فقاعة عقارية مدمرة تدق أبواب مصر
مخاطر الفقاعة العقارية التي تواجه مصر
علي مر العصور كان للعقار مكانة نفيسة جداً في ذهن ونفسية المصريين.
فهو يعبر بالنسبة لهم عامة المكان الآمن الذي يحتمون فيه .
كما يمتاز العقار بتضخم سعره بإستمرار .
و الإستثمار فيه لا يتطلب الخبرة التي تتطلبها المشروعات الإستثمارية الأخري بأعتباره وعاء إدخاري محدود المخاطر.
ممايسهل عليه الإحتفاظ بمكانته القيمية مقارنةً بلأوعية الإدخارية الأخري.
كالذهب والعملات الأجنبية كالدولار ، و يتأثر هذين الوعائين بحركة الاقتصاد العالمي ، وهذا ما يجعلهما في حالة تذبذب مستمر .
كما أن القطاع العقاري لا يتأثر بالأوضاع السياسية ، بل أن الإضطرابات السياسية الحالية في مصر ساهمت في تعزيز نموه .
علي الرغم من إنخفاض اجمالي الإستثمارات العقارية بعد ثورة يناير
ولكن عام 2015 حدثت طفرة عقارية أدت لتحقيق الشركات العقارية والمستثمرين بها لأرباح هائلة .
الأمر الذي دفع كميات ضخمة من رؤس الأموال للتوجه إلي الإستثمارفي القطاع العقاري المصري .
مما أدي لإرتفاع حجم الطلب العقاري بهدف الإستثمار ليصل لمستويات قياسية التي قدرها بعض المطورين ب %60 من إجمالي حجم الطلب العقاري المصري .
ماذا يقصد بالفقاعة العقارية ؟
الفقاعة مصطلح إقتصادي شائع يتم توظيفه في سياق القطاع العقاري المصري ، ومحتمل اللجوء اليه بكثرة في الفترة القادمة .
حيث يعني اقتصاد الفقاعة أو اقتصاد البالونة إرتفاع الطلب بشكل عام علي أصل من الأصول .
يتبعه ارتفاع في الأسعار بهدف جعل إنتباه المستثمرين يتجه لنشاط سوق هذا الأصل .
ويبدأ المستثمرون في تمويل هذه الأصول ، ويتم الإعتماد علي الإقتراض من البنوك لتغطية هذا التمويل .
بعد ذلك تستمر قيمة هذا الأصل في الإرتفاع لتغري المزيد من المستثمرين في امتلاكه.
حتي تصل الأرباح لدرجة أسطورية ولكنها لاتكفي لتغطية الطلب الحقيقي ، حيث أن كل هذا الإرتفاع كان نتيجة طلباً مصطنعاً .
وفي تلك اللحظة تبدأ الفقاعة العقارية في التكوين .
ليبدأ سوق هذا الأصل في الركود مما ينبأ ببداية كارثة علي وشك الوقوع بإقتراب مواعيد سداد أقساط البنوك والمستثمرين في مما يدفعها للبيع بأسعار منخفضة.
حتي لا تتعثر في دفع التزاماتها يدفعها لإعلان إفلاسها .
وهنا ينعكس الوضع حيث تبدأ موجة جماعية من البيع مما يؤدي لإزدياد العرض عن الطلب الذي سبق وتأثر بإرتفاع الأسعار المبالغ فيها .
و تبدأ فقاعة هذا الأصل بالإنفجار مؤديةً لإنخفاض سعره بدرجة كبيرة قد تجاوز %50 من سعره السوقي ، وفي نفس الوقت لا يوجد طلب حقيقي يغطي هذا الإنخفاض في الأسعار.
ومن هنا تحدث الأزمة التي تؤدي لنهيار قطاع هذا الأصل .
بالتالي يتعثر المستثمرون في سداد التزاماتهم للبنوك ، والبنوك أيضاً تتأثر سلبياً لهذا التغير ، ليدخل الإقتصاد الكلي في أزمة كارثية تزداد حدتها بقدر حجم تمويل ذلك الأصل .
قد نتجت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 من فوهة فقاعة عقارية بدأت التبلور منذ عام 2004 لتنفجر في عام 2007 لتؤثر سلباً علي البنوك والأسواق المالية .
تهيئة الفقاعة
وقد كانت بداية العام الماضي 2016 نقطة تحولللقطاع العقاري المصري.
حيث إندفعت فئات كبيرة من الأفراد لمتلاك العقار بهدف الإستثمار .
هروباً من معدلات التضخم المتزايدة .
ولقدرة العقار علي الإحتفاظ بقيمته حيث شهدت قيمه الجنيه المصري تراجعا كبيراً أمام الدولار ولاسيما بعد التعويم الكامل .
