بحضور حوالي ألفين وثلاثمائة مدعو بدأ القداس التأبيني الخاص برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر في كاتدرائية القديس بولس، في العاصمة لندن امس الاربعاء 17-4-2013، اثر وفاه نتيجه سكته دماغيه مفاجأه من عشره ايام في 8-4-2013. وقد وصل النعش المغلف بالعلم البريطاني ويعلوه باقة من الزهور البيضاء على عربة مدفع قبل أن يحمله ثمانية جنود يمثلون مختلف أسلحة الجيش إلى صحن الكنيسة. وتقدمت الملكة إليزابيت الثانية المدعويين إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وأعضاء الحكومة وعدد من الوزراء السابقين، إضافة إلى رؤساء دول ورؤساء حكومات.وأشاد الحاضرون بآداء تاتشر، المرأة الحديدية وسيدة جميع المواجهات خلال كلمات تأبين تخللتها الترانيم. وفي هذا الصدد أشار رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أنّ هذا التكريم يليق برئيس وزراء عظيم حظي بالإحترام حول العالم.ودفنت مارغريت تاتشر في مراسم خاصة بحضور عائلتها.
بين المعجبين بآداء رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، تعالت أصوات المنددين بسياستها حيث لم يتردد عدد من البريطانيين بتوجيه إنتقادات إلى المرأة الحديدية التي لم تتأخر ولو للحظة في إتباع سياسية اقتصادية ليبرالية محضة، إضافة إلى صراعها ضدّ نقابات العمال.
ذكرت صحيفة' الاندبندنت' البريطانية أن هناك مخاوف من اندلاع مظاهرات وأعمال عنف في لندن لدي تشييع الجنازة الرسمية لرئيسة الوزراء الراحلة مارجريت ثاتشر المقرر إجراؤها في 17 إبريل الجاري وتحولها إلي كابوس أمني.
وحذرت الصحيفة الأجهزة الأمنية البريطانية من الاعتقالات الاستباقية للمواطنين علي غرار الاعتقالات التي حدثت قبل إقامة الزفاف الملكي لولي عهد بريطانيا الأمير ويليام في عام2001.
وأشارت الصحيفة إلي أن السلطات البريطانية تراقب شبكات التواصل الاجتماعي لمنع أي ترتيبات استباقية من جانب المعارضين لسياسات تاتشر أو كارهيها لاستهداف الجنازة الرسمية المقرر إجراؤها الأربعاء المقبل.
ومن جانبها, اتخذت شرطة لندن إجراءات أمنية مشددة للحيلولة دون وقوع أي اضطرابات أثناء جنازة أكثر الشخصيات البريطانية إثارة للجدل, ومن بين هذه الإجراءات وقف حركة المرور في وسط مدينة لندن في المسافة التي سيتم فيها نقل النعش وسط حراسة من الشرطة والجيش البريطاني من كنيسة سانت ماري في قصر ويستمنستر وحتي كاتدرائية سان بول التي ستشهد الجنازة.وتراقب شرطة لندن المنتديات الاجتماعية علي شبكة الانترنت والرسائل الشخصية لمستخدمي البلاك بيري لتتبع أي خطط تستهدف إفساد الجنازة.
وتقول الصحيفة إن الاحتفالات الارتجالية التي شهدتها شوارع بريطانيا في بريستول وليفربول وجلاسجو يوم إعلان وفاة ثاتشر تزيد من مخاوف الشرطة وتوقعاتها لحدوث اضطرابات ممكن أن تعقبها اشتباكات أو أعمال عنف.
منتقدو تاتشر أداروا ظهورهم لنعشها في إشارة لرفض سياستها.
منها...
“ الكثير من الناس دوليا ومحلياً كان بإمكانهم فعل الكثير إلى جانب سيدة قوية بهذا الشكل، إلاّ أنها وعوض القيام بذلك، فقد أدارت ظهرها لنا وإهتمت بالأثرياء والأقوياء، لذلك نحن هنا لكي ندير ظهورنا لها طالما أننا نملك الفرصة “، قالت هذه السيدة.
“ بمجرد إجراء التأبين في إطار وطني ونحن من يتحمل التكاليف، فالأمر يمنحنا الحق في إبداء آرائنا بشكل مختلف، بمعنى أن الكل لا يعتقد أنّ المسألة يجب أن تحدث بهذا الشكل“، يقول هذا السيد.
إذا رحلت المرأة الحديدية لتترك الشعب البريطاني منقسماً بشأنها، إذ هناك من يكن لها حبا كبيرا وهناك من يكرهها.
