في انتقاده للسياسة المالية والنقدية التي تتبعها الولايات المتحدة، وبخاصة سياسة ''التخفيف الكمي التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي، كان جينتاو يتبع سبيلاً مجرّباً على نحو جيد . في ستينيات القرن الماضي، اشتكى فاليري جيسكار ديستان، وزير المالية الفرنسي آنذاك، من''الامتياز المفرط'' الذي يتمتع به الدولار. ورد عليه جون كونالي، وزير الخزانة الأمريكية في عهد ريتشارد نيكسون عندما قال: إن الدولار هو ''عملتنا ومشكلتكم''. إن الفرنسيين والآن الصينيين يرغبون في استقرار أسعار الصرف، لكنهم يمقتون النتيجة التي لا بد من أن تترتب على ذلك: وهي التزام مفتوح بشراء كل الدولارات التي تنتجها الولايات المتحدة. وكلاهما يريد ضبط السياسات الأمريكية. لقد فشلا في ذلك من قبل، فهل من المحتمل أن تكون الأمور مختلفة هذه المرة؟ لا.
لدى الصينيين وغيرهم من المستثمرين الذين يستثمرون بكثافة طريقة غريبة في إظهار عدم ثقتهم في الدولار. ما بين كانون الثاني (يناير) 1999، بعد الأزمة المالية الآسيوية مباشرة، وتشرين الأول (أكتوبر) 2010، زاد المخزون العالمي من احتياطيات العملات الأجنبية بمبلغ مذهل قدره 7.450 مليار دولار. أضافت الصين وحدها لهذا المخزون مبلغ 2.616 مليار دولار. خلال الأزمة المالية الأخيرة، وفرت الاحتياطيات العالمية حاجز حماية لأصحابها، حيث انخفضت بمبلغ 473 مليار دولار فقط عن تموز/يوليو 2008 إلى شباط (فبراير) 2009 ( أي بنسبة 6 في المائة من المخزون الأولي). لكن تمت معاودة عمليات الشراء: ففيما بين شباط (فبراير) 2009 وتشرين الأول (أكتوبر) 2010، ارتفعت الاحتياطيات بمبلغ 2.004 مليار دولار أخرى.
ليس الدولار عملة الاحتياطي الوحيدة، لكنه يظل الأكثر أهمية. في الربع الثالث من عام 2010، عُرف توزيع 56 في المائة فقط من الاحتياطيات العالمية. وكانت نسبة 61 في المائة من تلك الاحتياطيات بالدولار ونسبة 27 في المائة باليورو. إن الصين لا تكشف عن تركيبة احتياطياتها. لكن يجب أن يكون جلها مستثمر في الدولار أيضاً. لماذا وضعت البلدان الفقيرة نسبياً، كل هذه الاستثمارات الضخمة في المطلوبات ذات المردود المنخفض لأغنى البلدان في العالم؟ وفوق كل ذلك في المطلوبات المترتبة على الولايات المتحدة؟ لماذا اشترت الصين بالذات كميات كبيرة من الدين، من بلد لا تثق في سياساته؟ – أكثر من ألفي دولار لكل صيني ونحو 50 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي؟
الجواب هو أن هذا نتاج ثانوي للجهود الرامية للإبقاء على العملة منخفضة، والمحافظة على القدرة التنافسية للصادرات. لم يعد ذلك، هذا إذا كان في أي وقت من الأوقات، نتاج جهد يرمي لشراء التأمين: إذ من المؤكد أن المخاطر على الثروة الصينية التي تنتجها احتياطياتها الضخمة أكبر من فوائد التأمين. وربما كان يصدق ذلك الآن على الجهات التي تتدخل بقوة في أسعار الصرف.
هل يوجد إصلاح مقبول للنظام النقدي العالمي يمكن أن يحل المعضلة الصينية؟ لو قدر أن يعود العالم لمقياس الذهب الكلاسيكي، كما أوصى البعض، سوف تشهد الولايات المتحدة تدفقاً خارجاً للذهب، وستكون مجبرة على التعديل عبر الانكماش. تفضل الصين ذلك، رغم أنه لن يكون جيداً بالنسبة لصادراتها. ولكن ذكر هذه المحصلة يقتضي بيان أنه ليست هناك أية فرصة لحدوثها، فمنذ الحرب العالمية الأولى لم يحتمل أي بلد مهم طريقة التعديل الخارجي تلك. والولايات المتحدة ليست إستونيا.
