عالم أفضل وأكثر أماناً
'أشرق الثلاثاء 11 أيلول (سبتمبر) 2001 شرقي الولايات المتحدة بلطف وبلا غيوم تُذكر. ملايين من الرجال والنساء جهزوا أنفسهم للعمل. بعضهم شق طريقه إلى البرجين التوأم، الرمز المعماري لمجمع مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك. آخرون ذهبوا إلى آرلينجتون، فيرجينيا، إلى البنتاجون ...''.
هكذا يبدأ تقرير لجنة 11/9، التحقيق الرسمي للحكومة الأمريكية في أسوأ هجمات إرهابية في التاريخ الأمريكي. نحو ثلاثة آلاف شخص قُتلوا في ذلك اليوم. البرجان التوأم أصبحا أثرا بعد عين. وباتت الجروح غائرة في الوجدان الأمريكي حتى أن 11/9 أضحت راسخة في اللغة الإنجليزية. وإثر كل ذلك، فإن الولايات المتحدة وأصدقاؤها وباراك أوباما، رئيسها، يُحق لهم الشعور بالزهو بالأنباء بأن قوات أمريكية قتلت أسامة بن لادن، العقل المدبر، غير النادم، لهجمات 11/9، عقب ملاحقة دامت تسعة أعوام ونصف العام.
نجاح العملية يشهد بطول يد أمريكا العسكرية التي لا تضاهى، وبقدراتها الاستخبارية الهائلة ـــ لبلد غالبا ما يشتبه في أن مدى اهتمامه بمتابعة أهداف قومية طويلة الأجل قصير جدا ـــ وبعزمها الصارم على اقتفاء أثر أكثر أعدائها مراوغة. مع ذلك فإن تصفية ابن لادن تتيح لإدارة أوباما فرصة ذهبية للمُضي قُدماً في إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية التي انخرط فيها الرئيس منذ تسلمه الحكم في 2009.
هجمات 11/9 عجلت بشن جورج بوش، سلف أوباما، حربين باهظتي التكلفة على أفغانستان والعراق. وأي منهما لم تمض كما خطط لها، وأثبت احتلال العراق أنه مثير للجدل بصورة استثنائية. وبجعله ''الحرب على الإرهاب'' حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمريكية، بالغ بوش في تبسيط القضايا المطروحة بإصراره على أن الدول الأخرى ينبغي أن تكون ''معنا أو ضدنا'' في الصراع ضد الإرهاب.
الآن وقد مات ابن لادن، لدى أوباما الفرصة للدفع بقضية المصالحة مع العالم الإسلامي التي تطرق إليها في خطاب مفصلي في جامعة الأزهر في القاهرة في حزيران (يونيو) 2009. وأيضا لأن مقتل بن لادن تزامن مع الصحوة السياسية العارمة للعالم العربي، التي بدأت في تونس في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ثم امتدت إلى مصر، وليبيا، وسورية، والبحرين، واليمن وما بعدها. ولم تلعب القاعدة، الشبكة الإرهابية التي أسسها ابن لادن قبل أكثر من 20 عاماً، دوراً يُذكر في ربيع العرب. ولا تجد رسالة الجماعة، المتمثلة في العنف القاسي ضد الأهداف الغربية، آذاناً صاغية في مجتمعات تكمن تظلماتها الملتهبة في الكبت السياسي، والظلم، والفساد الرسمي، وبطالة الشباب، والفقر. ولفترة طويلة جداً، ساندت الولايات المتحدة وحلفاؤها الطغاة من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا. والآن يوجد زوال ابن لادن وخفوت تأثير أيديولوجية القاعدة، حافزاً قويا للولايات المتحدة كي تؤيد القوى التقدمية في المنطقة في مسعاها من أجل التعددية وحقوق الإنسان.
إن موت بن لادن يمكن أن يتيح كذلك خيارات جديدة للولايات المتحدة، مع تأهبها لفض اشتباكها في أفغانستان خلال الأعوام المقبلة. والتبرير الأصلي للحرب كان هو أن طالبان الأفغانية وفرت ملاذا للقاعدة ولزعيمها. وبعد نحو عشرة أعوام يبدو وكأن قوات الناتو تنفق وقتاً أكبر على جهد يستهدف تحويل أفغانستان إلى دولة عصرية جيدة الحكم، بدلا من مهمتها الأساسية المتمثلة في حماية البلدان الغربية ومواطنيها من التعرض لهجوم. على الولايات المتحدة وحلفائها التعامل مع موت ابن لادن باعتباره فرصة لتكثيف التواصل مع ممثلي طالبان، من منظور الدخول في انسحاب مرحلي لقوات الناتو خلال الأعوام الأربعة المقبلة. فلم يعد بالإمكان المجادلة بأن المهمة العسكرية في أفغانستان موضوع حياة أو موت بالنسبة للحضارة الغربية.
وعلى النقيض، فإن اكتشاف حقيقة أن بن لادن كان يعيش في مدينة أبوتباد الباكستانية، على مسافة قريبة من الأكاديمية العسكرية الوطنية، يثير تساؤلات مزعجة. ويبدو أن من غير المتصور أن أحداً من الاستخبارات الباكستانية لم يكن يعرف شيئا عن مخبأ ابن لادن. وهذا يؤكد درجة التأييد للتطرف الإسلامي في جهاز الأمن الباكستاني. لذا، من غير المرجح للاحتكاكات الأخيرة في العلاقات الأمريكية ـــ الباكستانية أن تختفي سريعاً.
وبالنسبة لآفاق أوباما السياسية، ليس من الحكمة الإفراط فيما يمكن أن يسفر عنه مقتل بن لادن. فحتى الانتصار في حرب الخليج الأولى لم يكن كافياً لتأمين إعادة انتخاب جورج بوش الأب في 1992. لكن نجاحات السياستين الخارجية والأمنية تستحق الاحتفال بها في حد ذاتها. إن عالما بلا بن لادن قطعاً، مكان أفضل وأكثر أماناً.