هيني سِندر من واشنطن
بعد أن أعلن "الاحتياطي الفيدرالي" قراره بألا يبدأ في بيع الأوراق المالية، أرسل بنك يو بي إس مذكرة إلى العملاء يصرح فيها "مرحى، لم يتغير شيء"! في هذه الأثناء أرسل "دويتشه بانك" مذكرة بحثية احتفالية استشهد فيها بالحقيقة القائلة "إن السيولة ستظل وافرة ورخيصة لفترة أطول".
لم تكن تنهيدات الارتياح مسموعة أكثر مما كانت في الأسواق الناشئة في آسيا. في إندونيسيا، وهي من بين الدول التي لحق بها أكبر قدر من الأضرار بسبب إمكانية تراجع السيولة، سجلت السوق ارتفاعاً بنسبة 4.8 في المائة، وسجلت السوق الأسترالية ارتفاعاً بأكثر من 1 في المائة، في حين أن الفلبين ارتفعت بأكثر من 3 في المائة. أما هونج كونج، الحساسة دائماً للتطورات عبر الحدود، فقد ارتفعت تقريباً بنسبة 20 في المائة منذ نهاية حزيران (يونيو) حين تضررت الثقة بسبب الاقتران بين الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة الصينية وسياسة الفم المفتوح من "الاحتياطي الفيدرالي".
لكن سيكون مصير تنهيدة الارتياح قصيراً بالنسبة للمستثمرين في الأسواق الناشئة في آسيا. السبب في ذلك هو أن السيولة في الأسواق الناشئة أخفت نطاق الرفع المالي في المنطقة، وطمست الحقيقة القائلة إن الأساسيات الكامنة تدعو إلى الانتباه والصحوة على نحو يفوق كثيراً ما تقتضيه عودة التفاؤل.
وكما أضاف "دويتشه بانك"، فإن الاندفاع في أسعار الأصول يخفي تحته حقيقة الإفراط في الاستهلاك، وفقاعة العقارات في كثير من الأسواق، والنمو المفرط في الديون.
لو كانت السيولة هي أهم ما في الأمر، فإن الاندفاع في الأسواق الناشئة يمكن أن يستمر لفترة طويلة، فقد كان يبدو على تصريحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنها تساند الحجة القائلة إن التسهيل الكمي لا يمكن أن ينتهي أبداً لأنه في اللحظة التي سيبدو فيها أنه سيعكس مساره، مهما كان انعكاسه صغيراً، فإن الظروف المالية ستتشدد، وسترتفع العوائد على سندات الخزانة الأمريكية، ما يرفع من الفوائد على القروض العقارية في أعقابها، وسترتجف أسعار الأسهم، وسيصبح ضعف النشاط الاقتصادي الفعلي واضحاً للعيان مرة أخرى.
من الواضح أن تأثير مشتريات مجلس الاحتياطي واسعة النطاق من الأوراق المالية على أسعار الأصول يفوق كثيراً تأثيرها على الاقتصاد الفعلي. وما يدعي الناس من أنه نصر للحمائم يعني أن آراء السوق الهابطة على الآفاق الاقتصادية المحلية هي صاحبة الغلبة.
منذ خمس سنوات يعاني الدخل الحقيقي في الولايات المتحدة التراجع. تم توليد عدد من الوظائف المؤقتة يفوق كثيراً عدد الوظائف الدائمة ذات النوعية العالية. وتستمر طلبات القروض العقارية في التخلف عن المساكن الجديدة، ما يشير إلى أن معظم الطلب على المساكن ليس مدفوعاً بالمشترين وإنما بالمستثمرين المؤسسيين والمضاربين الماليين.
حتى يكون انتعاش الأصول في آسيا مدفوعاً بما هو أكثر من مجرد السيولة، تحتاج آسيا إلى ترتيب أوضاع شركاتها والتعامل مع مشكلة الرفع المالي فيها. تعتبر الميزانيات العمومية للشركات الآسيوية من أكثر الشركات في العالم تعاملاً بالرفع المالي.
