هل تعتقد أن الأزمة انتهت؟ نظر بعض زعماء أوروبا السياسيين، على الدوام، إلى الجيشان المستمر منذ عام في منطقة اليورو على أنه هجوم من المضاربين الأنجلو ـ ساكسون. فإذا كان هذا هو رأيك، فبمقدورك أن تسترخي. فالمضاربون يتحركون في الاتجاه المعاكس، والأسواق هدأت، والأزمة انتهت.
من الطبيعي أن ذلك كسل من الناحية الفكرية. وعلى الدرجة نفسها من الكسل محاولة النظر إلى ذلك الجيشان على أنه أزمة مالية محضة، وأنه كان أزمة مالية مباشرة في اليونان وليس في مكان آخر. وبالتالي، تغيير النظام المالي لا يعتبر حلاً منطقياً.
لا بد لأي نقاش جاد حول آلية حل دائم للأزمة أن يبدأ من تعريف أكثر دقة. وأود أن أصف الوضع بأنه أزمة مطلوبات طارئة ناشئة عن أنظمة مصرفية متدنية الرسملة ومشتتة وطنياً، وأن فجوة تنافسية تعمل على زيادة خطورة وضعها. ويمكن اعتبار مكوِّن التنافسية، بحد ذاته ضمن الفئة ''اليائسة، دون أن تكون خطيرة''. غير أن اجتماع مشكلتي الدين والتنافسية أمر خطير.
إذا كنت توافق على أن هذه هي الأزمة التي أنت بحاجة إلى حلها، فإن خطة لتجانس عمر التقاعد، أو التركيز على حركة العمال عبر الحدود، تعتبر أمراً سخيفاً. غير أن ذلك هو ما يدور حوله النقاش في بروكسل في الوقت الراهن. ويمكن لنهج أكثر جدية لحل الأزمة أن يبدأ بخطة على مستوى الاتحاد الأوروبي من أجل إعادة الرسملة وتقليص القطاع المصرفي. وبعد ذلك يمكنك إعادة هيكلة أي ديون سيادية بحاجة إلى إعادة هيكلة. فلماذا الحلم بآليات تنسيق سياسات في عالم ما بعد الأزمة بدلاً من حل المشكلة التي هي بين أيدينا؟
بالنسبة إلى القضيتين الملحتين لحل الأزمة – إعادة رسملة البنوك، وإعادة هيكلة الديون السيادية – فإننا نتقهقر على صعيد الشق الأول، كما يحتمل أننا أن نقلل من تقديرنا لعواقب الشق الثاني. ومن الصعب إعطاء تقدير دقيق للمبلغ الذي تكلفه إعادة رسملة القطاع المصرفي الأوروبي. وقد سمعت عن تقدير ذي صدقية يراوح بين مائة ومائتي مليار يورو. واقترحت اختبارات تحمل البنوك في العام الماضي مبلغاً ضئيلاً هو 3.5 مليار يورو – وذلك في محاولة متعمدة من جانب السلطات التنظيمية الأوروبية لتزييف الحقائق وتضليل الجمهور. ويفيد كل ما أسمعه حول اختبارات تحمل البنوك التالية بأن السلطات سوف تحاول إخفاء الحقيقة مرة أخرى.
لماذا يتردد الاتحاد الأوروبي في حل الأزمة بكل ما يمكن أن يقتضيه ذلك من أمور؟ هناك سببان أولهما أن المنظمين في الدول الأعضاء يركزون على تنافسية القطاع المصرفي الخاص ببلدانهم ويخشون من إمكانية أن تؤدي اختبارات التحمل الحقيقية التي يتم تنفيذها من لندن، من خلال سلطة النشاط المصرفي الأوروبي، يمكن أن تشكل جانباً سلبياً لبنوكهم. والسبب الآخر هو أن الأمر سيكون باهظ التكلفة. وسيتعين على الحكومات تخصيص أموال فعلية لتأميم وإعادة رسملة بنوكها.
