من المعروف أن سمات و دلائل النبوغ تظهر لدي الشخص في سنين حياته الأولى و بداية شبابه، لو كان القرآن من تأليف النبي -عليه الصلاة والسلام- لظهرت عليه دلائل هذا النبوغ في بداية حياته و لإهتمّ قومه به وتحدث به العرب لاهتمامهم بهذه الظاهرة، ولاشتهر في سوق عكاظ الذي كان في مكة مأوى الحجيج وكانوا يقيمون مسابقات شعرية وبلاغية به، و لاكتسب -صلى الله عليه وسلم- مكانة مرموقة بين قومه وافتخر به أهله و عشيرته وانهالت عليه الهدايا والعطايا خصوصاً مع ما عُرف عن كفيله أبي طالب من الفقر. ولعل الآية الكريمة تشير إلى ذلك بقوله تعالى: “قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون.”
لم يُعرف عن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- اهتمامه بالتعلم و الدراسة. فقد صدر القرآن الكريم من شخص غير متعلم . قال تعالى: “و ما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون.”
كان الشعراء أمثال امريء القيس و النابغة و الأعشى وغيرهم، يُحسنون في مجال ما و في مجال آخر نجد لديهم ضعفاً به. أما القرآن فإنه بليغ في كل المجالات و المواضيع وهذا ما ينفي كونه إبداعاً بشرياً.
نزلت الكثير من الآيات من دون تهيئة سابقة أو تبعاً لحدث طاريء أو سفر أو حرب أو نحو ذلك مما لا يسمح بالتمعن ومراجعة النص السابق تجنباً للوقوع في التناقض. “أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا” فقد تكرر الحديث عن نفس المواضيع التي سبق التعرض لها في فترات زمنية متباعدة مما يجعله معرّضاً للإضطراب و التناقض -لو كان نتاجاً بشرياً- فلو كان نتاجاً بشرياً لاقتصر الحديث عن الموضوع مرة واحدة. هذا دليل عقلي لأن الكاذب يتجنب ذكر كذبته أو جزء من كذبته مرة أخرى كي لا ينكشف إذا نساها أو إذا قال شيئاً مخالفاً لما قاله في كذبته.
من الأدلة العقلية كذلك هو اختلاف اللغة بين القرآن والسنة من حيث البلاغة و الفصاحة و نبرة الخطاب. لا يمكن أن يأتيان من تأليف شخص واحد. يتضح أن القران البليغ هو كلام الله تعالى، و أن السنة هي كلام بشري قاله النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
بالإضافة إلى الأخلاق العالية في القرآن، فهذه دليل عقلي على صدق القرآن و صدق نبوة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- فهل هي نتاج شخص كاذب دجال؟ لا يمكن ذلك. لأن الكاذب الدجال لا بد أن تكون أخلاقه سيئة ولا يمكن أن يؤلف كتاباً كاملاً عن الأخلاق. ولا يُمكن أن يتميز النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأخلاق و الأمانة والصدق (حتى أن أعداءه يشهدون بذلك) إن كان شخصاً كاذباً محتالاً. لا بد أن يظهر هذا الجانب من شخصيته ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم- لطالما كان خلوقاً أميناً صادقاً.
عندما اختبأ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في الغار هرباً من كفار قريش الذين كانوا يلحقونه يريدون قتله، رأى هو و أبو بكر أقدام كفار قريش عند باب الكهف و لم يكن بينهم وبين كفار قريش إلا مسافة قريبة جداً، في تلك اللحظة المرعبة كانت أقرب فكرة قد تتوارد لأي انسان في ذلك الموقف هو فكرة الموت. ففي هذه اللحظة الجادة، لحظة الخوف من الموت، ماذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لصديقه أبا بكر -رضي الله عنه- ؟ قال له: “لا تخف إن الله معنا.” لم يقل “دعنا نهرب من الخلف” أو ما شابه. لقد قال قولاً دلّ على صدق إيمانه في لحظة لا يمكن التمثيل فيها. فلو كان كاذباً ممثلاً مخادعاً، لظهر كذبه و تزعزعه في لحظة موت كهذه. ولكنه كان مؤمناً بالله حقاً، نبياً مٌرسلاً صادقا.
من الأدلة العقلية على صدق نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو رفضه لكل إغراءات المال والمناصب التي قدموها له كفار قريش لكي يتنازل و يتوقف عن دعوته. قدموا له عروض بالمال والفتيات الجميلات، ولكنه رفض كل هذه العروض. لو كان كاذباً يسعى إلى مال و منصب، لقبل عروضهم ولأصبح سيد قريش. ولكنه نبي مُرسل صادق. ثم هددوه بالقتل و طردوه من مكة و ذهب إلى الطائف فطردوه بالحجارة حتى تدمّى جسده، و لم يخف من كل التهديدات ولم يتوقف عن دعوته إلى توحيد الله تعالى. فهل هذا شخص كاذب مخادع؟
من الأدلة العقلية على صدق القران الكريم:
لم ينقل القرآن الكريم أفكار عصره أو الأفكار التي كانت سائدة في العصور التي كانت قبله. لو أراد القران نقل ما كان يُعرف في عصر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا آثار لمعتقدات بطليموس (القرن الثاني قبل الميلاد) وكان الناس في عصر النبي يعتقدون أن الشمس تنتقل مع الأرض كنقطة ثابتة. كان ذلك هو نظام المركزية الأرضية السائد منذ بطليموس. و كان أرسطو يعتقد بأن الينابيع المائية تتموّن بواسطة بحيرات جوفية، وهذا كان اعتقاد القرون الوسطى، بينما في القرآن نقرأ: “ألم ترى أنّ الله أنزل من السماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه…” يكشف لنا القران أنّ ماء المطر يموّن العيون المائية، وليس كما كان يُعتقد في القرون الوسطى.
كان أرسطو يعتقد بأن بخار ماء التربة يتكاثف في التجاويف الباردة للجبال و تشكل بحيرات تحت الأرض تغذّي الينابيع. و تبعه فولجر و سينكا و كثيرون في هذا الرأي. ولكن لا نجد لرأيه صدى في القرآن. فكيف يتهمون النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بالسرقة وهو لم يسرق شيء!
إذن، لو كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- شخص كاذب محتال، لماذا لم ينقل في القران الأفكار التي كانت سائدة في عصره والعصور التي قبله؟ لماذا يقول القران حقائق وليس أساطير راجت في عصر النبي محمد و العصور التي قبله؟ الجواب: لأن القران كلام الله تعالى.
وكل عاقل يتدبر القران سيجد أن هناك مواضع في القران يعاتب الله فيها نبيه محمد -عليه الصلاة والسلام- مثل قوله تعالى: “عفا الله عنك لمَ أذنت لهم! ” و قوله تعالى: “عبس وتولى، أن جاءه الأعمى! وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى” فلو كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يسعى لاستقطاب الجماهير، هل سيعاتب نفسه بالقران و سيوضح أخطاءه لهم؟ لا يفعل ذلك عاقل حكيم، فإن الانسان لا يريد من الاخرين معرفة عيوبه او أخطاءه، و لقام بالتغطية عليها! ولكن القران يعاتب النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذا دليل عقلي أنه ليس من تأليف محمد ولكن كلام الله تعالى.
منقوووول