في تقريره الصادر في 15 أيلول (سبتمبر)، ذكر بنك التسويات الدولية أن نوعية القروض في الأسواق الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية تراجعت بصورة حادة، ما يشير إلى ارتفاع حجم القروض المعدومة. وهذا يأتي في أعقاب ارتفاع عجيب في الربع الأول مقداره 267 مليار دولار في الديون عبر الحدود إلى الأسواق الناشئة، وهي أكبر زيادة ربعية في التاريخ.
لنبدأ بالصين، حيث يعني فائض الحساب الجاري والضوابط على رأس المال أنه يوجد ضغط مباشر قليل، لكن يُنصح بالحذر مع ذلك. يشعر المستثمرون بالحيرة حول نوايا بنك الشعب الصيني، وما إذا كان سيرفع أسعار الفائدة كما فعل في نهاية حزيران (يونيو) أم أنه سيتراجع قليلاً بعد أن زرع الخوف في البنوك وبنوك الظل.
في آب (أغسطس) ارتفع عرض الأموال (م2) بنسبة 14.7 في المائة، وارتفعت القروض بمبلغ 71 مليار رينمنيبي، وانتعش كذلك إجمالي التمويل الاجتماعي، الذي يعطي صورة عن معظم نشاط بنوك الظل. أما الإسكان، والصادرات، والإنتاج الصناعي، واستخدام الكهرباء، والاستهلاك – وأهم ما في الأمر الرغبات الصريحة للقيادة الصينية – كل ذلك يشير إلى أن النمو المتوقع سيكون بين 7 إلى 8 في المائة.
هناك حديث يدور مفاده أن الحكومة ستوافق على إدراجات جديدة في تشرين الثاني (نوفمبر). لكن هذا على مستوى الاقتصاد الكلي. أما على مستوى الاقتصاد الجزئي، فإن الصورة ليست مشرقة بالقدر نفسه، نتيجة للطاقة الإنتاجية الفائضة، والتنافس الحاد. تبلغ نسبة الديون إلى حركة النقد التشغيلي 7.7 مرة، وفقاً لبحث من مؤسسة فورنزيك إيشا، في هونج كونج، حيث يقول المحلل جيليم تالوك إن هذه النسبة "تزيد كثيراً على مستوى الخطر الذي يقع عند مستوى 6 مرات.
الشركات منذ الآن تعاني الرفع المالي المفرط. في القطاع الصناعي، يبدو أن مشاكل الدفعات والتسديد منتشرة على نطاق واسع، حيث ارتفعت الحسابات الدائنة إلى معدل يقع بين 90 يوماً إلى 110 أيام في المتوسط، ما يشير إلى أن الوضع يمكن أن يكون أسوأ بكثير عندما نصل إلى الشركات الصغيرة.
وهذا يشير كذلك إلى إلى أنه ليس من الحكمة الاستثمار في المصارف باعتبارها صورة عن النمو الاقتصادي، حيث إن عملاءها من الشركات ستجد أن من الصعب عليها بصورة متزايدة تسديد ديونها.
فضلاً عن ذلك، الصين الآن تتحول ببطء نحو مسارات جديدة في النمو، تحت برامج التحفيز الصغيرة، عن طريق شعاراتها التقليدية التي تقول "دعوهم ينشئون السكك الحديدية". وهذا يعني أن شركات التعدين الأسترالية والإندونيسية ربما يكون لها بالمثل مستقبل مظلم.
لو كانت لدى آسيا سياسات أفضل، فإن السيولة التي سينتهي بها المطاف في هذا الجزء من العالم يمكن أن تبقى لفترة أطول. لكن إلى أن توجد هذه السياسات، سيكون من الحكمة بالنسبة للمستثمرين أن يكونوا أيضاً متقلبين.