كيف دمرت الأزمة الليبية اقتصاد تونس؟
قال تقرير للبنك المركزي التونسي إن تفاقم الأزمة الليبية أعاق نمو الاقتصاد التونسي بشكل ملحوظ خلال السنة المنصرمة.
وقال محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري، تعليقا على التقرير السنوي للبنك، إن المأزق الليبي وضريبة محاربة الإرهاب والتوتر الاجتماعي وضعف الطلب الأوروبي – هي عوامل أدت إلى تباطؤ نمو اقتصاد تونس بشكل كبير.
ضربة للسياحة
وقد تراجع نمو الاقتصاد التونسي من 2,4% عام 2014 إلى 0,8% عام 2015، وفقا لتقرير المركزي التونسي. وهذا السقوط الحر للمؤشرات الاقتصادية ضاعف الضغوط على الدولة التونسية، وتسبب بحالة من عدم الاستقرار الاجتماعي.
وتمثل الجارة ليبيا رقما مهما في الاقتصاد التونسي، نظرا للسيولة التي يوفرها السياح الليبيون من ناحية، ولأن ليبيا تمثل سوقا ضخما للصناعات التونسية. لكن اشتداد الأزمة السياسية والأمنية غيرت المعادلة الاقتصادية؛ حيث ذكر التقرير السنوي للمركزي التونسي أن أعداد زائري تونس الليبيين تراجع بنسبة 23,9% العام الماضي مقارنة بالعام الذي قبله، بما في ذلك السياحة الاستشفائية، التي تراجعت بنسبة 16,9%، وخسرت 179 مليون دينار تونسي من عوائدها.
وتسببت الإغلاقاتُ المتكررة للمعبرين الحدوديين الرئيسين (راس اجدير واذهيبه)، وتدهورُ الأوضاع الأمنية داخل ليبيا، بتراجع أعداد السياح الليبيين الوافدين إلى تونس. كما أن بعض العراقيل، التي وضعتها تونس أمام التحويلات المالية، منعت الليبيين من إيداع أموالهم لدى المصرف المركزي التونسي.
ولهذه الأسباب، قد لا يكون من المفاجئ أنَّ تونس، التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على السياحة، لم تشهد انخفاضا في أعداد السياح المغاربيين إليها نتيجة الأزمة الراهنة باستثناء القادمين من ليبيا، بل على العكس من ذلك، ازداد عدد السياح الجزائريين بنسبة تصل 15,4%.
تراجع الصادرات
وعلى مدى سنوات طويلة ظلت ليبيا أكبر سوق للمنتجات والبضائع التونسية، نتيجة العلاقات الوطيدة بين الشعبين والحكومتين، وبفضل سهولة التنقل بينهما قبل تدهور الأوضاع الأمنية. وتشمل الصادرات التونسية إلى ليبيا النسيج ومواد البناء والمنتجات الزراعية والصناعية.
ولم يكن قطاع الصناعات التونسية الموجهة إلى ليبيا أفضل حالا من قطاع السياحة؛ فقد تراجعت الصادرات في مجال الصناعة بنسبة وصلت 8,3% تحت تأثير ثلاثة عوامل أساسية، وهي: الإغلاق المستمر للمعابر الحدودية الذي أدى إلى بطء وقلة حركة نقل البضائع، والتهديدات الإرهابية على طول الطريق الرابط بين تونس وطرابلس، والانخفاض الشديد للقدرة الشرائية للمواطنين الليبيين، الذين أنهكتهم الأزمة الاقتصادية نتيجة انعدام السيولة وتراجع سعر صرف الدينار الليبي.
ويربط التقرير بشكل مباشر بين تحسن أوضاع الصادرات واستتباب الوضع في ليبيا، وخاصة في مجال البناء، الذي لم تستطع صادراته العودة إلى مستواها قبل عام 2011؛ حيث كانت ليبيا تستورد قبل الثورة كميات هائلة من مواد البناء والسيراميك والزجاج.
وخسر قطاع الأشغال العامة والخدمات الفنية 597 مليون دينار تونسي خلال العام الماضي؛ وهو ما يمثل تراجعا بنسبة تصل 6,9% بسبب انخفاض الطلب الليبي على هذا القطاع.
رأس المال جبان!
وما يثير القلق في تونس هو إحجام المستثمرين الأجانب عن جلب أموالهم إلى تونس نتيجة انتقال عدوى الأزمة الأمنية من ليبيا إلى تونس نفسها. والمفارقة هي في أن تراجع الصادرات التونسية إلى ليبيا يقابله ارتفاع مطرد في وتيرة المسلحين والذخائر القادمين من ليبيا إلى تونس؛ وهو أمر يجد تفسيره في سيطرة الإرهابيين على مناطق بأكملها داخل ليبيا، وعدم ارتباط المسلحين بنقاط العبور التي يزعج إغلاقها حركة الاقتصاد.
ويذهب تقرير المركزي التونسي إلى أن الهجمات الإرهابية المتكررة في تونس وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد أدت إلى تراجع الطلب الخارجي على تونس، التي باتت بعض مناطقها تخيف المستثمرين.
وتقول وسائل إعلام تونسية إن المواطنين التونسيين قلقون على تدهور الاقتصاد أكثر من قلقهم على انتشار الإرهاب؛ في مؤشر يعكس حجم التأزم الاقتصادي والاجتماعي، الذي تعانيه البلاد.
هذا، وطمأن المركزي التونسي مواطنيه بالقول إن النمو الاقتصادي هذا العام سيكون أحسن؛ لكنه يرتفع بوتيرة بطيئة إلى أبعد الحدود. ويذهب التقرير إلى الربط بين تعافي الاقتصاد التونسي وانخفاض التوتر الجيوسياسي، وخاصة في ليبيا، التي تؤثر الأحداث فيها بشكل مباشر على أداء اقتصاد تونس.