دراسة : تاريخ الذهب......................واتجاهاته المستقبلية
منذ عام 1793 وحتى الآن تواصل أسعار الذهب في ارتفاعاها وذلك على الرغم من تجنيبه من كون الاحتياطي النقدي الأساسي لدى البنوك المركزية واتخاذ الدولار مكانه، حيث أن الأزمات المالية والاقتصادية التي مر بها الاقتصاد العالمي كلها كانت دائما تأتي في صالحه باعتباره الملاذ الآمن الذي لا يفقده قيمته بفعل الاضطرابات المالية والاقتصادية، ومع اندلاع أزمة الرهونات العقارية في 2008 والتي ما زال يعاني منها الاقتصاد العالمي حتى هذه اللحظة استطاع المعدن النفيس أن يحقق أعلى مستوى في تاريخه في سبتمبر 2011 عندما سجل 1920 دولار/أوقية، مدعوما أيضا بأزمة الديون السيادية التي يعاني منها أعضاء الاتحاد الأوروبي، وقد شهدت الفترة الأخيرة إقبالا كبيرا على شراء الذهب سواء من المستثمرين أو من البنوك المركزية خصوصا الأوروبية إلى جانب زيادة الطلب من جانب الأسواق الناشئة مثل المكسيك وروسيا وكوريا الجنوبية بهدف خفض انكشافها على الدولار الذي أصبح مضطربا، بالإضافة إلى تراجع إغراء السندات الأمريكية التي أصبحت تحمل مخاطر عالية خصوصا بعد تخفيض التصنيف الائتماني الأمريكي من قبل وكالة ستاندرد آند بورز، وفي الوقت نفسه وجدت البنوك المركزية نفسها في مأزق كبير لأن معظم احتياطاتها النقدية تستثمر في سندات حكومية بالدولار الأمريكي واليورو في حين أن التوازن الحالي بين العملتين غير حقيقي لأن كلا من الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الأوروبي متبوعا بمشاكل اقتصادية ومالية كبيرة، فالاقتصاد الأمريكي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة تراجع الناتج القومي الإجمالي إلى جانب التعثر عن سداد الديون، بينما الاقتصاد الأوروبي كما نعلم وراءه أزمة الديون السيادية التي بدأت في اليونان وألقت بظلالها علي باقي الدول مثل إسبانيا، إيطاليا، البرتغال، أيرلندا.
وقبل أن نناقش الاتجاه المستقبلي للذهب وإلى أين يتجه في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية، سوف نتجه في بداية هذه الدراسة إلى مناقشة المراحل التي مر بها الذهب داخل النظام النقدي العالمي، بداية من استخدامه كقاعدة نقدية وانتهاءا بفك الارتباط بينه وبين الدولار وهو إلغاء اتفاقية بريتون وودز على يد الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1973.
قاعدة الذهب
تعتمد هذه القاعدة على أن كل دولة تحدد قيمة الوحدة الواحدة من عملتها الوطنية بوزن معين من الذهب، وفي الوقت نفسه تكون الدولة مستعدة لشراء أو بيع كمية من الذهب مقابل سعر عملتها الذي أعلنته وبالتالي فإن هذه القاعدة كانت تضمن حرية عملية التبديل بأشكال النقد المتداول بالذهب، كما تضمن أيضا على الصعيد الخارجي، حرية تصدير واستيراد الذهب من دون قيد أو شرط.
وطبقا لهذه القاعدة فإن البنك المركزي لا يستطيع أن يقوم بإصدار كميات من الأوراق النقدية في التداول وذلك تجنبا لزيادة كمية النقود المتداولة عن حاجة النشاط الاقتصادي وبالتالي تنقص ثقة الجمهور في استعمال النقود الذي يسارع إلى تركه والحصول على الذهب مكانه.
