برلسكوني يفقد القدرة على زعزعة السوق
رالف أتكينز من روما
ما هو الشيء الذي يبعث حقاً على قلق المستثمرين في أوروبا؟ الإشكالات السياسية في الولايات المتحدة بطبيعة الحال: إغلاق الإدارة في أكبر اقتصاد في العالم لا يبعث على الثقة الاقتصادية في أي مكان. ولكن السياسة الداخلية في منطقة اليورو هي أقل وجعاً للرأس من قبل.
شبه الانهيار الذي وقع هذا الأسبوع في الحكومة الإيطالية بفعل سيلفيو برلسكوني أنشأ موجات قليلة بشكل ملحوظ في أسواق السندات، على الرغم من أن أداء الأسهم كان أسوأ. التصرفات الغريبة لرئيس الوزراء السابق فقدت القدرة على الصدمة: انتهى المطاف بالعوائد على السندات الحكومية الإيطالية لأجل 10 سنوات بنقطتي أساس تافهتين يوم الإثنين بعد أن سحب وزراءه من الائتلاف الذي يقوده إنريكو ليتا، رئيس الوزراء الذي يمثل يسار الوسط. قبل أكثر قليلاً من عام، هدد ارتفاع تكاليف الاقتراض في ثالث أكبر اقتصاد في المنطقة، بالقضاء على وجود الاتحاد النقدي نفسه في أوروبا.
يبين لنا رد الفعل الضعيف كيف انتقلت أزمة منطقة اليورو بشكل حاسم إلى مرحلة أقل وجودية وأقل نشاطاً.
الأمر الذي يهم الكثيرين في الأشهر المقبلة هو المحافظة على الانتعاش الاقتصادي الوليد، والذي من شأنه أن يقلل الضغوطات المزمنة على المالية العامة والميزانيات العمومية للبنوك. ومن أجل هذا ستعتمد أوروبا بقدر أكبر من الثقة على آفاق النمو في الولايات المتحدة - سياسة متماسكة في المالية العامة ستكون شيئاً لطيفاً، إذا سمحتم - والتطور السلس للسياسات النقدية للاحتياطي الفدرالي الأمريكي.
خلفية قوية
في داخل الاتحاد النقدي الأوروبي، يواصل البنك المركزي الأوروبي تقديمه لمساندة فعالة ضد الأحداث الكارثية - على الرغم من أن ماريو دراجي، رئيس البنك، لم ينفق حتى الآن ولو 1 في المائة من تعهده للقيام "بكل ما يلزم" للحفاظ على سلامة منطقة اليورو، وممارسة التدخل غير المحدود لسوق السندات إذا لزم الأمر.
النتيجة كانت ملل المستثمرين من السياسة الإيطالية. تفترض الأسواق أن السياسيين في روما سوف يتراجعون عن حافة الهاوية. في الواقع، أظهر سيلفيو برلسكوني استعداده لتقديم تنازلات وسط تهديدات من تمرد داخلي في حزبه عن يمين الوسط.
وتمت مساعدة الصمود في سوق السندات من خلال حقيقة أن المستثمرين الأجانب المتقلبين فروا منذ فترة طويلة؛ نسبة السندات الحكومية المملوكة محلياً هي الآن 61 في المائة في إيطاليا و66 في المائة في إسبانيا، وفقا لبنك باركليز.
تحسنت المشاعر حول مقاومة منطقة اليورو للأزمات المستقبلية. يظهر هذا في التراجع الكبير في مؤشرات المخاطر المنهجية التي أعدها المركزي الأوروبي، التي ترصد خطر وقوع أزمة في جزء في النظام المالي الذي ينتشر ليؤثر في الأجزاء الأخرى. وقد تراجع المؤشر المركب CISS للإجهاد المنهجي في نهاية الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى له منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2007. لكن لا يعني التراجع اختفاء الخطر من بنك معين أو أزمة سيادية معينة، لكن المستثمرين نادراً ما عادوا يشعرون بالقلق بخصوص هذه الاحتمالات.
تفترض السوق ضمناً أن الإصلاحات الهيكلية في منطقة اليورو تسير في الاتجاه الصحيح، حتى وإن كان التقدم بطيئاً بصورة مؤلمة – وما زال عالقاً بانتظار تشكيل حكومة جديدة في برلين، بعد الانتخابات العامة في ألمانيا في الشهر الماضي.
لكن هناك افتراض آخر، وهو استمرار المساندة لأسعار الأصول والاقتصادات من البنوك المركزية العالمية – لكن دون المخاطر على الأمد الطويل. وحين نستمع إلى المستثمرين الأوروبيين الذين حضروا مؤتمر بنك يوني كريديت في الأسبوع الماضي في ميونيخ في جنوب ألمانيا (حيث ساهم احتفال أكتوبر بتوفير الأجواء المناسبة لمناقشة آثار السيولة المفرطة)، كان من الواضح أنه لا المركزي الأوروبي ولا مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يُتوقع منهما تفكيك السياسات النقدية المتراخية، بصورة مفرطة خلال أي وقت سريع على الإطلاق.
وفي استبيان مع نحو 160 شخصاً من المشاركين في المؤتمر، تبين أن الأغلبية تتوقع إجراءات جديدة من قبل المركزي الأوروبي في الشهور الـ 12 المقبلة. والخيار الأرجح هو عرض جديد للبنوك يتألف من قروض رخيصة لعدة سنوات.
المخاوف حول الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمر اللافت للنظر هو أن تكاليف الاقتراض الأمريكية كان يُتوقع لها أن تظل قريبة من معدلاتها التاريخية المتدنية الحالية لمدة سنة أخرى على الأقل. ورغم أن هذا من شأنه تقليص المخاطر في أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة في السوق إلى القضاء على الانتعاش في منطقة اليورو، إلا أنه يعكس إحساس المستثمرين بالتشاؤم – أي الخشية من أن الانتعاش الأمريكي لم يكن قوياً كما كان يرجو الناس، حيث أنه يعتمد على ارتفاع أسعار المساكن، ومكشوف أمام مأزق السياسة المالية العامة والسياسة النقدية في واشنطن.
هناك وجهة نظر شائعة وهي أن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الشهر الماضي بتأجيل الانسحاب التدريجي لمشترياته من الأصول ترك البنك "عالقاً في مأزق"؛ وسيكون من الصعب كثيراً الخروج من التسهيل الكمي، وحين يفعل سيكون التقلب أعلى.
قال جوردانو لومباردو، كبير الإداريين الاستثماريين في شركة بايونير إنفستمنتس في ميونيخ : "هناك كثير من الأمور الرائعة في الولايات المتحدة، لكن سياستها النقدية هي مصدر قلق كبير".
أكثر من خُمس الذين شاركوا في الاستبيان في "يوني كريديت" قالوا إنهم يعتقدون أن العوائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، التي تبلغ حالياً 2.64 في المائة، سوف تكون في الواقع أدنى من 2.5 في المائة خلال 12 شهراً. وقال أقل من 15 في المائة منهم إنهم يتوقعون أن تكون أعلى من 4 في المائة.
لكن المستثمرين الأوروبيين غير مقتنعين بأن العالم يسير على خطى الإصلاح فعلاً.