لماذا تحتاج الولايات المتحدة للتخلي عن زعامة العالم؟
يتعين على المدافعين والممارسين لسياسة "هيمنة أمريكا الكاملة على العالم" أن يفسروا كيف يمكن تحقيق ذلك باقتصاد يعاني من ركود في الإنتاجية وانخفاض في عرض العمالة مع نمو محتمل بـ 1.5 % فقط وعليهم أيضا أن يبينوا كيف يمكن دفع هذه السياسة في الوقت الذي تكافح فيه البلاد مع عجز في ميزانيات القطاع العام بنسبة 5 % من الناتج المحلي الإجمالي ودين عام قدره 20 تريليون دولار وخصوم أجنبية صافية قدرها 8 تريليونات دولار.
ربما يعتقدون أن أمريكا يمكنها طباعة المزيد من الدولارات إلى الأبد؟
هذا ما يقول المؤرخون الاقتصاديون إننا نقوم به منذ أن رفضت واشنطن رفع الضرائب لتمويل الحروب في كوريا وفيتنام.
يناقش تقرير لـ "سي إن بي سي " العذاب الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد الأمريكي بسبب "هيمنة الولايات المتحدة على العالم".
نيكسون وسعر الصرف الحر
- أدى الرئيس ريتشارد نيكسون خدمة كبيرة للبلاد عندما أصدر قرارا بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغطي الدولارات الموجودة خارج حدودها برصيد من الذهب في أغسطس 1971.
- كانت هذه الطريقة الوحيدة لوقف اعتداء الأوروبيين المتواصل على "فورت نوكس" وهي الخزانة الرئيسية لاحتياطي الذهب في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان يطبع 53 دولارا مقابل كل أوقية.
- لم يكن كافيا حصولهم على الدولارات من فوائض تجارية منتظمة مع الولايات المتحدة كانوا يريدون أيضا الذهب الأمريكي بالإضافة إلى حماية عسكرية أمريكية مجانية والتي كانوا يتمتعون بها خلال سنوات الحرب الباردة.
- نشأت مجموعة الدول السبع بمحاولة فرنسية ألمانية "لإقناع" الولايات المتحدة بوقف سياستها النقدية على أساس أسعار الصرف الحرة.
- عارض الألمان هذه السياسة النقدية حيث رفعت الفوائض التجارية الكبيرة للبلاد سعر صرف المارك مما هدد الصادرات الألمانية .
- نتيجة لذلك، كانت أول قمة لمجموعة الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة واليابان وإيطاليا) في نوفمبر/تشرين الثاني 1975 هي "لإقناع" الولايات المتحدة بـ "تثبيت" سعر صرف الدولار بدلا من مطالبة الألمان بتغيير سياساتهم الاقتصادية.
- تثبيت الدولار كان سيعني رفع أسعار الفائدة بشكل حاد وحدوث ركود اقتصادي في أمريكا .
- تعتبر شكاوى الاتحاد الأوروبي التي تقودها ألمانيا الآن حول محاولات واشنطن إعادة تنظيم قانون الضرائب ومراجعة اتفاقياتها التجارية والسعي إلى اقتصاد عالمي أكثر توازنا مجرد نقاش آخر حول "تثبيت الدولار" .
- اشتكت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" في منتدى أعمال مجموعة العشرين في برلين في 3 مايو/أيار من عزم الولايات المتحدة مراجعة سياساتها التجارية.
- بينما لم يذكر أحد كلمة عن تراجع النمو الاقتصادي العالمي الناجم عن الفوائض التجارية الألمانية والصينية بـ 290 مليار دولار و 470 مليار دولار على التوالي.
لا بد من المضي قدما
- لا ينبغي أن يشكل أي من ذلك مفاجأة بالنسبة لأولئك الذين يقدمون المشورة للرئيس الأمريكي بل ينبغي أن يعزز ذلك عزم واشنطن على إصلاح اقتصاد أمريكا المتضرر بشدة.
- لا بد من زيادة الاستثمارات في مجال الرعاية الصحية والتعليم والتقدم التكنولوجي لزيادة مخزون ونوعية رأس المال البشري والمادي.
- من شأن ذلك أن يعمل على تعافي الاقتصاد وأن يوفر الوظائف لـ37 % من الأمريكيين خارج سوق العمل حاليا، وأن يزيد من إمكانات الاقتصاد ونموه بـ 3.0-3.5 % سنويا، وهو النطاق الذي نما به الاقتصاد الأمريكي خلال العقد 1991-2001.
العجز التجاري يشكل أكبر تهديد للاقتصاد الأمريكي
- تعتبر فكرة تمويل الخزانة للعجز الناجم عن التخفيضات الضريبية مجرد خرافة ما لم تكن السياسات الهيكلية والتجارية قادرة على سد التسريبات النقدية الناجمة عن ارتفاع الواردات الأمريكية بمعدل سنوي ضخم قدره 7% في الربع الأول.
- بينما تواصل كل من دول الاتحاد الأوروبي وشرق آسيا حيث تمثلان أكثر من 80 % من العجز التجاري الأمريكي الاعتماد على نماذج نموها القائمة على التصدير.
- سجل تسارع نمو التسريبات النقدية من خلال العجز التجاري معدلا سنويا قدره 6.9 % في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
- إذا لم يتم القيام بشيء بشأن التجارة يمكننا أن نتوقع أن يدفع التحفيز المالي العجز الخارجي إلى تريليون دولار مع اتساع عجز ميزانية القطاع العام إلى 5-6ظھ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وسيرتفع الدين العام إلى 120% من الناتج المحلي الإجمالي.
التدخلات العسكرية الخارجية للولايات المتحدة
- كما أن التدخلات العسكرية الأجنبية الأمريكية تشكل استنزافا كبيرا للاقتصاد وعلى الأوروبيين والآسيويين أن يتعاملوا مع مشاكلهم الأمنية.
- وفقا لمشروع الميزانية المرسلة إلى الكونجرس مؤخرا، فإن واشنطن تتعهد بدفع مليارات الدولارات من قروض صندوق النقد الدولي في محاولاتها لحل المشكلة العسكرية في أوكرانيا.
- كما يجب على واشنطن أن تسمح للدول المجاورة لكوريا الشمالية والصين وكوريا الجنوبية وروسيا واليابان بالتعامل مع المشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية.
- تمثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية 23 % من إجمالي الناتج المحلى العالمي ولديها الآن فائض تجاري مشترك قدره 750 مليار دولار بينما دفعت الولايات المتحدة مليار دولار ثمن نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" لحماية كوريا الجنوبية واليابان.
- تحتاج الولايات المتحدة إلى سد التسرب التجاري البالغ تريليون دولار من أجل زيادة النمو وتمويل التخفيضات الضريبية لتجنب ارتفاع العجز في الميزانية والدين العام.
- ينبغي على الدبلوماسية الأمريكية أن تساعد على تقليص التدخلات العسكرية العالمية التي لا يمكن تحملها، والتي يمكن القول إنها لا داعي لها ولا يمكن استدامتها على الصعيد الإستراتيجي.
- هل يمكن المراهنة على ذلك؟ أو بدلا من ذلك هل يمكن المراهنة على أن الرئيس "ترامب" يفهم أن أيامه في منصبه معدودة ما لم يخفف بشكل كبير من العجز التجاري وتكاليف الانتشار العسكري؟