وتسابقت الشركات العقارية علي إمتلاك الأراضي والشروع ببنائها .
وظهرت في الصورة أيضاً شركات إمراتية وسعودية تروج للوحدات السكنية وتقدم تسهيلات تتمثل في بيع الوحدات بأقساط علي مدار سنوات وبدون مقدم أحياناً .
وذلك لتستفيد أقصي استفادة من الأراضي التي تطرحها وزارة الإسكان .
وبناءً علي ذلك نشط التمويل العقاري إال حد كبير لم يصل إليه سابقاً نتيجة لتوجه الحكومة المصرية لزيادة عدد الوحدات السكنيه المتوسطة .
وبما أن وزارة الإسكان تطرح الأراضي بنظام المزايدة .
و نتيجة لإزدياد المضاربة عليها ترتفع أسعارها ، ويتم تميل هذه الزيادة علي المستهلك النهائي الذي ربما يقبل عليها بهدف الإستثمار أيضاً، وأدي ذلك لرتفاع حجم الإسكان الفاخر ، وأيضاً ارتفاع أسعاره لتصل للملايين .
وخلال العامين الماضيين ارتفعت الأسعار للضعف وذلك لإقبال المستهلكين علي الشراء .
ومن ثم يغلقون الوحدات توقعاً لحدوث المزيد من الإرتفاعات .
وأدي ذلك لارتفاع الأسعار بشكل لا يصدق ، فمثلا مشروع إيست تاون في مدينة السادس من أكتوبر شهد ارتفاع في سعر الوحدة من 5500 جنيه للمتر الواحد ليصل إلي 11000 جنيه للمتر في غضون عامين .
طفرة الطلب على العقارات تبدو وهمية
وتوضح مبيعات الشركات العقارية حجم الطفرة التي حدثت خلال الفترة من 2015 إلي 2016 حيث أنه خلال الثلاثة أشهر الأولي من عام 2015 شهد القطاع العقاري نمو بمعدل %30 ، مما أدي لارتفاع أسعار مبيعات الوحدات السكنية بمعدل %20 ، كما ارتفعت أسعار الأراضي أيضاً بمعدل %35
واستمرت معدلات الزيادة في الصعود في خلال الثلاثة أشهر التالية من عام 2015 ، وكان معدل زيادة الشقق والفيلات %26 في مدينة القاهرة الجديدة ، و%23 في مدينة السادس من أكتوبر .
وشهدت الفترة التي سبقت تعميم الجنيه المصري لعام 2016 زيادة في معدل نمو القطاع العقاري بحوالي %4.6 ،ليرتفع هذا المعدل في الثلاثة أشهر التالية في العام الماضي ليصل إلي %6.2 .
فعلي سبيل المثال أعلنت مجموعة طلعت مصطفي للعقارات بأن مبيعاتها قد شهدت نمو بمعدل %107 خلال أول تسعة شهور من عام 2016.
بلغت مبيعاتها حوالي 5.5 مليار جنيه ، وأدي ذلك لارتفاع نسبة أرباحها بمعدل %15.7 مقارنةً بأرباح العام الماضي .
ليبلغ صافي ربحها خلال التسعة أشهر 616 مليون جنيه .
وصرحت الهيئة العامة للإستثمار و المناطق الحرة بأن :
الشركات الأجنبية العاملة بالقطاع العقاري المصري زادت بمقدار ستة أضعاف محدثةً زيادة بمقدار عشرة أضعاف في إستثمراتها الأجنبية في السوق المصري .
نمومعاكس للنمو الكلى للإقتصاد
وهذا النمو في الواقع لايوجد يقابله علي مستوي النمو الاقتصادي الكلي وهذا شئ يدعو للقلق..
بل من المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصري تراجعاً في معدلات النو الاقتصادي
فبعد ثورة يناير بلغ معدل النمو الاقتصادي %2.2..
ثم بدأ في الارتفاع ببطء في العامين الماضيين ليصي إلي %4 .
كما ارتفع معدل البطالة مع ذلك حتي وصل إلي %13 خلال الفترة من 2013 حتي عام 2015 مما تسبب في إنخفاض المدخرات المحلية بمعدل %27.1 .
ونتيجة للارتفاع المضطرد لمعدل التضخم ، وتعويم الجنيه المصري .
تراجع الطلب الحقيقي تراجعاً كبيراً بسبب الإنخفاض في القوة الشرائية علي مستوي كافة القطاعات.
كان للقطاع العقاري النصيب الأكبر في هذا التراجع بسبب وجود فقاعة سعرية سبق وتكونت خلال العامين الماضيين .
