الأمر المسلي لغاية الآن بخصوص الأوراق السرية المسربة، هو كيف تبين أن هذه المادة تصف العالم كما كنا نعتقد بخصوصه. ويمكن لهذا الأمر أن يكون باعثاً على الاكتئاب بقدر ما يكون مطمئناً في بعض الأحيان. وقد تعلمنا هذا الأسبوع أن احتمالات سلام دائم في الشرق الأوسط، لا تزال بدرجة الكآبة ذاتها التي طالما تحدثنا عنها.كان هنالك الكثير مما يحرج واشنطن في مخبأ ويكيليكس، حيث عملت التقييمات الفجة لدبلوماسييها على إزعاج شركاء أمريكا، ومنافسيها كذلك. وعلى نحو كبير، رغم ذلك، فقد تبين أن الولايات المتحدة تقول معظم الأشياء سرا، كما تبديها علناً.نجد بالمثل أنه لا توجد هنالك مفاجآت كبرى في المادة المسربة الخاصة بعقد من المحادثات غير المثمرة بين إسرائيل والفلسطينيين. وأضاف ما أطلق عليه الأوراق الفلسطينية، تفاصيل إلى الطريق المسدود الكئيب الذي كان يسمى بعملية السلام. الرواية المركزية هي كما بدت في معظمها – ضعف فلسطيني، وحالات من التردد الذي يصطدم بالصلف الإسرائيلي.قد تعتقد أمراً مختلفاً من قراءة بعض العناوين المثيرة التي أوردتها الصحف. وأما قناة الجزيرة في قطر، التي كانت أول من حصل على تلك الأوراق، فكانت تحيك قصة حالة من الجبن: السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس كانت مستعدة لبيع القضية إلى إسرائيل، كما أن صحيفة الجارديان التي حصلت على نسخة متقدمة من محتويات هذا المخبأ، أطلقت صفارتها بنغمة تكاد تكون مشابهة لذلك.هذا البريق يتضمن صورة جبانة لمحمود عباس وهو يعرض، على نحو سري، تسليم إسرائيل معظم القدس الشرقية، والتخلي عن ملايين من اللاجئين. ولست بحاجة إلى أن تكون لديك عقلية متشككة لتستنتج أن الهدف كان إضعاف المفاوضين الفلسطينيين، وإغلاق الباب في وجه أي محادثات أخرى. ولم تكن هذه الضجة أكثر تسبباً بالسرور لأية جهة بأكثر مما كانت لحماس، الجماعة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة.
مع ذلك، فإنك إذا نظرت إلى الطرف الآخر من المرقاب، فإنك سوف تجد أن الجانب الإسرائيلي هو الذي ظهر بأشد المظاهر سوءًا. وبينما كان المسؤولون الفلسطينيون جاهزين – بل شديدي الاندفاع – لمنح الأرض فعلياً لإسرائيل، فإن الإسرائيليين لم يردوا على ذلك إلا بعروض من المؤكد رفضها من قبل الجانب الآخر. وبذلك يتم النظر إلى الضعف الفلسطيني على نحو مفاجئ، وكأنه موقف رجال دولة.هذه الأوراق، بهذه الصورة، تفضح زيف الأكذوبة التي صاغتها حكومة بنيامين نتنياهو حول وجود جانب فلسطيني ضعيف غير راغب في الدخول في المفاوضات على نحو ملائم. يقول نتنياهو إن غياب السلام يعكس غياب شريك فلسطيني يمكن الاعتماد عليه. وفي ظل كرهه الدائم لوجود دولة فلسطينية، فقد كانت تلك، على الدوام، فكرة تبعث على الشك. إن العالم يراها الآن كذلك.بدلاً من ذلك، قوبل الاستعداد الفلسطيني لتقديم تنازلات بعدم مرونة على نحو صلب للغاية. وقد عمل استمرار إنشاء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في القدس، وفي بقية الضفة الغربية، على المزيد من تحويل أدوات القياس ضد الفلسطينيين. واعترف المفاوضون الإسرائيليون بأن المستوطنات تمثل قضماً مستمراً للأرض.