كما ساد في ظل هذه القاعدة مبدأ حرية استيراد وتصدير الذهب بين الدول بدون قيد أو شرط، فإذا كان النظام يعتمد على المسكوكات، فإن الشخص الذي يرغب في تصدير كمية من الذهب، يستطيع أن يحصل عليها من التداول، أما إذا كان النظام يعتمد على السبائك فإن هذا الشخص سوف يلجأ إلى البنك المركزي للحصول عليها بالسعر القانوني، والعكس يمكن للفرد أن يستورد الكمية التي يرغب فيها من الذهب، فحرية استيراد وتصدير الذهب تضمن وتؤمن ثبات سعر الصرف.
وكانت المعاملات المالية الدولية حتى سنة 1914، تسير على القاعدة الذهبية ولعبت أوروبا دورا مسيطرا على العالم، وكانت بريطانيا هي الدولة المتفوقة، وكان التنظيم الاقتصادي والمالي في العالم مرتكزا في لندن، في الوقت الذي كان العالم فيه منقسما إلى مجموعتين، المجموعة الأولى صناعية أو في طريقها إلى التصنيع، والمجموعة الثانية غير صناعية.
وكانت دول المجموعة الصناعية، وهي الأقل عددا تنهب المواد الأولية والمواد الغذائية عن طريق الاستعمار، ودول المجموعة الثانية تستورد المنتجات المصنعة وبذلك وجد انقسام بدائي في العمل على المستوى العالمي بالفعل، وكانت بريطانيا أقدم الدول في ميدان التصنيع كما أنها تقوم بالمتاجرة بربع تجارة العالم تقريبا، وكانت في الوقت نفسه أكبر دولة مصنعة في العالم.
وكان دور بريطانيا واضحا تماما فيما يتعلق بالنقد والأموال حيث كان نظام المدفوعات الدولية يخضع للندن، الذي كان يقوم بدور المنظم، وكانت إنجلترا تقوم بـ 40% من الاستثمارات الدولية، وكان مفتاح الحركة العالمية للتبادل يتمثل في ميزان الإسترليني الذي كانت المصارف الأجنبية تحتفظ به في لندن، وكانت قيم المبادلات المطبقة في كل دولة في العالم تناقش في لندن، وكانت قاعدة الذهب في الواقع هي قاعدة النقد الأساسية، وهي قاعدة الإسترليني، وكانت آلية الدفع مضمونة، وفي مركز نقدي ومالي واحد في العالم.
كما تم اعتماد آلية مراقبة الصرف وتثبيته، على ضوء تحديد قيم أغلب العملات المستخدمة في التبادل الدولي كما يلي:
1- الجنيه الإسترليني: تم تحديد قيمة الجنيه بوزن 7.988 غرام من الذهب، بموجب قانون صدر بتاريخ 22/6/1816. وكان الإسترليني يحتل المرتبة الأولى بين عملات التجارة العالمية، بنسبة 21% من إجمالي مدفوعات التجارة الدولية عام 1900.
2- الفرنك الفرنسي: تحددت قيمته بوزن 322.58 ملليغرام ذهب، بموجب قانون صدر بتاريخ 10/4/1802. وكان يحتل المرتبة الثانية بنسبة 8% من التجارة الدولية سنة 1900.
3- المارك الألماني: تم تحديد قيمته بوزن 398.2 ملليغرام ذهب، بموجب قانون صدر بتاريخ 9/8/1873. ولم يكن المارك يلعب دوراً مهماً في التجارة الدولية.
4- الروبل الروسي: تحددت قيمته بوزن 744 ملليغرام ذهب، بموجب الأمر الإمبراطوري الصادر سنة 1897. ولم يكن الروبل يلعب دورا خارج حدود الإمبراطورية القيصرية.
5- الدولار الأميركي: بعد تقلبات عديدة، تحددت قيمة الدولار بوزن (1.5) غرام ذهب، بموجب القانون الصادر بتاريخ 14/3/1900 والمعروف باسم (ميثاق المعيار الذهبي). ولم يكن الدولار يلعب أي دور على المستوى العالمي.
