الترجمة الشخصية:
استثمرت بيوت روتشيلد ظروف الحروب النابليونية في أوروبا، وذلك بدعم آلة الحرب في دولها، حتى كان الفرع الفرنسي يدعم نابليون ضد النمسا وإنجلترا وغيرها، بينما فروع روتشيلد تدعم آلة الحرب ضد نابليون في هذه الدول، واستطاعت من خلال ذلك تهريب البضائع بين الدول وتحقيق مكاسب هائلة.
وحدث أن انتهت موقعة "ووترلو" بانتصار إنجلترا على فرنسا، وعلم الفرع الإنجليزي من خلال شبكة المعلومات بهذا قبل أي شخص في إنجلترا كلها، فما كان من "نيثان" إلا أن جمع أوراق سنداته وعقاراته في حقيبة ضخمة، ووقف بها مرتديًا ملابس رثة أمام أبواب البورصة في لندن قبل أن تفتح أبوابها، ورآه أصحاب الأموال، فسألوه عن حاله، فلم يجب بشيء.
وما إن فتحت البورصة أبوابها حتى دخل مسرعًا راغبًا في بيع كل سنداته وعقاراته، ولعلم الجميع بشبكة المعلومات الخاصة بمؤسسته، ظنوا أن معلومات وصلته بهزيمة إنجلترا، ومن ثَم أسرع الجميع يريدون بيع سنداتهم وعقاراتهم، وأسرع "نيثان" من خلال عملائه السريين بشراء أكثر ما عرض من سندات وعقارات بأسعار زهيدة، وقبل الظهر وصلت أخبار انتصار إنجلترا على فرنسا، وعادت الأسعار إلى الارتفاع؛ فبدأ يبيع من جديد، وحقق بذلك ثروة طائلة، وبين مشاعر النصر لم يلتفت الكثيرون لهذه اللعبة الخبيثة.
أما في جانب تبادل الخبرات، فقد كانت مؤسسات روتشيلد -على عادة المؤسسات اليهودية- تعمل بصورة أساسية في مجال التجارة والسمسرة، ولكن تجربة بناء سكة حديد في إنجلترا أثبتت فاعليتها وفائدتها الكبيرة لنقل التجارة من ناحية، وكمشروع استثماري في ذاته من جانب آخر، وبالتالي بدأت الفروع الأوروبية في إنشاء شركات لبناء سكك حديدية في كافة أنحاء أوروبا، ثم بنائها على طرق التجارة العالمية؛ لذا كان حثهم لحكام مصر على قبول قرض لبناء سكك حديدية من الإسكندرية إلى السويس.
ومن ثم بدأت مؤسسات روتشيلد تعمل في مجال الاستثمارات الثابتة، مثل: السكك الحديدية، مصانع الأسلحة والسفن، مصانع الأدوية، ومن ثم كانت مشاركتها في تأسيس شركات مثل شركة الهند الشرقية، وشركة الهند الغربية، وهي التي كانت ترسم خطوط امتداد الاستعمار البريطاني، أو الفرنسي أو الهولندي أو غيره. وذلك على أساس أن مصانع الأسلحة هي التي تمد هذه الجيوش بالسلاح، ثم شركات الأدوية ترسل بالأدوية لجرحى الحرب، ثم خطوط السكك الحديدية هي التي تنشر العمران والحضارة، أو تعيد بناء ما هدمته الحرب.