وما زال آلاف البريطانيين يعتبرون تاتشر سببا في تشرد الكثيرين منهم فضلاً عن سحقها لحقوق الطبقة العاملة لحماية مصالح الشركات متعددة الجنسيات والعولمة وتحرير الاقتصاد عبر إلغاء البرامج الاجتماعية في الإسكان وقروض المنازل الميسرة.
لكن كانت للمرأه الحديديه قرارات مهمه على الصعيد الاقتصادي منها : الخصخصه ، وتحرر السرق البريطاني ، واصلاح النظام الاجتماعي ببريطانيا ،وكانت ضد انضمام بريطانيا للاتحاد الاوربي لكن مؤيده للتبادل التجاري وتوقيع العقود وكانت متفتحه على الاتحاد السوفيتي.
في شهر حزيران يونيو عام 1990 قامت “المرأة الحديدة “بجولة بدول الاتحاد السيوفياتي ومن بين الدول التي زارتها أوكرانيا .
وفي خطاب لها أمام البرلمان الأوكراني شددت تاتشر على أهمية تحرير الاقتصاد الأوكراني واتباع نظام اقتصاد السوق، دون المطالبة بالاستقلال عن الاتحاد.
يورونيوز سألت ليونيد كرافتشوك، الرئيس الأول لأوكرانيا المستقلة لماذا لم تتبع أوكرانيا نصيحة تاتشر بتحرير الاقتصاد.
ليونيد كرافتشوك يقول :“لم يكن من الممكن أن نتخذ خطوات جذرية بسرعة وأن نغير النظام الاقتصادي على الفور ،هذا يتطلب تغيير العقلية وفهم المجتمع لهذا النظام قبل البدء به،كان علينا تحضير الكوادر الموجودة والتي لم تفهم بشكل جيد ما هو اقتصاد السوق”.
عرفت رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر بموافقها المعادية للشيوعية متمثلة في الاتحاد السوفيتي وبدعواتها المستمرة لاتباع نظام اقتصاد السوق .
ليونيد كوجاراوزير الخارجية الأوكراني يقول :“مساهمات تاتشر أدت إلى اعادة تشكيل أوربا الجديدة ، هي شخصية عظيمة وكان لها التأثير الكبير لهذا السبب هي شخصية تاريخية بالنسبة لنا”.
محللون سياسيون واقتصاديون في أوكرانيا يرون أن لتاتشر التأثير على عملية الانتقال من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق في دول أوربا الشرقية.
لقد واجهنا امرأة صنعت التاريخ، حتى لو أن نطاق نفوذها الهائل لم يكن واضحاً تماماً في ذلك الوقت. وقد تولت تاتشر رئاسة بلدها في وقت يختبر فيه البلد حالة كارثية. كانت بريطانيا ما بعد الحرب قد أصبحت مختبراً تجريبياً لمزيج من الاشتراكية والرأسمالية. فقد تم تأميم أجزاء واسعة من البلاد، بما في ذلك النظام الصحي، وصناعة الصلب، وتعدين الفحم، وأجزاء من قطاع التجزئة والفنادق، وحتى وكالات السفر. وأصبحت بريطانيا مرادفاً لدولة الرفاه الكاملة، مع توفر الرعاية الشاملة للمواطنين. وانطبق ذلك بشكل خاص على النقابات، التي بدت وأنها تتمتع بسلطة جامحة.
كان ذلك نظاماً خنق المبادرة الذاتية. وأصبحت البلاد أقل قدرة على المنافسة على نحو متزايد؛ وانخفضت صناعتها إلى درجة لعبت معها بالكاد دوراً في التجارة العالمية، وكان الجنيه الاسترليني يعيش في حالة سقوط حرّ. ولم تكن لأي من ساسة بريطانيا القوة لإدخال إصلاحات جذرية. وبقي الحال كذلك، حتى أصبحت تاتشر زعيمة لحزب المحافظين، ثم ارتقت لتصبح رئيساً للوزراء في العام 1979.
لم تكن تاتشر مثقفة مفكرة. كانت سياسية مباشِرة بطريقة متطرفة. لكنها كانت لديها خطة. كانت ابنة البقال من غرانثام في لينكولنشاير مدفوعة تتحرك بروح الكالفينية التي تروج تعاليمها لفكرة نجاح الاقتصاد والسوق الحرة، بوصفها السبيل إلى النجاة. كانت مبادئها التي سجلت في التاريخ بمسمى "التاتشرية"، بسيطة جداً، لكنها جذابة أيضاً: خصخصة الشركات المملوكة للدولة؛ والحد من قوة النقابات بشكل جذري؛ ووضع حد للتضخم المزمن؛ ووقف الضرائب بطريقة المصادرة. كان على السوق الحرة أن تعود إلى المملكة المتحدة، وكان يتوجب القضاء على النسخة البريطانية من الاشتراكية. وبالنسبة لدولة رفاهية مثل بريطانيا، كان ذلك مفهوماً ثورياً حقاً.