يتحدث البعض، ومن ضمنهم المسؤولون الصينيون، عن التحول إلى حقوق السحب الخاصة، كواحد من أصول الاحتياطيات. لكن حقوق السحب الخاصة هي فقط سلة من العملات الرئيسية. إن أي مالك للاحتياطيات يستطيع أن يفهم تلك السلة اليوم. إن حقوق السحب الخاصة ليست عملة، ولا يمكنها أن تحل محل العملات التي تتكون منها. وبالنسبة للمستقبل المنظور، سوف يعتمد نظام العملات العالمي على العملات الوطنية التي تصدرها البلدان من دون تغطية. قد يكون إصدار حقوق السحب الخاصة مكملاً ولن يكون بديلاً. ولا يبدو أن الصينيين يعارضون ذلك.
ماذا عن تحويل الرينمنبي نفسه إلى عملة احتياطي عالمية؟ في المدى الطويل جداً، يجب أن يحدث هذا. لكن أي تحرك سريع في ذلك الاتجاه سوف ينطوي على صعوبتين بالنسبة للصين: أولاً، سيكون ذلك معقولاً إذا كان سيتم فك ارتباط هذه العملة بالدولار، وفي هذه الحالة، سوف تنهار الإستراتيجية المركنتلية. ثانياً، لكي تدويل أي عملة، يجب أن تكون قابلة للتحويل والتداول بحرية في الأسواق المالية العميقة والسائلة، وسوف يترتب على الصين أن تتخلى عن الضوابط المتعلقة بأسعار الصرف، وأن تحرر نظامها المالي. وسيصبح من المستحيل إجبار الشعب الصيني على الاحتفاظ بكميات كبيرة من الودائع المصرفية ذات المردود المنخفض. وفوق كل ذلك، سوف تفقد السلطات أهم مصدر لسيطرتها الاقتصادية: ألا وهو النظام المصرفي. من المؤكد أن هذا غير متصور في المدى القريب.
لكن النقطة الكبيرة هي أن الصين لا تستطيع أن تواصل استراتيجيتها المركنتلية، وأن تتجنب أيضاً مراكمة مطلوبات بالدولار ذات قيمة مشكوك فيها في المدى الطويل. هذه هي ''معضلة تريفين'' على إسم الاقتصادي البلجيكي روبرت تريفين، الذي أشار في ستينيات القرن الماضي أنه في نظام السعر الثابت، سوف ينتهي الأمر بمزود الاحتياطيات إلى إدارة عجوزات في ميزان مدفوعاته الأساسي (قبل التمويل النقدي). ويجب أن تشكل هذه العجوزات تهديداً لاستقرار النظام، كما يقول هو.
الحل بالنسبة للصين هو أن تتوقف عن شراء الدولارات بالحجم الراهن، وأن تسمح للرينمنبي أن يرتفع بشكل أسرع. ومن المؤكد أن يخلق هذا مشكلات على صعيد التعديل، لكن هذه التعديلات تخدم مصالح الصين . وبغير ذلك، سوف ينتهي بها الأمر إلى مراكمة احتياطيات أكبر بكثير، ومواصلة تشويه نظامها المصرفي والمخاطرة بفقدان السيطرة النقدية. وحيث إن التضخم يشكل مبعث قلق حالياً، فإن مبرر السماح للعملة بالتغيّر بسرعة أكبر صعودياً قوي جداً.
في خطاب ألقاه قبل زيارة هو، قال تيم غيثنر، وزير الخزانة الأمريكية إنه منذ حزيران (يونيو) 2010، عندما أعلنت السلطات الصينية أنها سوف تستأنف التحرك باتجاه سعر صرف أكثر مرونة، سمحت للعملة بأن ترتفع بنسبة 3 في المائة فقط مقابل الدولار. هذا يعني ارتفاع بنحو 6 في المائة سنوياً بالمعدلات الاسمية، لكنه أسرع كثيراً بالمعدلات الحقيقية، لأن التضخم في الصين أسرع بكثير منه في الولايات المتحدة.
عليه، نعتقد أن من مصلحة الصين أن تسمح لعملتها بأن ترتفع بسرعة أكثر، استجابة لقوى السوق. ونعتقد أن الصين سوف تفعل ذلك، لأن البديل سيكون مكلفاً جداً – بالنسبة للصين ولعلاقاتها مع بقية العالم.
هذا التحليل صحيح بالتأكيد، لكن الأدلة تظهر أن الصين ما زالت مستعدة للتحرك ببطء شديد فقط. وذلك خطأ. إن نصيحتي للزعيم جينتاو بسيطة: إذا أرادت الصين أن تتجنب ظلم ذلك الدولار المخيف، فعليك أن تتوقف عن شرائه، من فضلك.