وانت اية اللى خلاك تتفرج على الافلام دى يا مولانا
عمر طاهر يكتب:
من السذاجة أن يحكم الواحد على التيار السلفى من خلال المهندس عبد المنعم الشحات، حتى لو شاءت الظروف أن يكون هو المتحدث الرسمى باسمهم، فلا أحد يعلم بالضبط كيف وصل إلى هذا المنصب؟ هل بالإجماع العام أم بسياسة الأمر الواقع أم بتفويض من أصدقائه؟ فى كل الأحوال سيكون أمرا فى منتهى الظلم أو القسوة أن تعتبر حالة الباشمهندس الشحات هى ملخص لحالة سلفيى مصر.
على الرغم من أن محاولة النظر بموضوعية لما قاله الباشمهندس عن العالمى نجيب محفوظ أشبه بمحاولات الانتحار، فإن الواحد حاول وكانت المفاجأة أنه اكتشف أننا مقبلون على «مرار طافح»، فالباشمهندس إما أنه لم يقرأ نجيب محفوظ (وهذا فى أغلب الظن) وأصدر حكمه عليه بالشبه وبالسمع ودون أن يتحقق مما يقوله وهذه كارثة، وإما أنه استنتج رأيه عن محفوظ من الأفلام التى أضاف إليها المنتجون الخلطة التجارية، وهو أمر لا يخص محفوظ كما أنه يدفعنى إلى السؤال: وانت إيه اللى يخليك تتفرج على الأفلام دى يا مولانا؟ كان أولى بك أن تهاجم مشاهد سينمائية فاضحة ليس لها أهمية، وكنا وقتها سنتفق معك، خصوصا أن فلسفة العرى فى السينما عندنا شىء ساذج، سواء فى أفلام عن قصص نجيب محفوظ أو حتى فى أفلام دينية مثل فجر الإسلام الذى يحفل بمشاهد للجوارى والسبايا والراقصات. الاحتمال الثالث أن الباشمهندس قرأ محفوظ ولم يلفت نظره سوى بيوت الدعارة وأبطال القصص الذين يشربون الخمور، وهنا تقع المسؤولية على القارئ لا الكاتب، فالحديث عن البشر فى مختلف تجارب الحياة أمر يحسن خبرة البشر عموما وتجنب الحديث عن تجارب بشر ضائعة هو جهل إنسانى محض وإلا -مع الفارق الكبير فى التشبيه طبعا- كنا سنقاطع القصص الدينية عن قوم لوط أو عن الغواية التى تعرض لها سيدنا يوسف على يد امرأة العزيز، أو كنا سنقاطع كتب التاريخ التى تحكى عن قصص حقيقية حول كل ما وقع البشر فيه من أخطاء من هذا النوع. القصص فى حد ذاتها لا تؤذى، ولكن السؤال يا باشمهندس: الواحد بيقرا إزاى؟
لا دفاع عن الإسفاف أو البذاءة أو الانتصار للرذيلة، وأتحداك أن تجد فى روايات محفوظ ما يشبه ذلك، ولكن عندما أحكى لك عن نماذج للحيرة والضعف البشرى، فأنا لا أدعوك إليه وإذا اعتبرتها دعوة فأنت شخص متربص أو سطحى ومالكش قراية أصلا.
ما أؤمن به الآن أن مكافحة مثل هذه الفتاوى والآراء التى سنستمع لما يشبهها كثيرا خلال الأيام القادمة محملة بابتسامة مثل ابتسامة الباشمهندس الشحات.. أؤمن أن مكافحتها ليست بالكامل من اختصاص الصفوة والنخبة والمثقفين، ولكن الجزء الأساسى منها مسؤولية شباب السلفيين والشيوخ المستنيرين. مكافحة الباشمهندس ومن يشبهه من قبل النخبة والمثقفين ستحول الأمر إلى صراع ضد الدين.. ولكن مكافحة شباب السلفيين والشيوخ لمثل هذه الطرق فى التفكير هى صراع لمصلحة الدين. وتصدى النخبة والمثقفين لها سيضيع جوهر المسألة وسيحوله إلى مجرد حرب توك شو وكليبات ساخنة وتصريحات عنترية من الطرفين. وحدهم شباب السلفيين وشيوخنا الكبار قادرون باسم الدين على أن يقاوموا من يسىء للدين حتى لو كان من داخله، الرهان عليهم حتى لا يصبح الأمر فتنة وحتى لا يخرج من بين صفوفهم اللى يضحك الناس عليهم.
لذلك قلت إن الحكم على السلفيين من خلال تصريح شارد لواحد منهم فيه ظلم لهم جميعا وأنا أحسن الظن بشبابهم الذين ألتقيهم فى الميدان والندوات وبعض البرامج ويراسلوننى ويصنعون أفلاما ويكتبون مقالات مستنيرة مثل «سلفيو كوستا» وكثيرين غيرهم وأرجوهم أن يعلو صوتهم فى مثل هذه المعارك، أما إذا كنت على نياتى فى حسن الظن المبالغ فيه هذا، فيجب أن نحمد الله أن نجيب محفوظ رحل عن عالمنا قبل أن يصبح برنامجه اليومى يحتوى على فقرة ثابتة يتعرض خلالها فى كل صباح للغز فى رقبته.