شأنها أن تسهم في تسهيل إنجاز هذه الصفقات، ومن المتوقع أن يذهب جزء كبير من هذه الأموال إلى تمويل التجارة، ولذلك، فإن دبي ستجني الكثير من المزايا.
كما سوف يحفز هذا التمويل الكثير من المصارف والمؤسسات المالية على التواجد في مركز دبي المالي العالمي. فنحن ننمو من خلال الشركات التي تتخذ من المركز مقراً لها: فهم يدفعون لنا قيمة الإيجار، ونحن نستخدمها لخلق مزيد من الاستثمارات في مركز دبي المالي العالمي».
وعلى أرضية هذه التوجهات والرؤى الاستراتيجية بشأن الدور الرئيسي الذي تلعبه إمارة دبي في خدمة التطور الاقتصادي الإقليمي، يتساءل خبراء ومحللون ماليون عن أسباب عدم نشوء اندماج بين الأسواق المالية في كل من الإمارات والسعودية ومصر، واعتبروا بأن نجاح الدمج بين هذه الأسواق الثلاثة سوف يؤدي إلى إقامة أكبر سوق مالية عربية، تحقق فوائد ومكاسب جمة لكافة الأطراف المشاركة فيها.
وفي هذا السياق، قال طارق الرفاعي العضو المنتدب ومدير إدارة العملاء في الشرق الأوسط وأفريقيا لدى بنك «بي إن بي واي ميلون» إن دبي تمتلك مؤهلات وإمكانيات، تؤهلها لأن تكون بمثابة قاعدة ارتكاز اندماج أسواق المال في كل من الإمارات والسعودية ومصر، نظراً لما يتوافر لديها من مناخ أعمال مواتٍ، وقوانين وأطر تنظيمية ملائمة، ومحفزات جاذبة لتدفقات رؤوس الأموال.
وقدر الرفاعي بأنه من غير المتوقع أن يشهد المدى القريب، إنجاز عملية الدمج بين أسواق المال الإماراتية والسعودية والمصرية، حيث تعكف كل واحدة من هذه الأسواق، على تطوير آلياتها وأدواتها، كما تحتاج عملية الدمج أسواق المال لدى دول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام إلى فترة زمنية طويلة، بالنظر إلى أن المنطقة تجتاز مرحلة مليئة بالتحديات والأوضاع الصعبة، على صعد ومجالات مختلفة. وهو ما يجعل من غير المتوقع حدوث دمج فيما بين هذه الأسواق على المدى القريب. ورداً على سؤال بشأن المعوقات التي تعترض عملية دمج الأسواق المالية في كل من الإمارات والسعودية ومصر، أجاب الرفاعي بقوله : « تتماثل هذه العقبات، مع العقبات التي اعترضت عملية دمج أسواق المال في مناطق عديدة في العالم، على غرار حال العقبات التي واجهت بروز كيان الاتحاد الأوروبي.
حيث تواجه أية عملية دمج أسواق مالية في منطقة بعينها، عقبات تتعلق بالمسائل القانونية، وتباين أجندة الأولويات والأهداف، وصعوبة الوصول إلى أطر تنظيمية تجمع الأسواق المالية في أكثر من دولة مع بعضها البعض».
وفي السياق ذاته، اعتبر شايليش داش المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الماسة كابيتال أن الوقت مناسب تماماً لصقل وتعزيز العلاقات بين الأسواق الثلاثة، موضحاً أن السوق المصرية توفّر فرصاً استثمارية مثيرة للاهتمام في قطاعات تشهد نسبة نمو مساوية لتلك التي تشهدها الإمارات ومنها مثلاً قطاعات البناء والتعليم والرعاية الصحية وغيرها.
وأشار إلى أن الاستثمارات والتخصيصات الرأسمالية الذكية تخفّف من حدة المشاكل الاقتصادية في مصر، فمن شأن الجمع بين الفرص الاستثمارية والحاجة إلى تحسين الخدمات، وتحقيق الاستقرار المالي في مصر، أن يخلق وضعاً يحقق فوائد جمة لهذه الدول، بحيث تتحسّن مستويات حياة شعوبها.
وتوقع شايليش أن تشهد علاقات التعاون بين مصر والإمارات المزيد من التدفقات التجارية المتبادلة، من خلال اتفاقيات تجارية، وربط أسواق البورصة في البلدين بزيادة الشركات الخارجية المدرجة، وتنفيذ عمليات دمج واستحواذ في قطاعات، من شأنها أن تسهم في تحسين المستويات المعيشية (التعليم والرعاية الصحية وغيرهما).