وغالباً ما يصاب الأجانب بالدهشة حين يسمعون أن كل عمليات الإنقاذ المالي، حتى الوقت الراهن – القرض الذي حصلت عليه اليونان، وإنشاء تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي في أيار (مايو) الماضي – لم تكلف دافع الضرائب بنساً واحداً. فهذه المبالغ قروض تدعمها الضمانات. وما إن نبدأ في حل الأزمة بالفعل، فإنها ستصبح عالية التكاليف. وسوف تعني إعادة هيكلة الدين السيادي اليوناني خسائر كبرى للبنوك ومجموعات التأمين. وسوف يتحمل بعض هذه الخسائر دافعو الضرائب. وأتوقع كذلك أن تصبح إيرلندا مرغمة على إعادة هيكلة ديونها – على الأقل فيما يتعلق بديون البنوك الكبرى – وسوف تكون لذلك امتدادات مالية مكلفة عبر أوروبا. وفكرة أن بإمكان اليونان وإيرلندا سداد ديونهما بصورة كاملة، وفي الوقت المحدد، فإنها ضرب من انتصار الآمال على كل ما عرفناه من تاريخ الأزمات المالية.
إن الحل الأصيل للأزمة خطير من الجانب السياسي. وبالتالي، السياسيون يجدون أن من الأكثر راحة لهم التحدث عن التنافسية بدلاً من ذلك – كونه موضوعا يعرفونه، كما أنه أسهل من حيث الإعلان عنه. لكن سجلهم في ذلك ليس جيداً. وما عليك سوى أن تتذكر أجندة لشبونة التي هي الآن جهد ميت بين الحكومات لتعزيز تنافسية الاتحاد الأوروبي. فلا يمكنك خلال جلسة عشاء أن تتفق حول أمر مثل النهوض بتنافسية دول جنوبي أوروبا. فهذا أمر يتطلب كثيرا من فقدان السيادة الوطنية، إضافة إلى ما يحدثه من جروح عميقة في الأنظمة الوطنية للمساومة على الأجور.
وحتى الآن لم يتمكن أي بلد، بما في ذلك اليونان، من إعداد شعبه لما لا يمكن أن يشك أحد في أنه سيشكل أكبر تغير في السياسة الاجتماعية على مدى فترة تمتد لأكثر من قرن من الزمن.
وحتى لو تم القبول بميثاق أنجيلا ميركل الخاص بالتنافسية على أساس أنه برنامج تنسيق خالص لفترة ما بعد الأزمة، فإنه ما زال يفتقر إلى الصدقية، لأنه في معظمه تشكل كمحاولة ألمانية لفرض النظام الاجتماعي والاقتصادي الألماني على البلدان الأخرى. إن هذا البرنامج أكبر دفعة للهيمنة الألمانية شهدتها في حياتي. إنه ثمن لقبول المستشارة الألمانية برفع سقف قروضها لتسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي.
وكشيء مقابل شيء آخر، كما هو شأن مثل هذه الصفقات عموماً، فإنني أميل إلى مطالبة ألمانيا بأمر أكبر من مجرد زيادة حجم تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي. وقد أثار سيلفي جولارد، العضو الفرنسي الليبرالي في البرلمان الأوروبي، هذا الأمر في الأسبوع الماضي، حين قال إذا كانت ميركل تتحدث عن التنافسية، فيفترض أن يكون من حق الآخرين الحديث عن سندات منطقة اليورو. ومن المؤكد أنه ليس أمرا جذاباً بالنسبة لإسبانيا أن تكون لديها، مثلا، قوانين عمل تأتيها من برلين وعملة تأتي من فرانكفورت، بينما تظل الديون في إسبانيا.
لست متأكداً من ماهية الأزمة التي ستحلها آلية حلول ميركل. وأرى أن الأزمة التي كنت ألاحظها خلال العام الماضي ستستمر.