ومع اشتداد حالة الحرب اضطرت الدول المتحاربة إلى تعليق العمل بالقاعدة الذهبية، لأن الحرب لكبر حجمها قد استهلكت أموالا طائلة، فاقت موارد أية دولة من الدول المتحاربة، حتى إن الموارد التقليدية لم تكن تكفي إلا لسد جزء يسير منها، وأصبح لابد من اللجوء إلى البنوك المركزية من أجل إصدار نقود إضافية، ولكن المصارف المركزية في ظل القاعدة الذهبية لا تستطيع أن تصدر كمية إضافية، لأنها مقيدة بعملية التبديل، أي ضمانة تبديل الذهب بالأوراق المصرفية، فكان من جراء ذلك أن عمدت الحكومات المتحاربة إلى إعفاء مصارفها المركزية من عملية التبديل هذه، وأقرت التداول الإلزامي للأوراق المصرفية، أي علقت نظام القاعدة الذهبية.
وعلى إثر ذلك استطاعت المصارف المركزية إصدار كميات هائلة من الأوراق النقدية، دون أن يرتبط بنظام القاعدة الذهبية، وعندئذ تراكمت ديون الحكومات من المصارف المركزية، حيث بلغت ديون فرنسا للمصرف المركزي ما يزيد على 21 مليارا فرنك، وارتفعت كمية النقد في التداول من 7 إلى 17 مليار فرنك، وفي ألمانيا بلغ التضخم النقدي درجة تسببت في القضاء على الوحدة النقدية، ولكن على الرغم من خروج ألمانيا من الحرب مهزومة، وقد تراكمت عليها مليارات الماركات، لم تكن أيضا الدول المنتصرة بمنأى عن الأزمات الاقتصادية الحادة.
ولعلاج هذه المشكلة اجتمعت الدول الرئيسة في جنوة سنة 1922، واتفقت على العودة إلى نظام القاعدة الذهبية. لكنهم اصطدموا بمشكلة جديدة واجهتهم، وهي أن القسم الأكبر من أرصدة العالم الذهبية، وبخاصة من أرصدة الدول المتحاربة الأوروبية، قد تم تحويله إلى الولايات المتحدة الأميركية لتغطية الاستيراد، والعودة إلى نظام القاعدة الذهبية، تقتضي وجود قاعدة ذهبية واسعة.
فتم الاقتراح على أن يتم السماح بتوفير الذهب، والاحتفاظ بمزايا النظام المذكور، مع الاحتفاظ بنظام السبائك، ويتمثل في احتفاظ البنك المركزي بأرصدته الذهبية، ولكن على شكل سبائك من وزن معين، حيث كان الحد الأدنى للسبيكة في فرنسا 12 كيلوغرام وسعرها 215000 فرنك، وبما أن نظام السبائك هذا يصعب استعماله على الأفراد عند الاستبدال لأنهم منعوا الاستبدال إلا لمن ملك السبيكة المعنية، وهذا ليس في متناول الأفراد، وبذلك أصبح نظام القاعدة الذهبية مقيدا، إلا أن هذه القاعدة الذهبية المقيدة لم تستمر طويلا، لأنها اصطدمت باندلاع الأزمة العالمية الكبرى سنة 1929، حيث انهارت أسعار الأسهم، وأسرع المستثمرين في التخلص منها، فحدث إقبال شديد على الأوراق النقدية، وبيع الذهب، فعلقت دول العالم أجمع عملية تبديل الذهب لنقودها الورقية، وبذلك انتهى نظام القاعدة الذهبية في بريطانيا أولا سنة 1931، ثم في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1933، وأخيرا في فرنسا سنة 1936.
وفي الوقت نفسه قامت الدول الكبرى باتخاذ إجراءات وقائية، فأصدرت في 13/7/1931 قرارا بمنع إخراج الماركات خارج حدودها، وصادرت جميع العملات الأجنبية والذهب الموجود لدى مواطنيها، ثم رفضت تبديل الماركات بالذهب، وأصبحت الحكومة هي التي تحدد سعر صرف العملات، عوضا عن المصرف الألماني المركزي.