زعيمة مغامرة.. لا تعرف الخوف كان ذلك التوجه أيضاً مخاطرة تستحق ثناء خاصاً لدى النظر إليها من منظور اليوم، سواء في ألمانيا أو في الأماكن الأخرى، حيث كانت قرارات الحكومة مدفوعة إلى حد كبير باستطلاعات الرأي العام. لقد أرادت تاتشر أن تقود وتتولى الريادة. أرادت تطبيق أفكارها عن الاقتصاد والمجتمع -وتجشمت مخاطرة التصويت ضدها وإخراجها من المنصب بعد ولاية واحدة فقط. وفي النهاية، أثمرت شجاعتها وكسبت عمليتين انتخابيتين إضافيتين لمجلس العموم.
كانت أصعب معاركها، من دون شك، هي تلك التي خاضتها ضد العمل المنظم. وقد استطاعت النجاة من إضراب استمر لمدة عام قام به عمال المناجم الذين انتفضوا لمحاربة إغلاق مناجم الفحم وخصخصة هذه الصناعة. وقد شل ذلك الإضراب أجزاء كبيرة من الصناعة البريطانية، لكن رئيسة الوزراء رفضت أن يحرف أي شيء خططها عن المسار. وفي نهاية المطاف، أفلس الاتحاد الوطني لعمال المناجم من المال وانكسرت المقاومة. وبعدئذ، وضعت تاتشر كل جهودها في سبيل الحد من قوة النقابات. وقبل كل شيء، عملت على التأكد من إلغاء ما يسمى "قاعدة المحل المغلق"، التي كانت قد جعلت العضوية في إحدى نقابات العمال في العديد من الشركات إلزامية.
ربما كانت الحملة الشرسة ضد النقابات مسألة بريطانية بحتة، لكن خصخصة تاتشر المستمرة التي لا تلين أفضت إلى إعادة تفكير عام في السياسة الاقتصادية، والتي امتدت نطاقها أبعد كثيراً من حدود بريطانيا. كانت الفكرة القائلة بأن الخدمة البريدية، وشبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وشركات الطيران أو السكك الحديدية يجب أن تكون في يد الحكومة، سائدة بلا منازع تقريباً في أوروبا وخارجها قبل انتخاب تاتشر. وقد اقتصرت الدعوات إلى وضع حد لاحتكارات الدولة هذه على أساتذة اقتصاد قليلين من دعاة سياسات عدم التدخل، مثل ميلتون فريدمان في الولايات المتحدة.
لكن تاتشر خالفت هذا التفكير السائد، ومضت بدلاً من ذلك في خصخصة مؤسسات الحكومة واحدة تلو الأخرى: شركة الخطوط الجوية البريطانية؛ السكك الحديدية البريطانية؛ البريد الملكي؛ وشبكة الهاتف -وتم بيع كل شيء لمستثمرين من القطاع الخاص. ولم تكن كل هذه الجهود ناجحة دائماً، أيضاً. فقد أصبحت مسارات شبكة القطار في بريطانيا مهملة بحيث إنهم اضطروا إلى إعادة وضعها مرة أخرى تحت سيطرة الدولة.
غلطة تاتشر الكبيرة:ثمة مبادرة أخرى من مبادرات تاتشر، والتي كان لها تأثير دولي، هي ما سُميت "الانفجار الكبير" للعام 1986: تحرير الأسواق المالية. وكان أن الحكومات في العديد من البلدان الأوروبية، وكذلك في الولايات المتحدة، اتبعت المثال البريطاني ورفعت قيود الدولة واحداً تلو الآخر على المعاملات والتحويلات المالية التي تقوم بها البنوك. ومنذ انهيار بنك ليمان براذرز في العام 2008، كان "الانفجار الكبير" واحداً من أكثر موروثاتها إثارة للجدل.
بشكل كامل وجذري، حولت تاتشر بريطانيا من بلد نصف اشتراكي إلى واحد من أكثر اقتصادات العالم ليبرالية. وهو إنجاز لم يسع أي من خلفائها، حتى من حزب العمل اليساري، إلى تفكيكه. وفي الواقع، كانت الدرجة التي حافظ بها توني بلير على سياسات السيدة الحديدية ملحوظة بشكل لا يصدق. كما أنه وجد الإلهام جزئياً أيضاً في سياسات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، الذي كان قد بدأ بالفعل توجيه نفسه نحو اقتصاد السوق في نهاية عقد الستينيات.
