ما العمل؟ على بكين تقليص إقراض واشنطن
"ديفيد لي"
الصين هي أكبر مقرض أجنبي للولايات المتحدة، حيث إنها تقتني نحو 8 في المائة من إجمالي سندات الخزانة الأمريكية. معظم الصينيين على الإنترنت وصناع الرأي ليسوا عالمين بالنزاع على الميزانية في أمريكا. لكن يفهم معظم الصينيين تقريباً أن الحكومة الأمريكية، كانت تلعب اللعبة العالمية الاقتصادية لمصلحتها.
تصدر الحكومة الأمريكية، بأسعار فائدة قريبة من الصفر، سندات الخزانة التي يشتريها المستثمرون من كل أنحاء العالم. وطالما كان بمقدور الحكومة الفيدرالية زيادة كميات الديون بمعدل أبطأ من النمو في الناتج المحلي الإجمالي (الذي يبلغ في العادة ما بين 2 إلى 4 في المائة سنوياً) ناقصاً سعر الفائدة الحقيقي (الذي بلغ في السنوات الأخيرة صفراً أو حتى سالباً)، تستطيع إصدار السندات وترحيل الدين تقريباً إلى الأبد، دون أن تشغل بالها بسداد الديون.
المثير بالنسبة لمعظم المحللين الصينيين هو أن الكونجرس والبيت الأبيض لا يبدو عليهما أنهما يفهمان منافع اللعبة. ودليل ذلك هو فوضى الميزانية الأمريكية. الخلافات المريرة حول الميزانيات الحكومية أمر معروف بين السياسيين في جميع أنحاء العالم. وهذا أمر جيد. لكن الإعسار من الناحية الفنية بخصوص بعض السندات الأمريكية الحالية، سيكون بداية النهاية بالنسبة للعبة الرائعة التي كانت تلعبها الحكومة الفيدرالية.
الأمر الصعب على الفهم بالقدر نفسه، من منظور كثير من أساتذة الاقتصاد، هو موقف وسلوك الحكومة الصينية فيما يخص موضوع السندات الأمريكية. لسنوات كثيرة كان الاقتصاديون الصينيون يجادلون بأنه ينبغي للحكومة التنويع بعيداً عن السندات الأمريكية، مستبقين بذلك العجز الضخم في الميزانية الأولية والخلافات السياسية.
لكن بكين زادت في الواقع من مشترياتها. يجادل كثيرون بأن السبب في ذلك هو عدم وجود طرق بديلة لإدارة احتياطيات العملات الأجنبية الضخمة في الصين. لكن هذا الافتراض غير صحيح.
أحد البدائل – رغم أنه ربما لا يكون سهلاً – هو بيع نصف ما لديها من سندات الخزانة الأمريكية (نحو 1.2 تريليون دولار) وتخصيص الأموال بين ثلاث فئات من الأصول المالية.
أولاً: من الممكن أن تشتري لغاية 5 في المائة من أسهم جميع الشركات الدولية العاملة في السوق الصينية، والمدرجة في البورصات العالمية. إن شراء الأسهم في هذه الشركات، يعتبر بمثابة استثمار في الصين نفسها.
ثانياً: ينبغي أن تزيد مقتنياتها من جميع السندات السيادية غير الأمريكية التي تحظى بمرتبة ائتمانية تزيد على AA+، مثل السندات الحكومية الألمانية أو النمساوية. يمكن لهذا أن يساعد في التحوط ضد مخاطر انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى.
ثالثاً: بإمكانها أن تشتري شركات المنافع العامة في البلدان المتقدمة اقتصادياً. مثل هذا النهج من شأنه أن يقلص بصورة كبيرة من اعتماد بكين على السندات الأمريكية.
التفسير الوحيد لاهتمام الحكومة الصينية في السندات الأمريكية هو علاقتها مع الولايات المتحدة.
تمثل مقتنيات الصين سيناريو "الرهينة" وفي الوقت نفسه أداة إمساك وترابط في أكبر اقتصادين في العالم. كل سنة في أيار (مايو) يجتمع نائب رئيس الوزراء الصيني مع وزير الخارجية الأمريكية، في حوار استراتيجي واقتصادي. تعمل مقتنيات الصين من السندات الأمريكية على تذكير المندوبين الأمريكيين، بأن عليهم التخفيف من هجماتهم على المواضيع التي من قبيل التلاعب المزعوم في العملة أو المساعدات للشركات المملوكة للدولة.
إنه بالفعل توازن اقتصادي سياسي دقيق – ومن الممكن أن ينهار بسرعة إذا أدى الموقف السياسي الأمريكي إلى خلق تهديد فعلي بالإعسار. وحتى لو كانت الولايات المتحدة قادرة على تجنب كارثة الإعسار، فإن احتمال تكرار اللبس يعني أنه لا توجد ضمانات أن يكون بمقدور الحكومة الصينية مقاومة الضغط الداخلي، خصوصاً من الاقتصاديين، الذين يطالبون بالتنويع بعيداً عن الاستثمارات في السندات الأمريكية. كذلك يصعّد مواطنو الإنترنت الضغط الآن على صناع القرار الصينيين، من أجل وقف الإقراض للحكومة الفيدرالية الأمريكية.
ربما يتعين على الصين الرضوخ للضغط الداخلي والسعي لتحقيق مصالحها الاقتصادية باتباع نهج اليابان، التي تدَّعي أنها تتمتع بأفضل تحالف في آسيا مع الولايات ألمتحدة لكنها بدأت بالتخلص مما لديها من سندات الخزانة الأمريكية. لا نعلم إلى أي وقت سيسود المنطق السياسي طويل الأمد، على المنطق الاقتصادي العقلاني.