خلافات أعاقت حلا مبكرا لأزمة أوروبا
بعد شهرين من انهيار بنك ليمان براذرز المدوي في سبتمبر/أيلول 2008، أنشأت مجموعة من زعماء أوروبا قوة خاصة أحيطت بسرية شديدة حتى أنه أطلق عليها المجموعة التي لم تكن موجودة.
وبعدما دخلت اليونان في الأزمة المالية بعد عام واحد من أزمة ليمان براذرز، كان على فريق العمل الخاص الذي لم يعلن عنه من قبلُ الاتفاق على إستراتيجية.
وسعى الفريق جاهدا لاحتواء الاختلاف حول ما إذا كان يجب إنقاذ عضو في منطقة اليورو يصارع الأزمة، لكن الفريق لم يجد أي إجابة على هذا السؤال.
على شفير الانهيار
تقول وول ستريت جورنال إن تحقيقات أجرتها مع عدد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي كشفت أن الاختلافات التي ظهرت بين أعضاء الفريق دفعت بالاتحاد النقدي الأوروبي إلى شفير الانهيار.
وفي بداية مايو/أيار الماضي وقبل موافقة ألمانيا وفرنسا على التعهد مع الدول الأوروبية الأخرى وصندوق النقد الدولي بتقديم نحو تريليون دولار للاقتصادات التي تعاني من أزمة مالية بأوروبا، أبلغت وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغارد الوفد الفرنسي بأن منطقة اليورو "على وشك الانهيار"، طبقا لمصادر مطلعة.
ومن شأن ارتدادات انهيار منطقة اليورو التأثير في كافة أرجاء العالم. كما أن إفلاس بلدان أوروبية كان يمكن أن يخلق أزمة في النظام المصرفي العالمي يكون لها آثار أشد فتكا بالاقتصاد العالمي من انهيار بنك ليمان براذرز.
وتقول وول ستريت جورنال إن الخلافات الأوروبية تدفعها الاختلافات الأيدولوجية التي تعيق البحث عن حلول لأخطاء هيكلية في بناء الوحدة النقدية.
وتشير إلى أن الخلافات العميقة حول السياسات الاقتصادية بين شمال أوروبا وجنوبها.. بين ألمانيا وفرنسا.. وبين الحكومات والمؤسسات الاتحادية في أوروبا، أعاقت التوصل إلى حل مبكر للأزمة.
واضطر زعماء أوروبا إلى طرح خلافاتهما جانبا فقط عندما اقتربت منطقة اليورو من حافة الهاوية.
ومما زاد الطين بلة أن أهم قائدين أوروبيين من حيث تحديد مصير اليورو كان لكل منهما أجندة مختلفة وقد تصطم مع الأخرى، إضافة إلى حقيقة أنهما يواجهان مخاطر تتعلق بزعامتيهما.
فكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المعروف بتدفق مبادراته الجديدة، يواجه هبوطا في شعبيته، وكان يرى أن مشكلات اليونان ستعصف بمنطقة اليورو، واستخدم هذه القضية في دعم شعبيته محليا.
أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقد كانت الأزمة أكبر اختبار لمنصبها.
وكما هو الطابع المعروف عن شخصيتها المليئة بالحذر والذي يتسم بالتوجه نحو طلب المشورة، خشيت ميركل غضب الناخبين والمشرعين الألمان وخسارتها أمام المحكمة العليا إذا عرّضت أموال دافعي الضرائب للخطر من أجل مصلحة اليونان التي جلبت على نفسها مشكلة عجز الموازنة.
ورغم ضغوط ساركوزي، قاومت ميركل حلا سريعا للأزمة.
رغم ضغوط ساركوزي، قاومت ميركل
حلا سريعا للأزمة (الفرنسية-أرشيف)
صندوق الإنقاذ
واستطاعت أوروبا في نهاية الأمر إنشاء صندوق الإنقاذ وقوامه نحو تريليون دولار، واستطاع نزع فتيل الأزمة لكنه لم يطفئها نهائيا، فلا يزال تكدس الدين العام يمثل تحديات كبيرا خاصة لليونان وإيرلندا.
وبدأت أزمة الدين الحكومي بمنطقة اليورو تسترعي اهتمام صناع السياسة الأوروبيين في أكتوبر/تشرين الأول 2008 بعد أزمة ليمان براذرز.
فقد وجدت المجر -وهي من أعضاء الاتحاد الأوروبي- التي لا تستخدم اليورو نفسها غير قادرة على بيع سنداتها للمستثمرين، فتعهد الاتحاد وصندوق النقد والبنك الدوليان بتقديم 20 مليار دولار على شكل قروض لبودابست.
لكن سرعان ما اكتشف الاتحاد أنه ليس لديه أدوات لإنقاذ أحد أعضائه في أوقات الأزمة، فاتفاقياته توضح أن اتفاقية إنقاذ المجر لا يمكن تطبيقها على دول منطقة اليورو.
ولمعظم مسؤولي الاتحاد كان طلب مساعدة صندوق النقد الدولي مستبعدا جدا.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2008 كان فريق العمل الأوروبي يجتمع بصورة سرية لإعداد خطة لمواجهة أزمة مثل أزمة المجر.
واجتمع الفريق الذي ضم مسؤولين دون الوزراء من فرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي على هامش القمم الأوروبية واجتماعات المجالس المختلفة في بروكسل ولوكسمبورغ.
وقالت وول ستريت جورنال إن الدول المحتملة لمواجهة الأزمة كانت البرتغال وإيرلندا واليونان وإسبانيا.
وظهرت اختلافات بين أعضاء الفريق حيث كانت ألمانيا ترى أن قواعد منطقة اليورو لا تسمح بإنقاذ الدول المسرفة، في حين كانت فرنسا ترغب في إعطاء المزيد من الحرية للحكومات لمساعدة بعضها البعض.
كما ظهرت الاختلافات حول ما إذا كان على مؤسسات الاتحاد أن تسهم في عمليات الإنقاذ.
وطالبت المفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذي للاتحاد- بدور مركزي في عملية تقديم القروض، وساندتها فرنسا في حين خشيت ألمانيا تحوّلا في السلطة فترددت في وضع أموالها في يد الاتحاد. وأصرت برلين على ضرورة أن يتم تقديم القروض عبر الدول منفردة للدولة التي تعاني من أزمة داخل منطقة اليورو.
تحول الفلسفة إلى حقيقة
وتحولت الخلافات من الفلسفة إلى الحقيقة بعدما أعلنت اليونان حجم العجز في موازنتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وفي فبراير/شباط الماضي فتح فريق العمل الأوروبي الباب أمام الدول الأخرى -ما عدا اليونان- للمشاركة في أعماله.
وكانت ألمانيا ترى أن اليونان تنفق أكثر من مواردها ولا تقوى على المنافسة الاقتصادية، ولذلك طالبت بإجراءات ترشيد إنفاق قاسية وافقت عليها أثينا فيما بعد مقابل حزمة من المساعدات تصل إلى 30 مليار دولار من القروض مناصفة بين البنوك الألمانية والفرنسية إضافة إلى قرض من صندوق النقد الدولي.
وكان فريق العمل الأوروبي يرى أن أوروبا وحدها المسؤولة عن إنقاذ دول منطقة اليورو مع استبعاد دور صندوق النقد، لكن ميركل رأت ضرورة طلب مساعدته لإقناع الشعب الألماني بأن خطة الإنقاذ ستكون ضمن برنامج قاس يفرضه على اليونان ويؤدي إلى خشية الدول الأخرى بالمنطقة من طلب المساعدات منه مرة أخرى.
المصدر:وول ستريت جورنال