وبتاريخ 30/9/1931 قررت الحكومة البريطانية وقف تبديـل الإسـتـرليـنـي بالذهـب، وتقـويـم سـعـر صرفه تجاه بقية العملات في الأسواق المالية، وعليه قامت جميع المستعمرات البريطانيـة باتـخـاذ نفس الإجـراءات.
وفي عام 1932 قررت اليابان تعويم صرف الين، وفرضت مبدأ مراقبة الصرف ثم جمدت تبديل الين بالذهب، وفي سنة 1934 ألغت الولايات المتحدة تبديل الدولار بالذهب، وسحبت جميع القطع الذهبية من التداول، وخفضت قيمة الدولار بنسبة 41%.
وفي 1935 تخلت بلجيكا ولوكسمبورغ عن تبديــل عملتـها بالذهـب، وفي 1936 أعلنت فرنسا، وهولندا، وإيطاليا، وسويسرا، عن وقف تبديل عملاتها بالذهب.
الفترة 1939- 1944 تدمرت اقتصاديات دول أوروبا الغربية، والاتحاد السوفييتي واليابان، نتيجة الحرب العالمية الثانية، وتدفقت كميات هائلة من الاحتياطيات الذهبية نحو الولايات المتحدة تسديدا لثمن مشتريات عسكرية، أو هربا من جحيم الحرب، حيث أصبحت الولايات المتحدة تمتلك ثلثي الاحتياطي العالمي من الذهب، إلا أن الدولار لم يكن عملة دولية، لأن واشنطن لم تكن تمتلك مستعمرات تفرض عليها استعمال نقدها، وتكوين كتلة نقدية للدولار مثلما حصل بالنسبة للإسترليني.
وقد تم الاتفاق في المؤتمر على أن يكون الذهب هو الأصل الذي يدور عليه نظام النقد الدولي الجديد، وكان من ضمن شروط المؤتمر أن يقوم الأعضاء بإعادة ربط عملتها بالذهب، من خلال تحديد كل دولة وزنا معينا من الذهب الصافي لوحدتها النقدية، وذلك من أجل تحديد وتثبيت سعر الصرف، ولكن هذا لا يعني حرية التبديل بالذهب، حيث لم يسمح للأفراد أو للمؤسسات بتبديل الذهب مقابل الأوراق النقدية من المصرف المركزي، إلا الدولار الأميركي وحده هو الذي يمكن تبديله بالذهب.
ومن هنا أخذ الدولار الأميركي يتميز عن سائر نقود العالم لأنه فقط هو الذي اكتسب هذه الميزة وقد حددت الولايات المتحدة سعر الدولار الرسمي بالذهب، بواقع 35 دولارا للأونصة، وقد كان الدافع الأميركي لجعل الدولار قابلا للتحويل إلى ذهب، بالسعر الذي حددته هو عاملين:
العامل الأول: إن الولايات المتحدة خرجت بعد الحرب العالمية الثانية وهي تمتلك ثلثي ذهب العالم أي ما يعادل 25 مليار دولار من إجمالي 38 مليار دولار.
العامل الثاني: رغبتها في الهيمنة السياسية والاقتصادية على العالم لأن الدول أصبحت غير ملزمة بالاحتفاظ بكامل أرصدتها النقدية بالذهب بل كذلك بأوراق نقدية (دولارات)، تلتزم الولايات المتحدة بتبديلها ذهبا عند الطلب بالسعر الذي تحدده.
وقد سمي نظام بريتون وودز بنظام الصرف بالذهب لأنه أقر احتفاظ الدول في أرصدتها بالنقود الورقية، القابلة للتبديل بالذهب، بعد أن يتم تحويلها إلى دولارات، وهكذا أصبح النقد الورقي المحلي لأية دولة لا يحول مباشرة إلى ذهب إلا إذا كان تابعا للدولار مقوما به. (أو الإسترليني ومقوما به).
وقد اشترط مؤتمر بريتون وودز كذلك على الدول الأعضاء، أن تقوم بتثبيت سعر صرفها، مع سماح بتقلبات سعر الصرف بنسبة معينة 1%، وقد استمر الإسترليني كذلك إلى حد ما في الدرجة الثانية، ولكن لم يستمر طويلا.