وارتفعت مدخلات الانتاج العقاري أيضاً بشكل مبالغ فيه كارتفاع أسعار الحديد والأسمنت .
واستمرت أسعار الأراضي في الزيادة بمساهمة الدولة نفسها من خلال متاجرتها في الأراضي الجديدة كما هو موضح من طروحات العاصمة الإدارية الجديدة .
كما أعلن رئيس شركة أوراسكوم القابضة للفنادق و التنمية سميح ساويرس أحد أطراف الإستثمار العقاري والسياحي ، أنه في نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2016 .
معدلات نمو القطاع العقاري ستستمر في الزيادة للعامين القادمين ، وذلك ينبء بالدخول في فقاعة نتجت عن هوامش الربح الخيالية ، والعدد المهول من المطورين الذين يعملون في القطاع .
وفي نفس الوقت فإن الطلب علي العقارات يبدأ في الإنخفاض تدريجياً مع استمرار الأسعار في الزيادة .
وذلك يؤثر علي حدوث أزمة كبيرة في القطاع العقاري .
سكون ما قبل العاصفة المدمرة
وباعتقاد الكثير من المستثمرون بإستمرارية زيادة الأسعار ..
و بناء علي ما سبق عرضه ، فقد أقبل العديد من الأفراد علي امتلاك العقار والمضاربة فيه.
اعتماداً منهم علي استمرار ارتفاع سعره ، ومن ثم تحقيق الأرباح .
نتج عن ذلك أن السعر السوقي للعقار مبالغ فيه بسبب الوضع الإقتصادي الآن.
حيث لم يعد الإدخار فيه سواء بالجنيه أو بالعملات الأجنبية أمراً آمناً نظراً لإستمرار التذبذب بينهما بشكل كبير .
والإعتماد علي أن العقار يعتبر الوعاء الإستثماري الأكثر أماناً، يعتبر طلب وهمي غير حقيقي أدي لتراجع الطلب الحقيقي ،مما ينبء بحالة من الركود الإقتصادي تظهر خلال الفترة القادمة ، وهي بداية إنفجار الفقاعة .
وأدي تعاقد الكثير من الشركات العقارية مع المستثمرين وتأجيل تسليم الوحدات في المستقبل قبل تعويم الجنيه .
وأحدث تعويم الجنيه ارتفاع هائل في مدخلات البناء مما أدي لخسارة الشركات لمبالغ هائلة..
الأمر الذي دفعها للإقتراض من البنوك لتغطية قيمة التزاماتها .
و الشروع بتنفيذ مشروعات جديدة تمكنها من تسديد قروضها مع تحقيق أكبر هامش ربح ممكن .
وماذا عندما تنفجر الفقاعة العقارية ؟
ويتوقف تأثير انفجار الفقاعة العقارية علي حجم التمويل الخاص بها .
حيث يربطهما علاقة طردية ، كلما ارتفعت مديونية المستثمرين والشركات كلما ارتفعت حدة الأزمة الناتجة عن انفجار الفقاعة .
كما يمتد تأثيرها لينال من القطاعات الأخري ، مثل القطاع المصرفي المتمثل في البنوك.
مما يؤثر سلبياًعلي الإستثمار بصورة عامة محدثاً ركود في الاقتصاد الكلي .
وتتراجع أسعار العقارات بسكل جزئي بعد الانفجار لتصل الأسعار لمستوياتها الأصلية.
يسود الركود بشكل أعمق من السابق ..
وبالتالي تتوالي الخسائر بالوقوع معلنة ً إفلاس الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة .
يكون المستفيد الأكبر من هذه الأزمة المستهلك النهائي الذي يقوم يالشراء عند نقطة الانخفاض ، ويمتلك العقار بأقل من سعره السوقي بنسة كبيرة .
كما أن الشركات الكبيرة التي لا توجد لديها مديونيات ضخمة لاتتأثر كثيراً بالأزمة ..
حيث تستند علي سيولة كافية تمكنها من الإستحواذعلي الكثير من العقارات التي انخفضت أسعارها .
ولكي نتفادي الخسائر المهولة الناتجة عن الإنفجار المدمر .
يتوجب الإبتعاد عن الإستثمار العقاري الفاخرالتي تصل قيمة الوحدة الواحدة فيه لملايين الجنيهات.
يجب الإلتفات للإستثمار في الوحدات المتوسطة التي يسهل التخلص منها في أي وقت لكبر حجم شريحة مستخدميها .
كما أنه لايفضل الإقتراض من أجل الإستثمار العقاري لأنه لم يعد وعاءً آمناً كما سبق نتيجة لتعرضه لتلك الفقاعة العقارية المتوقعة .