بكين مُحقة في تجاهل النداءات بشأن عملتها
ستيفن كنج
في حين يعتقد كل واحد في واشنطن بضرورة إعادة تقييم الرنمنبي، الأمر ليس كذلك في الصين. ولعل الصينيين على حق؟ من السهل في نهاية المطاف أن تلقى مسؤولية الاختلالات التجارية على مكائد سعر الصرف الشريرة التي يحيكها الآخرون. ففي منتصف ثمانينيات القرن الماضي كان يفترض أن يكون فائض اليابان ناتجاً عن التخفيض المتعمد لقيمة الين. لكن بينما ارتفع الين ارتفاعاً كبيراً منذ ذلك الوقت – كما يتضح من القرار التي اتخذه بنك اليابان في الأسبوع الماضي بخفض سعر صرف الين – نما الفائض الياباني بعناد أيضاً.
والآن الصين هي التي ينصب عليها حنق واشنطن. فالولايات المتحدة تعتبر، بحق، أن الصين هي منافستها على الصعيد العالمي في القرن الواحد والعشرين، وهذا أحد الأسباب لعدم تحمس الصين للإذعان لمطالب واشنطن. لكن ممانعة الصين تعكس بدورها شكوكاً مبررة أكثر. فقد تم التعبير عن الحكمة التقليدية بوضوح من قبل تيم جايتنر، وزير الخزانة الأمريكية، في شهادته أمام الكونجرس الأسبوع الماضي: انخفاض قيمة العملة ''يساعد قطاع التصدير الصيني ويعني ارتفاع قيمة الواردات في الصين إلى مستوى أعلى مما يمكن أن تكون عليه بغير ذلك''، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك المحلي. هذه الحجة تفترض أن التحركات في أسعار الصرف الاسمية تؤدي إلى تعديلات دائمة في القدرة التنافسية، وهذه بدورها تؤدي إلى تحقيق تخفيضات في الاختلالات العالمية الراهنة. وهناك عيوب كبيرة في كلا الحجتين.
ففيما يتعلق بالحجة الأولى، ما زالت مداخيل الأفراد في الصين منخفضة نحو ثلاثة آلاف دولار سنوياً، مقارنة بدخل الفرد البالغ 40 ألف دولار في الولايات المتحدة. وهذه الفجوة تضيق ببطء بسبب الطريقة التي استقطب بها انفتاح الصين رأس المال والإدارة عاليتي الجودة، واللتين إذا أضيف إليهما فائض العمالة الرخيصة بشكل ملحوظ يجعل الصين منافساً فائق القدرة. بعبارة أخرى، حصة الصين المتنامية في التجارة العالمية لا علاقة لها بانخفاض قيمة عملتها.
وزيادة على ذلك، إعادة تقييم العملة لن يفعل الكثير لتغيير مركز الصين التنافسي. ويتمثل أهم تخصيص سيئ للموارد في الصين في العمالة غير المستغلة كما ينبغي. إن احتياطي الصين الذي لا حدود له تقريباً من العمال الريفيين الفقراء يقيّد السرعة التي يمكن أن ترتفع بها الأجور، إذا وضعنا في الحسبان أن الأجور الأعلى بشكل متواضع تستقطب مزيداً من العمالة إلى مدنها الآخذة في الازدهار، الأمر الذي يحد بدوره من تحقيق مزيد من المكاسب في الأجور. وإذا ارتفعت قيمة الرنمنبي، ستصبح تلك القيود أكبر، وحدوث خسارة مؤقتة لقدرة الصادرات التنافسية سيعوضها انخفاض الأجور المحلية. من هنا، فإن زعماء الصين محقون تماماً في قولهم إن حدوث ارتفاع في سعر الصرف لن يحقق الكثير خارج المدى القصير جداً، ويضر بعمال الصين في الأجل الطويل.
وتحيط الشكوك بالقدر نفسه بالافتراض الثاني. صحيح أن صناع السياسات يبذلون جهوداً مضنية باستمرار لتغيير أسعار الصرف باعتبارها وسيلة لإعادة التوازن الاقتصادي. فقد حاولت اليابان في ثمانينيات القرن الماضي، لكن مع الضعف الذي اعترى صادراتها ازدهر اقتصادها، الأمر الذي مهد الطريق للفقاعة التي تشكلت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وما أعقبها من ركود انكماشي. وفي المملكة المتحدة انخفضت قيمة الجنيه الاسترليني عام 2008، لكن الأداء التجاري ما زال بائساً. ويمكن أن تستشهد الصين بأي من هذين المثالين سببا لعدم التحرك بجرأة.
لكن ألا يدل الارتفاع في احتياطيات بكين من العملة الأجنبية على أن الصين تتلاعب في سعر صرف عملتها؟ حتى في هذا الشأن، أنا غير مقتنع. فمن المرجح أن الصين تريد أن تحول ما لديها من دين على الولايات المتحدة إلى عدد أوسع من الأصول، بما في ذلك الشركات الأمريكية. لكن الكونجرس لا يمكن أن يكون أقل حماساً. وفي واقع الأمر، في ضوء ميل مجلس النواب لحظر عمليات الاستحواذ الصينية لدواع تتعلق بالأمن القومي، فإن الصين مجبرة تقريباً على استثمار فائضها في الدولارات.
وبما أن الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن أي ارتفاع في قيمة الرنمنبي لا بد أن يتزامن مع انخفاض في قيمة الدولار. إذن، بعد كل هذا ربما يكون من الأصح وصف سياسة أمريكا فيما يتعلق بسعر الصرف بأنها سياسة هدفها خفض قيمة الدولار وليس إعادة تقييم الرنمنبي – الأمر الذي لا يعكس متاعب أمريكا التجارية بل ديونها المفرطة. وإذا انخفضت قيمة الدولار، فإن قيمة جميع سندات الخزانة التي تم إصدارها لدعم النظام المالي الأمريكي ستكون منخفضة كثيرا بالرنمنبي. وسيعتبر ذلك بالنسبة إلى الصين نوعاً من العجز عن السداد. لا عجب إذاً ألا يكونوا حريصين على رفع قيمة عملتهم.
إذن، ما الذي يمكن عمله؟ ينبغي أن تتراجع الولايات المتحدة عما بدا يصبح خطاباً حمائياً بصورة متزايدة. ولا ينبغي أن ينسى الأمريكيون أن حزم حوافزهم المالية كانت ممكنة فقط بفضل عمق جيوب البلدان الدائنة كالصين. إن العقوبات يمكن ببساطة أن تدخل العالم في دوامة من الحمائية، وفي حالات جيشان في أسعار الصرف، وصدمات في أسعار الفائدة.
ولهذا، من الأفضل لها كثيراً أن تدرك أن الاعتماد المتبادل بين هاتين القوتين العظيمتين يجعل أي تهديد من هذا القبيل يؤدي إلى عكس النتائج المرجوة. في هذه الأثناء، ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل مع بكين من أجل دفع الإصلاحات التي تقوم حاجة كبيرة لها في مجال الضمان الاجتماعي والائتمان الاستهلاكي في اقتصاد الصين المحلي. وإلى أن تحدث هذه الإصلاحات وتتعلم الأسر الصينية كيف تنفق، لا أن تدخر، فإن فائض الحساب الجاري للصين لن يزول بغض النظر عما يؤول إليه الرنمنبي.
الكاتب كبير الاقتصاديين في بنك HSBC ومؤلف كتاب ''فقدان السيطرة: تهديدات البلدان الناشئة للرخاء الغربي''Losing Control: The emerging threats to western prosperity