وقد استمر نظام الصرف بالذهـب حتى إعـلان الرئيسي الأمريكي نيكسـون بنــود الإصلاحات، التي بموجبها تم إلغاء نظام الصرف بالذهب، حيث ألغيت قاعدة تبديل الدولار بالذهب، لينفرد الدولار في ميدان الساحة النقدية في العالم.
فمنذ الخمسينات بدأ ميزان المدفوعات الأمريكي يحقق عجزا كبيرا ومستمرا، الأمر الذي قلص بشدة من احتياطات الذهب في الخزانة الأمريكية، وإزاء فشل الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع الدول التي حققت موازين مدفوعاتها فوائض ضخمة وبصفة خاصة ألمانيا واليابان برفع سعر صرف عملاتها، أصبح من المسلم به ضرورة لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخفيض قيمة الدولار، وفي ذلك الوقت أصبحت الأسواق الدولية لرأس المال مرتبطة ببعضها بشكل كبير من خلال أسواق العملات الأوروبية، وبدأت كميات ضخمة من رؤوس الأموال الأمريكية في الهروب للخارج، وبدأت التحويلات الكثيفة من الدولار الأمريكي إلى العملات القوية الأخرى، وبصفة خاصة المارك الألماني والين الياباني والفرنك السويسري، الأمر الذي أدى إلى حدوث مزيد من الإختلالات في ميزان المدفوعات الأمريكي، وهنا اضطر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك ريتشارد نيكسون تعليق قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب، معلنا بذلك عن نهاية نظام بريتون وودز بالإضافة إلى التوقعات التي غطت الأسواق من أنه من المحتمل أن يتسبب انخفاض قيمة الدولار التي أدت إلى تدفق رؤوس الأموال قصيرة الأجل إلى خارج الولايات المتحدة، ومن جانب آخر فقد تخلت الدول الأوروبية واليابان عن التزامها بالتدخل في سوق الصرف الأجنبي لتدعيم الدولار.
عدم كفاية السيولة الدولية، كان من أهم أسباب انهيار بريتون وودز على الرغم من إنشاء وحدات السحب الخاصة للتغلب على هذه المشكلة ولكنها لم تكن كافية نظرا لأن إصدارها وتوزيعها لم يكن وفقا لاحتياج الدول الأعضاء وإنما وفقا لحجم كل دولة وأهميتها النسبية في التجارة الدولية، فمن المعروف أن السيولة الدولية هامة لكي تساعد في تمويل العجز المؤقت في موازين المدفوعات دون اللجوء إلى إجراءات انكماشية مما يسمح لآلية التصحيح بأن تأخذ وقتها الكافي لاستعادة التوازن، فالنقص في السيولة الدولية يقلل من التجارة الدولية، في نفس الوقت زيادة السيولة الدولية تؤدي إلى ظهور الضغوط التضخمية العالمية.
وكما ذكرنا من قبل فإن صندوق النقد الدولي قد حاول أن يواجه مشكلة السيولة الدولية من خلال إصدار حقوق السحب الخاصة، وهي نقود اعتبارية يتم تبادلها بين الدول الأعضاء في الصندوق وليس بين الأفراد، حيث تم إصدار ما قيمته 9,5 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في عام 1969، ومن الغريب أيضا أن إصدارات حقوق السحب الخاصة خلال الفترة 1970-1972 قد واكبت فترة تزايد المعروض من الدولار كنتيجة للعجز في ميزان المدفوعات الأمريكي.
كما تضمنت هذه الاتفاقية توسيع هوامش تقلبات أسعار الصرف إلى2,25% ارتفاعا وانخفاضا عن سعر التعادل، بدلا من1% ، وهذا يعني أنه يمكن لسعر صرف أي عملة بخلاف الدولار أن يتقلب في حدود 4.5% ارتفاعا وانخفاضا، بالمقارنة مع سعر صرف أي عملة أخرى، وذلك في حالة زيادة قيمة إحداها بنسبة 2.25% عن سعر تعادلها بالدولار، وانخفاض قيمة العملة الأخرى بنسبة 2.25% عن سعر تعادلها بالدولار.
