حالة من التفاؤل الحذر حلت على الأسواق الأوروبية قبيل قمة القادة الأوروبيين التي يتأمل منها المستثمرين خطة واضحة و شاملة للطريق
احتلت القارة الأوروبية اهتمام المستثمرين طوال الأسبوع الماضي باعتبارها الحدث الأكثر أهمية في ظل سحابة أزمة الديون السيادية التي تسيطر عليها و تعثر أكبر اقتصادياتها نتيجة الأزمة و مسيرة النمو المتباطئة التي تشهدها القارة، فقد بات المستثمرين على أمل قدرة قادة الاتحاد الأوروبي على إيجاد حلاً شاملاً و كاملاً للقارة و بنوكها، و منع انتشار الأزمة من اليونان التي يصعب معرفة مصيرها للدول المتعثرة الأخرى
.
شهدنا في بداية الأسبوع الماضي كيف قام وزراء مالية مجوعة العشرين بتسليط الضوء على القادة الأوروبيين و آلية العمل التي سيتخذونها لدرء خطر الأزمة من الانتشار للدول الأوروبية الأخرى، فقد قاموا بإعطاء القادة الأوروبيين فرصة أخيرة لوضع خطة شاملة عامة و جذرية لحل أزمة الديون و آلية عمل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي إلى جانب إعادة رسملة البنوك عند عقد قمة الأزمة يوم 23 من الشهر الجاري.
و لا بُد للإشارة لمدى التفاؤل الذي حل على الأسواق عُقب القرار الذي نتج عن اجتماع دول العشرين، حيث أنه وسع آفاق الآمال للمستثمرين بأن القادة الأوروبيين سيقومون بوضع خطة للطريق تعمل على احتواء الأزمة و منعها من الانتشار إلى جانب إنقاذ اليونان و عدم تركها للغرق، إضافة إلى إعادة رسملة البنوك و رسم آلية عمل صندوق الاستقرار الأوروبي و كيفية توسيعه.
إلا أن موجة التفاؤل لم تدم طويلاً، فقد صرح الناطق الإعلامي باسم المستشارة الألمانية بأنها ترى آمال المستثمرين قد تخطت المتوقع من القادة الأوروبيين، فليس من المتوقع أن يقوم القادة بوضع خطة تكون شاملة و جذرية لحل الأزمة، فأشارت إلى أن كل هذه الآمال لن تتحقق في اجتماع القادة يوم 23 تشرين الأول.
لم تُضف المستشارة الألمانية إلى مزيداً من عدم اليقين في الأسواق، لتطفوا على سطح الأسواق حالة من عدم اليقين دامت حتى نهاية الأسبوع، خاصة مع تضارب البيانات و التصريحات عن القارة الأوروبية فمنها ما يُشير إلى قدرة القادة على تخطي الأزمة بوضع خطة شاملة و جذرية للمنطقة، و منعها ما يضيف مزيداً من الغموض حول مستقبل القارة التي أمست موضع قلق للاقتصاد العالمي بأسره.
أضف إلى ذلك، بيانات التضخم البريطانية التي صعدت من صعوبة الموقف لصناع القرار البريطاني مما جعل المستثمرين مصدومين لا يعلموا ماذا سيفعلون، فقد أظهرت البيانات ارتفاع مستويات التضخم في المملكة البريطانية بشكل كبير جداً لتصل إلى 5.2% و هو أضعاف المستوى المقبول للبنك المركزي البريطاني، ليضعه بين المطرقة و السندان نتيجة ارتفاع مستويات التضخم بشكل متعاظم و تباطؤ مسيرة النمو بشكل كبير جداً فقد سجلت خلال الربع الثاني 0.1%.
و لكن البنك البريطاني قد حاول في شتى الوسائل لدعم النمو، فقد قام برفع برنامج شراء الأصول 75 مليار ليصل إلى 275 مليار جنيه في سبيل تحقيق نمو الاقتصاد الملكي بوتيرة أسرع من ذلك، متجاهلاً مستويات التضخم المرتفعة، كما أشار محضر اجتماع اللجنة السيادية للبنك إجماع أعضاء اللجنة على قرار رفع سقف برنامج الأصول و إبقاء سعر الفائدة ثباتاً عند مستوياته الصفرية 0.50%، في أمل تشكيل حافزاً للنمو و يمضي بالتسارع.
إن ما أشار له البنك في محضر اجتماعه عن تأثر اقتصاد المملكة و صادراتها بأزمة الديون في منطقة اليورو و تباطؤ مسيرة النمو العالمية كان صحيحاً، فلم تلبث أزمة الديون إلا بالتفاقم و التوسع مثيرة المخاوف إلى احتمالية إفلاس اليونان التي يرى بعض المحللون أن عملية إفلاسها هي مجرد مسألة وقت، التي على الرغم من أنها أقرت حزمة جديدة من الإجراءات التقشفية إلا أنها لن تحقق تخفيض العجز المطلوب هذا العام.
