لماذا تعتبر فرضية وصول الطلب العالمي على النفط إلى الذروة في 2040 محل شك؟
اليوم هناك إجماع حول أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى الذروة، ولكن لا يوجد اتفاق واضح حول موعد وصوله إلى تلك القمة، فقبل بضعة أسابيع أعلنت شركة "شل" الأمريكية توقعها بأن وصول الطلب إلى تلك النقطة سيكون في غضون من 5 إلى 15 عاماً.
بينما أعلنت "أوبك" مؤخرا أن الذروة قد تكون بحلول عام 2029، في حين توقعت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها السنوي الأخير ألا يصل الاستهلاك العالمي للنفط إلى ذروته قبل 2040، مشيرة إلى صعوبة العثور على بدائل للنفط في قطاعات الشحن البري والطيران والبتروكيماويات.
وبلا شك، فإنه حتى أفضل المنظمات قد يكون لديها بعض الخلل، وذلك ينطبق خاصة عندما يتعلق الأمر بطرق التنبؤ غير العلمية، وعلى الرغم من أن وكالة الطاقة الدولية هي على الأرجح الأكثر فاعلية بالمقارنة مع غيرها من المؤسسات الدولية مع سجل من العمل التحليلي الممتاز، إلا أن أحدث تقرير لها يفتقد إلى واحد من أهم العوامل المحركة لسوق الطاقة اليوم، ونتيجة لذلك فإن جودة التوقعات طويلة الأمد للوكالة أصبحت محل شك.
القضية محل النقاش هي "مستوى الطلب"، ووفقاً للتقديرات الأخيرة لوكالة الطاقة الدولية فإن الطلب على النفط سوف يستمر في الارتفاع من مستواه الحالي البالغ 92.5 مليون برميل/يوميا، ولن يصل إلى أقصى مستوى له قبل عام 2040، حيث سيبلغ الاستهلاك العالمي حينها 103.5 مليون برميل/يومياً.
وفي أغلب الأحيان لا تعتمد التوقعات المستقبلية للمؤسسات الدولية على قدر كبير من الدقة، لذلك يجب على الجميع أن يكونوا حذرين جدا في التعامل مع أي تقديرات تحاول التنبؤ بمسار الأحداث لمدة ربع قرن مثلاً قادمة، حيث إنه يتم كتابة كافة تلك التقديرات على أساس من عدم اليقين والمعرفة المنقوصة.
والمشكلة هي أن التوقعات المشيرة إلى الارتفاع المتزايد للنفط خلال العقود الثلاثة القادمة لا تعطي أي وزن لما كان يحدث في الماضي القريب، حيث تراجع إجمالي استهلاك الطاقة الأولية لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنسبة 3% في عام 2015 مقارنة مع عام 2005، في حين تراجع الطلب الإجمالي لدول المنظمة بحوالي 9% في الفترة نفسها.
والأرقام السابقة ليست عشوائية، فالاقتصاد العالمي لديه بالفعل مشاكله، ولكنه ليس في حالة ركود، فقد بلغت نسبة النمو الاقتصادي في مجموعة الدول الـ20 الصناعية الكبرى والتي تمثل 80% من النشاط الاقتصادي العالمي 2.8% في العام الماضي، وذلك في الوقت الذي ارتفع فيه إجمالي الطلب على الطاقة بنسبة 0.5% فقط.
وبينما لا يزال هناك نمو جيد على الطلب في الأسواق الناشئة مثل الهند، إلا أن التقدم في مجالات العلوم والهندسة من المؤكد أن يجلب حلولا جديدة من أجل تجاوز بعض التكنولوجيات التقليدية الموجودة حالياً.
ورغم كل ما سبق، فإن هناك طريقة واحدة من أجل اختبار تلك التوقعات وهي النظر إلى الوراء ومراجعة المحاولات السابقة ودراسة مدى اختلاف النتائج الفعلية عن التوقعات.
بالعودة إلى تقرير وكالة الطاقة الدولية المنشور عام 2006 تحت عنوان "مستقبل الاقتصاد العالمي"، يتضح أن الوكالة الدولية توقعت ارتفاع الطلب على النفط من 84 مليون برميل/يومياً في العام 2005 إلى 99 مليون برميل في العام 2015، ليصل إلى مستوى 116 مليون برميل/يومياً بحلول 2030.
وعلى الرغم من أن بعض الاقتصاديين بالوكالة قد يجادل بأن هذه كانت مجرد توقعات، إلا أن التوقعات التي تخرج عن مؤسسات موثوقة مثل وكالة الطاقة الدولية يأخذها على محمل الجد المستثمرون والشركات فضلاً عن الحكومات التي وضعت خططها وفقاً لتقرير "مستقبل الاقتصاد العالمي" عام 2006، ونتيجة لذلك ربما وقع الكثيرون في بعض الأخطاء الكبيرة بسبب الفجوة بين التوقعات والنتائج، والتي تشير إلى وجود تحيز منهجي في تقديرات وكالة الطاقة الدولية لصالح المبالغة في الطلب.
ومن أجل الحفاظ على مصداقيتها يجب على الوكالة الدولية الآن القيام بنظرة فاحصة على الأنماط المتغيرة للطلب على الطاقة، وينبغي عليها كذلك التفكير في مراجعة طريقة عرضها لتوقعاتها ودراسة إمكانية إصدار أكثر من سيناريو، تحاول خلالها تقديم العوامل الرئيسية المحركة لأسواق الطاقة بين أيدي القراء، ليتمكنوا من إصدار أحكامهم الخاصة حول مستقبل القطاع.