إقبال البنوك المركزية على شراء الذهب
في سبتمبر 1999، عقدت البنوك المركزية الأوروبية مؤتمرا أعلنت فيه قرارها بإبقاء الذهب عنصرا مهما من احتياطياتها وأنها لن تبيع مخزونها من الذهب باستثناء الكميات التي رصدت للبيع سابقا، ولقد دعمت الولايات المتحدة واليابان الموقف الأوروبي باتخاذ قرارات مماثلة أدت في مجموعها إلى انخفاض معروض الذهب العالمي وبالتالي ارتفاع أسعاره، وعليه فلقد كانت تلك القرارات بمثـــابة الـداعم الأول لأسعار الذهب.
ضعف الدولار
من أهم الأسباب أيضا المدعمة لأسعار الذهب هو تراجع قيمة الدولار، بسبب تراجع النمو الاقتصادي وتراجع الصادرات بالإضافة إلى قيام البنوك المركزية بالتخلي عن الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم، ففي عام 2005 أعلنت كوريا الجنوبية قيامها بتنويع احتـياطياتها من العملات دون تركيــز احتيــاطــياتها على الدولار الأمريكي، وهو ما أدى إلى تراجع الدولار أمام العملة الكورية إلى أدنى حد منذ سبع سنوات، وبالمقابل ارتفع الذهب مباشرة بنسبة 1.7% كرد فعل لانخفاض الدولار والعملات الأخرى، حيث توجد علاقة عكسية بين أسعار الذهب والدولار، فإذا ارتفع أحدهما انخفض الآخر، ونظرا لترجيح استمرار تراجع الدولار، فإن ذلك يشير إلى استمرار ارتفاع أسعار الذهب.
زيادة العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة
من أهم أسباب ارتفاع أسعار الذهب عالميا إن لم يكن أهمها تزايد العجز في ميزان الولايات المتحدة الأمريكية التجاري، وترجع أسباب هذا العجز في المقام الأول إلي انخفاض نسبة الصادرات خاصة الاستهلاكية بالمقارنة مع حجم الواردات. فمثلاً عندما يرتفع حجم الصادرات بنسبة 0.4% فقط في حين يرتفع حجم الواردات بنسبة تصل إلي 1.4% يحدث العجز في الميزان التجاري ومن هنا يرتفع سعر الذهب.
ارتفاع حجم الطلب
يشير عددا كبيرا من الاقتصاديين على أن أهم أسباب ارتفاع أسعار الذهب هو زيادة الطلب بشكل كبير على اقتناء المعدن النفيس سواء من البنوك أو من المستثمرين أو الأفراد في حين ينخفض حجم المعروض من المعدن، وذلك ما يدفع بأسعار الذهب للارتفاع بنسبة كبيرة حيث تجاوز ارتفاع سعر الذهب نسبة 50% بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
ويرجع انخفاض حجم الإنتاج بالطبع للدول المنتجة للذهب حيث لا يؤثر تداول الذهب في زيادة العرض بشكل كبير وذلك لأن أسواق الذهب تعتمد بشكل أساسي على الإنتاج الجديد، وحينما يحدث أي انخفاض في حجم الإنتاج من قبل الدول المنتجة يكون له أثر كبير في ارتفاع سعر الذهب.
ارتفاع أسعار النفط
من المعلوم أنه يوجد علاقة وثيقة بين أسعار الذهب وأسعار النفط، ففي حالة ارتفاع أسعار النفط تتجه أسعار الذهب إلى الارتفاع وذلك من جانبين، أولهما أن زيادة إيرادات الدول المصدرة للنفط مثل دول الخليج تؤدي لزيادة الطلب على الذهب واتخاذه كملاذ آمن مقابل الدولار الذي تراجع بشكل مستمر وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب، وثانيها أنه في حالة ارتفاع أسعار النفط فإن تكلفة إنتاج الذهب ترتفع نظرا لاستهلاك كميات كبيرة جدا من النفط في عملية استخراج وتعدين الذهب وهو يقود أسعار الذهب إلى الارتفاع.