وقدّر كريم ناصيف المدير الشريك في « وكالة ستاندرد آند بورز » أن الدمج بين أسواق المال في كل من الإمارات والسعودية ومصر، يمثل خياراً قابلاً للتحقق. مؤكداً على أن ما يجب أن تفعله أسواق الأسهم في هذه الدول، هو أن تبرهن على قدرتها على تحقيق مزايا وفوائد لهذه الدول، مشيراً إلى أن السؤال الجوهري المطروح يتعلق بما يمكن أن تقدمه هذه الأسواق من مزايا، تعجز عن تقديمها أسواق الأسهم في مناطق أخرى من العالم، وأوضح أن المزايا التنافسية تتفاوت بين مختلف مراكز المال في العالم.
وأوضح ناصيف أن دمج أسواق المال في كل من الإمارات مصر والسعودية سوف يسهم في تعميق هذه الأسواق، ويقود إلى زيادة أعداد الإصدارات المدرجة. مشيراً إلى أن التحدي الرئيسي يكمن في كيفية منافسة المراكز الأخرى التي تقوم بتأدية نفس الوظائف والأدوار، ولكن بالتأكيد فإن توافر المزيد من الشركات مدرجة في اسواق الأسهم لهذه الدول، فإن هذا يمثل مؤشراً إيجابياً، لأنه يمكن أن يؤدي إلى خلق المزيد من العمق والصفقات، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى خلق مستويات أفضل للأسعار، فضلاً عن تحسين ممارسات الإفصاح والشفافية، وبالتأكيد فإن الدمج يمكن أن يشكل عاملاً إيجابياً.
وأعرب ناصيف عن اعتقاده بأن إمارة دبي تمتلك القدرات التي تؤهلها لأن تكون قاعدة ارتكاز لهذا التكتل المالي، مشيراً إلى أن بورصة ناسداك دبي بصدد أن تشغل المرتبة الثانية عالمياً في حجم إصدارات الصكوك، بعدما برهنت على قدرتها المتميزة بأن تكون منصة كفوءة وفعالة لإصدارات الصكوك، بالنظر إلى تمتعها بميزة كفاءة إطارها التنظيمي، والكفاءة في سرعة إدراج إصدارات الصكوك، والتكلفة التنافسية التي تمثل عاملاً مهماً في تحديد اختيار الشركات لمنصات إدراج إصدارتها من الصكوك والسندات.
واستدرك في حديثه بقوله : “إذا ما ألقينا نظرة على عناصر البنية التحتية لأسواق المال في هذه الدول الثلاث، وذلك بشكل كلي وعام، هناك بالفعل مبادرات تهدف إلى دمج أسواق المال بين دول المنطقة ككل.
وربما يكون الأكثر إثارة للاهتمام، هو الجانب من هذه المبادرات المتصل بدول مجلس التعاون الخليجي، بل هناك أفكار تتعلق بربط أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي، مع سوق المال المصري، ويبرز في هذا الخصوص، الأفكار المطروحة بين تعميق التعاون بين البورصتين المصرية والكويتية، وهو ما يبين بجلاء نماذج تظهر كيفية توثيق التعاون بين أسواق المال على صعيد دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
دعا كريم ناصيف المدير الشريك في « وكالة ستاندرد آند بورز » إلى اعادة هندسة الأدوار التمويلية لصناديق التقاعد في كل من الإمارات والسعودية ومصر، مشيراً إلى أن هناك دوراً غائباً لهذه الصناديق في تقديم الحلول التمويلية الطويلة الأجل للمشروعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مدللاً على ذلك بأن صناديق التقاعد السعودية تميل نحو الاستثمار في أسواق الأسهم المحلية السعودية.
وأوضح ناصيف أن هناك ثمة حاجة تبرز الحاجة لبروز صناديق استثمارية أو صناديق تقاعد، تمتلك دائرة عمليات تتجاوز أسواقها المحلية، لتمتد إلى الأسواق الأخرى في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك بهدف تلبية الاحتياجات التمويلية المتزايدة لدول المنطقة، مشيراً إلى أن المصارف تقوم في الوقت الحالي، بجزء من هذا الدور، رغم أن إسهامها في هذا المجال، مازال يفتقر إلى تطوير القدرات المؤسسية اللازمة.
وقال ناصيف إن شركات التأمين في دول مجلس التعاون لا تميل إلى توظيف فوائضها المالية الضخمة في أسواق الدين (السندات والصكوك)، وتفضل عوضاً عن ذلك، استثمار هذه الفوائض في أسواق الأسهم.
ودعا إلى تضافر جهود دول منطقة الشرق الأوسط بغرض تأسيس منصة قادرة على توفير حلول تمويلية طويلة الأجل لتمويل المشروعات، مؤكدا أن بورصة ناسداك دبي قادرة وبشكل مطلق على القيام بهذا الدور.
=======================================
منقول