ولم يكن سجل تاتشر الاقتصادي خالياً من العيوب. فقد فشلت، على سبيل المثال، في الإبقاء على معدلات التضخم منخفضة. وعندما غادرت منصبها، كان معدل التضخم قد ارتفع إلى 11 %. وتواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم الآن مهمة شاقة وهي تحاول إعادة فرض اللوائح والأنظمة على القطاع المالي. كما فشلت تاتشر أيضاً في تحقيق نهضة في قطاع الصناعات التحويلية في بريطانيا، وهو يلعب اليوم دوراً متواضعاً جداً في الاقتصاد العالمي. وتنبع الأهمية الاقتصادية الدولية للبلاد بشكل كامل من صناعتها المالية.
خلال مقابلتها مع ديرشبيغل في العام 1993، قالت لنا تاتشر وهي تشير بسبابتها:"سوف تواجه ألمانيا بعض المشاكل مع الصناعة في المستقبل"، وأضافت أن الألمان لم يعيدوا هيكلة صناعاتهم بالقدر الذي فعلته بريطانيا. لكن الصناعة الألمانية أجرت الإصلاحات الضرورية منذ سنوات، وتركت الاقتصاد البريطاني متخلفاً وراءها كثيراً.
ومع ذلك، تبقى إنجازات تاتشر مثيرة للإعجاب حقاً. وهناك عدد قليل من ساسة ما بعد الحرب الذين استطاعوا تطبيق أفكارهم بنفس ذلك الإصرار وظلوا أوفياء لمبادئهم. وتقف إنجازات مارغريت تاتشر في زمن السلم على قدم المساواة مع ما حققه ونستون تشرشل خلال زمن الحرب. لقد غيرت تاتشر بلدها، كما غيرت وجه العالم.
مارغريت تاتشر ليست فقط أول امرأة رئيسة وزراء في بريطانيا، بل المرأة الوحيدة التي شغلت هذا المنصب في التاريخ البريطاني، بيّنت في أعوام 1979 – 1990، وبغض النظر عن الموقف من سياستها، أن السياسة لاتزال قوة للتغيير، فأصبحت من أهم ساسة النصف الثاني من القرن العشرين، نتيجة دورها الكبير في تكوين شكل الاقتصاد النيوليبرالي الذي أوصل العالم لاحقا إلى الأزمة الخانقة.
ففي بداية الثمانينات كانت بريطانيا تبدو بلدا باليا، في كل مكان شيء ما متوقف لا يعمل، هنا إضراب، وهناك إضراب، وهنا بناء يتهدّم وعلى الجدران كتابات بذيئة، لكن الرئيسي هو أن الجنيه الإسترليني تساوى في القيمة مع الدولار، وهذا سبّب الإهانة للإنكليز. كانت هذه نتيجة اشتراكية الدولة التي خرّبت انكلترا طوال ثلث قرن، حتى حوّلتها إلى "رجل أوروبا المريض". تأميم الحكومة العمالية للصناعة أوقفها، والضرائب التي ابتلعت نصف المداخيل كانت مفروضة بحيث يحصل مدير البنك بعد كل المدفوعات على دخل أكبر بقليل من مرؤوسه. هذه العدالة لم ترض الرئيس ولم تساعد المرؤوس، لكن بريطانيا تحوّلت إلى دولة من الدرجة الثانية، بلا قدرة على المنافسة. لإعادة بريطانيا إلى وعيها كانت تاتشر بحاجة إلى ثورة، فألغت الكثير من نفقات الضمانات الاجتماعية غير الفعالة وغير الضرورية برأيها، وباعت المؤسسات المؤممة الخاسرة للقطاع الخاص، مجبرة مليون عامل على البحث عن عمل آخر، ومعرضة 10000 شركة للإفلاس، وكالعادة في انكلترا، كان التعامل الأسوأ مع عمال المناجم، فبعد إضراب عام بحاله لم يحصلوا على شيء لأن السيدة الحديدية لم تتنازل.
نتيجة للسياسة الليبرالية الصارمة بدأت التوظيفات الأجنبية تتدفق على انكلترا، وحافظ التضخم على مستوى منخفض، وتقلصت البطالة. وبفضل الخصخصة الشاملة تحول كثير من الانكليز إلى مساهمين، لكن من جهة أخرى اختفت من الوجود بعض قطاعات الاقتصاد الانكليزي مثل استخراج الفحم. وعموما نتيجة إصلاحات السيدة الحديدية ظهر كما يقولون في بريطانيا "اقتصاد الكازينو"، عندما أصبح دور المضاربة المالية في الاقتصاد أكثر أهمية من التصنيع. في الخمسينات حاولت تاتشر دخول البرلمان، ونجحت في عام 1959 فقط. وعلى الفور اتخذت موقفا معارضا لحزبها المحافظ في مسالة إعادة عقوبة الضرب في المدرسة، وكانت مارغريت مع عودة العقوبة القديمة.