و عليه فقد أشارت ترويكا عن ضرورة حصول اليونان على الدفعة السادسة من حزمة مساعدات العام الماضي بقيمة 8 مليار في أسرع وقت ممكن نظراً لتأثر اقتصادها بشكل كبير بالإجراءات التقشفية الشديدة التي قرتها الحكومة ليتباطأ بشكل فاق التوقعات، إلا أنها أشارت أنها قد لا تحقق خفض العجز المطلوب هذا العام و لكنها على الأرجح ستحقق خفض عجز عام 2012، و لكن بشكل عام يقع الخوف الأكبر على احتمالية انتشار هذه الأزمة للدول الأوروبية الأخرى و خاصة التي تشهد تعثراً في حالتها الاقتصادية أيضاً.
و ما أضاف مزيداً من المخاوف أيضاً هو دور وكالات التصنيف التي لم تتوقف عن طرح الثقة بالأسواق للحضيض و نشر الذعر بين المستثمرين، فلم تترك بنكاً أو دولة في القارة الأوروبية إلا و تنذره من احتمالية تخفيض التصنيف الائتماني أو تقوم فعلاً بتخفيضه، فشهدنا وكالة موديز للتصنيف الائتماني تطرح بالتصنيف الائتماني الاسباني أرضاً بخفضه مرتبتين، و لم تترد بتحذير وضع التصنيف الائتماني الفرنسي الذي يحتل تصنيف ممتاز عند AAA تحت المراجعة السلبية باحتمالية تخفيضه أيضاً في ظل التباطؤ الاقتصادية في المنطقة و تفاقم أزمة الديون، وتحمل فرنسا نسبة كبيرة من حزم المساعدات المقدمة للدول المتعثرة.
و في سياق التصنيفات الائتمانية، فقد قامت وكالة ستاندرد أند بورز أيضاً بتخفيض تصنيف أربع و عشرين بنكاً ايطالياً نظراً للتباطؤ الاقتصادي الحاصل في المنطقة و بالأخص ايطاليا نفسها، إلى جانب تفاقم أزمة الديون و ارتفاع نسبة الدين الايطالي العام، و لم تكتفي الوكالة بهذا القرار، بل تبعت منافستها موديز و تتغلب عليهاً أيضاً فلم تهدد فرنسا فقط، بل أضافت لها كل من اسبانيا و ايطاليا و ايرلندا و البرتغال.
أما عن مستويات الثقة في القارة التي تصدر عن مؤشرات اقتصادية أو نراها تعكس على التداولات الحاصلة في الأسواق، فاستمرت بالانحدار مثل مستويات الثقة الألمانية حسب مؤشر ZEW للأوضاع الراهنة و الشعور اتجاه الاقتصاد التي سجلت 38.4 و -48.3 على التوالي، تليها مستويات ثقة منطقة اليورو للشعور العام اتجاه الاقتصاد و الذي أظهر تراجعاً إلى 51.2- من 44.6-.
و لكن على الرغم من كل هذا، بقي المستثمرين متأملين بالخطة التي وصفتها ميركل بالوهمية أنه سوف تضع الخطوط العريضة لخارطة الطريق التي ستخطو عليها القارة الأوروبية و التي يتخللها إجراءات قد يطرحها القادة تحدد آلية عمل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي و كيفية رسملة البنوك التي يختلف عليها الطرفين الألماني و الفرنسي اللذان يُعدان أكبر اقتصاديين في القارة.
و استمر الخلاف الفرنسي الألماني حول كيفية رسم الخطة و آلية عمل صندوق الاستقرار المالي الأوروبي بعد موافقة البرلمانات على توسيعه، و إلى الآن لم يتفق الطرفين على حل معين ليتم تأجيل القرار النهائي للقمة التي ستقام في 23 من الشهر الجاري، و لكن أمسى المستثمرين في نهاية الأسبوع على أمل اتفاق الطرفين على رأي واحد يقدم الإفادة و الدعم للقارة الأوروبية و تضع حداً لتفاقم أزمة الديون التي تُعد الشبح الأكبر للقارة.
اقر وزراء مالية دول منطقة اليورو مساء الجمعة تقديم الدفعة السادسة من قرضا لإنقاذ اليونان بقيمة 8 مليارات يورو، ومن المفروض أن يقوم صندوق النقد الدولي ايضا بإقرار القرض، وستحصل اليونان على القرض في منتصف شهر نوفمبر/تشرين ثاني القادم.