ارتفاع مخاطر الاستثمار في السندات الأمريكية
مع تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى AA أصبحت السندات الأمريكية أقل جذبا للمستثمرين في الوقت الذي ازدادت فيه المخاوف بشأن أوضاع الاقتصاد الأمريكي والدولار كعملة رئيسية، في الوقت الذي يعاني فيه اليورو أيضا من أزمة الديون السيادية في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدفع المستثمرين غالبا إلى سحب أموالهم من أسواق العملات وتوجيهها إلى الاستثمار في الذهب.
الاضطرابات السياسية
بجانب الأزمات الاقتصادية والمالية التي يشهدها العالم اليوم والتي أثرت بشكل كبير على النمو الاقتصادي، تسببت أيضا الاضطرابات السياسية التي اجتاحت عددا كبيرا من دول العالم خصوصا دول الشرق الأوسط إلى تراجع أسواق العملات العالمية بشكل كبير، بعد انعدام الثقة لدى المستثمرين في أسواق العملات، ليصبح الذهب هو الأكثر إغراءا للشراء.
الأسعار التاريخية للذهب
كما نشاهد على الرسم البيانات أعلاه أن الاتجاه الصاعد لأسعار الذهب قد بدأت رحلته الصعودية من قبل عام 1968 تحديدا منذ بداية تسعير الذهب عام 1793 حيث بلغت أونصة الذهب وقتها 19.39 دولار، وقد تزامن هذا الارتفاع مع قيام الرئيس الأمريكي نيكسون بفك ارتباط الذهب بالدولار نظرا لامتلاك الولايات المتحدة في هذا الوقت ثلثي الذهب في العالم وتم تسعير الذهب بقيمة 35 دولار للأونصة، وفي عام 1972 قامت الولايات المتحدة أيضا بتخفيض قيمة الدولار إلى 38 دولار لأونصة الذهب بسبب العجز الذي أصابها في ميزان المدفوعات، وبعد تكون الموجة الخامسة الداخلية حققت أسعار الذهب أعلى مستوى لها في نهاية عام 1980 مدعومة بارتفاع أسعار النفط وأزمة البترول التي حدثت في عام 1973 بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية التي شهدها العالم على إثر تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان والثورة الإيرانية.
بالنظر إلى الرسم البياني الذي أمامنا الآن نلاحظ أن أسعار الذهب تتحرك ضمن موجة دافعة قوية (الموجة الثالثة) بدأت من مستويات 726.38 دولار/ للأونصة إلى المستوى التاريخي عند 1920 دولار/أوقية، والذي أكد لنا ذلك هو خط الدعم الصاعد الذي لامست عنده الأسعار أكثر مرة ولكنها لم تستطع كسره.
في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها الاقتصاد العالمي من أزمات، هل سنرى موجة خامسة أخيرة؟
في الحقيقة إننا نقف الآن أمام في مناطق اضطراب حقيقي لا نستطيع عندها تحديد اتجاه أسعار الذهب، ولكن ماذا سيكون مصير الذهب في حالة فشل الاتحاد الأوروبي في الخروج من أزمة الديون السيادية وانهار اليورو واتجه الدولار إلى الارتفاع بقوة ؟.
هل سيلعب الذهب دوره كملاذ آمن وقت اشتداد الأزمة فيصعد رغم تأكيدنا على أن الدولار سيرتفع أيضا وبقوة لسببين، أولهما ضعف اليورو والثاني أن الدولار سيأخذ دوره مرة أخرى كملاذ آمن؟
أم أن الدولار سيرتفع بشكل هستيري لدرجة تؤثر على قوة دفع الذهب؟
دعونا نرى ماذا سيحدث....
منقول للإفادة