في عام 1970 أصبحت وزيرة العلوم والتعليم، وراحت تقلّص النفقات، فألغت الحليب المجاني للتلاميذ، وحصلت بالنتيجة من حزب العمال على لقب "سارقة الحليب". لاحقا ستكتب في سيرتها الذاتية: "تعلمت درسا مهما. حصلت على الحد الأقصى من الكراهية مقابل أقل المكاسب السياسية".
بعد ترأسها حزب المحافظين في عام 1975، التفتت إلى السياسة الخارجية، وراحت تنتقد الاتحاد السوفيتي، فاتهمته بالسعي إلى الهيمنة على العالم، وعندها وصفت الصحيفة السوفيتية "كراسنايا زفيزدا" تاتشر بـ"السيدة الحديدية"، فأعجب اللقب صحافيي الصنداي تايمز ثم كل البريطانيين. وفي عام 1982 نالت إمكانية ترسيخ اللقب بإرسالها الأسطول البريطاني لاستعادة جزر الفولكلاند التي احتلتها الأرجنتين. تاتشر هي أول رئيس حكومة بريطانية يصنع له تمثال أثناء حياته. تأثيرها عظيم حتى أن العماليين يعترفون بأنهم أخذوا الكثير عنها. وهي تبقى في التاريخ الانكليزي كسياسية استطاعت إنعاش الاقتصاد وتوجيه ضربة للنقابات واستعادة هيبة بريطانيا كدولة كبرى. يروي غورباتشوف أنها ، لدى دفن أندروبوف، جاءت ومعها طبيب قدّر صحة الأمين العام الجديد للحزب(تشيرنينكو خليفة اندروبوف)، وتنبأ بموعد وفاة أوستينوف(وزير الدفاع السوفيتي انذاك)، وكونها فهمت حتمية التغيير في الكرملين، دعت غورباتشوف لزيارة لندن قبل أن يستلم السلطة. ويعتقد المؤرخون أن دورها لايستهان به في تفكيك الاتحاد السوفيتي.
على صعيد الشرق الأوسط كانت مارغريت تاتشر اول رئيس وزراء بريطاني يزور اسرائيل، كان هذا في مايو/أيار عام 1986، بعد شهر من القصف الأمريكي لليبيا بتأييد بريطاني. وكانت تاتشر معجبة بإسرائيل كديمقراطية وحيدة محاطة بأنظمة استبدادية، ورأت في الدولة اليهودية حاجزا استراتيجيا أمام النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط. هناك مبالغة زائدة في كل ما قيل وكتب عن تاتشر، سبب ذلك ليس في شخصيتها بقدر ما هو في الزمن الذي شغلت فيه منصبها، وأتاح لها الفرصة حينا، وأجبرها حينا آخر على القيام بما قامت به. لكنها تميّزت بأنها كانت تستطيع أن تصرخ على الوزراء، ولم تكن ترفع صوتها أبدا على السكرتيرة.
لم يكن اطلاق لقب "المرأة الحديدية" على مارغريت تاتشر اعتباطيا، فهذه السيدة ( البارونة حاليا) شكّلت احدى الظواهر الهامة في عالم السياسة في النصف الثاني من القرن العشرين بوصفها أول إمراة تتولى منصب رئيس
فهل ينبغي لنا أن نعجب بها؟ منذ بداية فترة ولايتها في منصبها في العام 1979 وحتى مغادرتها قليلة البريق في العام 1990، تراوحت أحكامنا عليها بين الاحترام العميق والإدانة. فمن جهة، كان لديها التصميم والقوة للدفاع عن المملكة المتحدة ومنعها من الانزلاق في غياهب النسيان الاقتصادي. ومن جهة أخرى، طبقت نموذجاً لا يرحم من الرأسمالية التي كنا نعتبرها منذ وقت طويل هنا في ألمانيا، مع نظامنا للسوق الاجتماعي، شيئاً من الماضي. وبسياساتها المناهضة لأوروبا، بدت أيضا وأنها أقرب إلى نتاج للنصف الأول من القرن العشرين أكثر مما هي نتاج للنصف الثاني التي حكمت فيه.و نقول لها ودعا مارجريت تاتشر