يمكن لنتنياهو أن يقول إن سرد هذا السجل من الأحداث يميل إلى أن يكون أقرب إلى جانب واحد. تمثل هذه الأوراق نموذج المحادثات من قبل السلطة الفلسطينية الذي ظل مخبأً على مدى سنوات طويلة. وذلك أمر صحيح، ولكن الدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين، المقربين للغاية من المفاوضات لا يخالفون هذا الوصف للموقف الإسرائيلي. وليس هنالك شيء يوقف نشر نتنياهو للملفات السرية الإسرائيلية.من المهم القول إنه كانت هنالك لحظة، أو لحظتان كان يمكن أن تتخذ إسرائيل خلالهما مساراً مختلفاً. كانت أقرب اللحظتين إلى ذلك حين قدم رئيس وزراء إسرائيل، إيهود أولمرت في 2008، عرضاً شاملاً بخصوص الأراضي للفلسطينيين.ظلت شروط تلك الصفقة المقترحة موضع جدل وخلاف، ولكن فيما عدا بعض مقايضات الأراضي، فقد كانت تمثل عودة دائمة للضفة الغربية، وغزة إلى الفلسطينيين، وسيطرة مشتركة على القدس. أدرك أولمرت كذلك أن تحقيق السلام مع سورية سوف يتطلب انسحاباً إسرائيلياً من هضبة الجولان.أياً كانت التفاصيل الدقيقة، فإن ذلك كان عرضاً من جانب إسرائيل المستعدة للقبول بدولة فلسطينية. وبفصاحة ابتعدت عنه حين كان في منصبه، فسّر أولمرت نتيجة لذلك، تفكيره.استنتج رئيس الوزراء الأسبق أن إسرائيل لن تتمكن من تحويل قوتها العسكرية إلى سلام استراتيجي. ويمكنها الانتصار في كل الحروب مع جيرانها، إلا أن الانتصارات العسكرية، دون صفقة سياسية، سوف تثبت في النهاية أنها غير ذات قيمة.جاء عرض أولمرت متأخراً للغاية، حيث كانت رئاسته للوزراء تترنح بالفعل. وظل من غير الواضح – ما إذا كان العرض – الذي قدم شخصياً إلى عباس – يحظى بدعم تحالف مجلس وزرائه. وبمجرد أن تنحى، اختفت البصائر.أما بالنسبة إلى نتنياهو، فلم يكن هنالك شيء أهم من التمسك بالمنصب. ومن خلال اعتماد على أحزاب اليمين المتطرف التي تعارض وجود اتفاقية بوجود دولتين، حدد موقف إسرائيل برفضها التوقف عن إنشاء المستوطنات. وجود أشخاص متشددين، مثل وزير الخارجية، أفيجدور لبرمان، أكد أنه ليس لدى الفلسطينيين شريك جاد.لا يخرج الأمريكيون بحالة جيدة من هذا الوضع. وكان جورج دبليو بوش، بصورة أو بأخرى، يتلقى التعليمات من إسرائيل. وضغطت إدارة الرئيس باراك أوباما على نتنياهو من أجل تجميد بناء المستوطنات – ولكنها تراجعت أمام رفضه. ويميل فريق عمل أوباما في البيت الأبيض إلى الاعتقاد بالفكرة البالية، بأن قول نعم لنتنياهو هو السبيل الوحيد للتوصل إلى صفقة.إذا كانت هذه الأوراق ترسل رسالة وحيدة، فإنها، على أية حال، أن فرصة التوصل إلى صفقة قد مرت. وحققت المستوطنات هدفها المقصود بإيجاد حقائق على الأرض تمنع إنشاء دولة فلسطينية قابلة للبقاء. إن الجيوب التي سوف تترك للفلسطينيين لا تشبه إلا معسكرات حكم التمييز العنصري في جنوب إفريقيا.هنالك ما يبرر محاولة أخيرة، حتى في ظل وجود مجرد فرصة ضعيفة للنجاح في اجتذابها دعماً من جانب المجتمع الدولي الأوسع نطاقاً، بما في ذلك أوروبا والعالم العربي. وقد تمثل نقطة البداية في قرار من جانب مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى وقف كامل ودائم لإنشاء المستوطنات الإسرائيلية.يمكن لقرار آخر من جانب الأمم المتحدة بعد ذلك وضع المقاييس الأساسية لوجود دولتين، من خلال مزج المخاوف الأمنية الشرعية لإسرائيل، مع إعادة الأراضي والسيادة المشتركة على القدس. والواقع أنه سيكون على الفلسطينيين تقديم تنازلات مؤلمة. وتفيد سجلات الأحداث بأنهم يتفهمون ذلك. من المحزن أنه لا يمكن قول الشيء ذاته عن حكومة نتنياهو.