هذا الاطراد الخادع في تطابق الصدفة عدة مرات بالتوالي هو ما يستغله بعض الشركات الاستثمارية لاصطياد زبائن جدد فتبعث مثلا – شركة الاستثمار الذكي- بعشرة الاف رسالة الى عينة عشوائية خمسة الاف منها تتوقع صعود مؤشر السوق في شهر ابريل وخمسة الاف الى النصف الاخر من العينة تتوقع هبوطه. رد الفعل الطبيعي ان يقول مستلمو هذه الرسائل : توقع اخر وما قيمته ؟. في نهاية ابريل لا بد ان تكون خمسة الاف رسالة قد صدقت فيبعثون الى نصف اصحاب هذه الرسائل بتوقع هبوط المؤشر والنصف الاخر بتوقع صعوده في شهر مايو . في نهاية شهر مايو سينظر الفان وخمسمائة الى رسائلهم قائلين لقد صدقوا مرتين ! وفي شهر يونية سيقول نحو الف وسبعمائة لقد صدقت هذه الشركة ثلاث مرات على التوالي وربما في نهاية شهر يولية سيكون بعض من ثمانمئة زبون جاهزين للاصطياد مؤمنين بقدرة الشركة على استشراف اداء المؤشر ! انه خداع الصدفة .
مثال اخر هي طريق تقييم الناس للمخترعات الحديثة. يرى الكثير كيف اثرت وتؤثر المخترعات الجديدة- كالراديو والسيارات والطائرات – ايجابيا في حياتنا يوما بعد اخر . ويستنتج الكثير منا انا كل اختراع جديد سيؤثر ايجابيا في حياتنا ( استقراء مجرد من اي تفكير احتمالي) ولكن الامر ليس بهذه السهولة فنحن لا نرى الا الاختراعات الناجحة . هناك الاف من الاختراعات الفاشلة التي لا نسمع عنها ولا تجد لها سبيلا الى الحياة . وهل يمكن ان نقول ان الثمن الذي تتكلفه البشرية ان فقدت احد هذه الاختراعات الناجحة كالطائرة مثلا هو ثمن ضئيل اذا قورن بالسموم الكثيرة من هذا الغثاء الذي لا بد ان تمر به حتى تحصل على هذه الجواهر – هذا ان سلمنا انها بالفعل طورت حياتنا وهذا ما يشك فيه نسيم طالب
يتعرض الكتاب للمعاني الفلسفية التي تقوم عليها فكرة الاحتمالات فهو يرى ان الا حتمالات وليدة التشكيك(Probability as a child of skepticism ) وكل مشكك فهو احتمالي التفكير ويتبنى فكرة كارل بوبر ) CarlPopper ) من اننا لا يجب ان نأخذ العلوم بأكثر مما تستحق من الجد فالنظريات لا تعدو ان تكون احدى اثنتين نظرية من المعلوم خطأها بعد ان تعرضت للتمحيص و نظرية لم يثبت خطأها بعد ولكنها معرضة لذلك (الاوز الاسود) والمجتمع المفتوح (open society) حسب بوبر هو المجتمع الذي ليس فيه حقيقة ثابتة وهذا ما يسمح للافكار المضادة ( للسائد منها) بالظهور
من ناحية اخرى وفي محاولة لتفسير الظاهرة يرى المؤلف ان ذهن الانسان غير معد لفهم الاحتمالات وعدم الانتظام (Non-linearity ) بل هو مهيؤ بشكل جيد لفهم السببية فاذا صدقت المقدمة صدقت النتيجة وهذا نوع من العلاقة المنتظمة ( Linearity) وهذا هو مبنى الشعور لدى الانسان ايضا اي اننا – حسب تعبيره- عميان عن فهم الصدفة والاحتمالات (Probability Blind )
يسوق المؤلف مثالا لعدم قدرة العقل البشري لفهم الاحتمالات بشخص ينوي الذهاب في اجازة وهو يمني نفسه بين مقصدين الاول جزر الباهاما والمكان الاخر باريس. ولو افترضنا جدلا انه لا يرجح احدهما على الاخر فان احتمال ان يذهب الى باريس 50% والباهاما 50% ولكن هل يمكن ان يستقرهذان الاحتمالان في ذهنه معا وفي وقت واحد . بالطبع لا . فهو يتخيل نفسه حينا في باريس وحينا اخر في البهاما . عدم القدرة هذه يرجعها المؤلف الى التجربة البشرية التي لم تألف الاحتمالات كواقع في الحياة اليومية وبهذا تشكل العقل البشري بصورة يستعصي عليه تعقل الاحتمالات.